حلّ مؤقت يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمواصلة عمليات التفتيش في إيران

فيينا – توصّلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى "حلّ مؤقت" يمكنها من مواصلة عمليات التفتيش في إيران، بعد محادثات أجراها المدير العام للوكالة رافايل غروسي مع مسؤولين في طهران الأحد.
وأعلن غروسي أنه "سوف يتم تقييد عملنا، لنواجه هذا الأمر. لكنّنا تمكنا من الإبقاء على الدرجة اللازمة من أعمال المراقبة والتحقق"، واصفا الترتيبات الجديدة بأنها "تفاهم تقني مؤقت".
وقال "ما اتفقنا عليه هو شيء قابل للحياة (…) من المجدي جسر هذه الفجوة التي نواجهها الآن، هذا ينقذ الوضع الآن".
ولم يعط غروسي تفاصيل دقيقة عن الأنشطة التي لن يكون بإمكان الوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بها، لكنه أكد عدم خفض عدد المفتشين في إيران واستمرار عمليات التفتيش المفاجئة في ظل التفاهم المؤقت.
ومع ذلك سيبقى "التفاهم" الجديد خاضعا لمراجعة مستمرة، ويمكن تعليقه في أي وقت.
وكان البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المحافظون، قد أقر قانونا في ديسمبر يلزم الحكومة بوقف العمل بالبروتوكول الإضافي وطرد مفتشي الوكالة، في حال لم ترفع الولايات المتحدة العقوبات المصرفية والنفطية التي تفرضها على طهران. ومن المتوقع أن يدخل القانون حيز التنفيذ الثلاثاء.
وقال غروسي "هذا القانون موجود، وهذا القانون سينفذ، ما يعني أن البروتوكول الإضافي للأسف سوف يُعَلّق".
وجاءت زيارة غروسي إلى طهران وسط الجهود المكثفة التي تبذل بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والقوى الأوروبية وإيران، لإنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015، الذي كان على وشك الانهيار منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه.
ووصف غروسي اتفاق الأحد بأنه "نتيجة جيدة (…) ومنطقية" بعد "مشاورات مكثفة جدا" مع المسؤولين الإيرانيين.
وكان غروسي يتحدث بعد يومين من الاجتماعات المتواصلة في العاصمة الإيرانية، حيث التقى وزير الخارجية محمد جواد ظريف ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي.
وقال غروسي إنه كان يأمل من رحلته إلى طهران "تأمين الاستقرار لوضع غير مستقر إلى حد كبير".
وأضاف "أعتقد أن هذا الفهم التقني يحقق ذلك حتى يكون بالإمكان إجراء مناقشات سياسية على مستويات أخرى، والأهم من كل ذلك تجنب وضع قد نكون فيه، بتعبير عملي، نسير على غير هدى".
وأعلنت إيران من جهتها أنها أجرت مباحثات "مثمرة" الأحد، مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال كاظم غريب أبادي، سفير طهران لدى الوكالة التي تتخذ فيينا مقرا، "إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية أجرتا مباحثات مثمرة مبنية على الاحترام المتبادل، وسيتم نشر نتيجتها"، وذلك عبر تويتر بعد حضوره اجتماع صالحي-غروسي.
وسبق لإيران التأكيد أن تنفيذ قرار مجلس الشورى لن يؤدي إلى وقف عمل المفتشين بالكامل أو طردهم، وهو موقف أعاد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تأكيده الأحد، محذرا في الوقت نفسه من أن طهران ستواصل خفض التزاماتها ما لم يعد الأطراف الآخرون إلى التزاماتهم، خصوصا رفع العقوبات.
وقال في حوار مع قناة "برس تي.في" الإيرانية الناطقة بالإنجليزية، إن طهران ستبلغ غروسي "عن احترام قواعد وقوانين بلادنا التي تعني تنفيذ قرار البرلمان (…) وفي الوقت نفسه، عدم الوصول إلى طريق مسدود لكي يتمكن من تنفيذ الالتزامات لإظهار أن برنامج إيران النووي يبقى سلميا".
وكان المدير العام أكد سابقا أن زيارته هدفها إيجاد "حل مقبول من الطرفين (…) لتتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مواصلة نشاطات التحقق الأساسية في إيران".
وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحبت أحاديا من الاتفاق النووي عام 2018، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران.
بعد عام من ذلك، بدأت إيران بالتراجع تدريجيا عن العديد من الالتزامات الأساسية في الاتفاق المبرم في فيينا عام 2015، بينها وبين كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا.
وأبدت إدارة بايدن استعدادها للعودة إلى الاتفاق، لكنها اشترطت بداية عودة إيران إلى التزاماتها. في المقابل، تشدد طهران على أولوية رفع العقوبات، مؤكدة أنها ستعود إلى التزاماتها في حال قامت الولايات المتحدة بذلك.
وبموجب قانون أقره مجلس الشورى الإيراني في ديسمبر، يتعين على الحكومة الإيرانية تعليق التطبيق الطوعي للبروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، في حال عدم رفع واشنطن للعقوبات بحلول 21 فبراير.
وسيقيد ذلك بعض جوانب نشاط مفتشي الوكالة التي تبلغت من طهران دخول الخطوة حيز التنفيذ في الـ23 من فبراير.
وأشار ظريف إلى أن من بين الإجراءات الجديدة "عدم تزويد (الوكالة) بتسجيلات الكاميرات" في المنشآت، موضحا أن التفاصيل التقنية ستبحث بين الوكالتين الدولية والإيرانية.
وشدد على أن إجراءات بلاده لا تشكل خرقا للاتفاق، المعروف رسميا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".
وأوضح "نحن لا نخرق خطة العمل الشاملة المشتركة، نحن نطبق خطوات تعويضية ملحوظة في خطة العمل نفسها"، مكررا أن إيران "قالت دائما (…) عندما يعودون إلى التزاماتهم، سنعود".
وكان النائب الأول لظريف عباس عراقجي أشار السبت، إلى أن الخطوة الجديدة ستقلص قدرة الوكالة على التفتيش "بنحو 20 إلى 30 في المئة".
وسبق لظريف التأكيد أن الاتفاق يسمح لإيران بالتراجع عن التزاماتها، في حال أخلّ الآخرون بالتزاماتهم.
ورأى في تصريحاته الأحد أن "شيئا لم يتغير" منذ تولي بايدن منصبه في يناير، وأن إدارته تواصل النهج الذي اعتمده ترامب.
وحذّر ظريف من أن لإيران الحق في التراجع عن التزاماتها بشكل "كامل أو جزئي" في حال لم يلتزم الآخرون، مضيفا "لا زلنا في المرحلة الجزئية. يمكننا أن نكون (في المرحلة) الكاملة".
وأبدت إدارة بايدن الخميس استعدادها للمشاركة في مباحثات برعاية الاتحاد الأوروبي ومشاركة كل أطراف الاتفاق، للبحث في السبل الممكنة لإحيائه.
وقال عراقجي إن طهران تدرس الاقتراح "ونتشاور مع أصدقائنا وحلفائنا مثل الصين وروسيا"، معتبرا أن رفع العقوبات مسألة لا تحتاج إلى تفاوض.
وسبق للولايات المتحدة والدول الأوروبية المنضوية في اتفاق 2015، تحذير إيران من تبعات خطوتها المقبلة. ودعت هذه الدول بعد اجتماع لوزراء خارجيتها الخميس، إيران إلى تقييم "عواقب إجراء خطير كهذا، خصوصا في هذه اللحظة التي تسنح فيها الفرصة بالعودة إلى الدبلوماسية".
وأبلغ بايدن مؤتمر ميونخ للأمن بأن بلاده ستتعاون مع حلفائها في سبل التعامل الدبلوماسي مع إيران، بعدما اعتمد سلفه ترامب سياسة "ضغوط قصوى" حيالها.
ودعت هذه الدول إيران إلى تقييم "عواقب إجراء خطير كهذا".
وقال بايدن إن "تهديد الانتشار النووي لا يزال يتطلّب دبلوماسيّة وتعاونا دقيقَين (…) لهذا السبب قُلنا إنّنا مستعدّون لإعادة الانخراط في مفاوضات مع مجموعة 5+1 بشأن برنامج إيران النووي".
وعكست الصحف الإيرانية الأحد آراء متباينة بشأن قانون مجلس الشورى، الذي يهيمن عليه المحافظون.
واعتبرت صحيفة "كيهان" المحافظة أن الخطوة الجديدة "استراتيجية"، وتوفّر "ضمانة" من خلال إفهام الطرف الآخر أن "فسخ العقد (الاتفاق) أمر مكلف".
ورأت "شرق" الإصلاحية أن واشنطن "لم تظهر أي نية للعودة إلى الاتفاق، على رغم معرفتها بقرار البرلمان"، مرجحة أن تكون الأيام المقبلة "مفصلية بالنسبة إلى إيران ومجموعة 4+1، وأيضا للولايات المتحدة".