"حليم الرعد" فيلم يتتبع معاناة مرضى التوحد في الجزائر

الفيلم يطرح تفاصيل حياة مرضى التوحد والمخاطر التي تهددهم بكثير من الواقعية والإقناع.
السبت 2022/04/30
مريض التوحد هارب فزع من المجتمع

الجزائر - يشكل مرض التوحد مشكلة رئيسية في الصحة العمومية في الجزائر، حيث ترتفع نسب الإصابات بهذا المرض عاما تلو الآخر وتزيد نسب العائلات والأطفال الذين يواجهون شتاتا رهيبا وضعفا في التكفل بهم على اختلاف مستوياته ومجالاته، بالتوازي مع جهل مجتمعي واسع بطبيعة المرض وتأثيراته في المصاب وعائلته.

ولتسليط الضوء على هذه المأساة المتفاقمة، طرح المخرج الجزائري الشاب محمد بن عبدالله فيلمه الطويل الجديد “حليم الرعد” الذي يتناول بجمالية عالية وحساسية مفعمة معاناة الأطفال المصابين بالتوحد في المجتمع الذي يرفض تقبلهم ويتنمر عليهم ما يؤثر سلبيا عليهم وعلى ذويهم.

و”حليم الرعد” أول فيلم عن مرض التوحد في الجزائر، وفيه يطرح المخرج تفاصيل مستوحاة من الحقيقة عن حياة حاملي هذ المرض والمخاطر التي تهددهم بكثير من الواقعية والإقناع.

المخرج بن عبدالله يأخذ الجمهور إلى نموذج ليوميات الأطفال المصابين بالتوحد التي تتسم بالنظرة السلبية للمجتمع

ويأخذ المخرج في هذا العمل الروائي الأول له بعد ثلاثة أفلام قصيرة وهي “برمودا” و”سأخبر الله بكل شيء” و”ذهينيز”، الجمهور إلى نموذج ليوميات الأطفال المصابين بالتوحد التي تتسم بنظرة المجتمع السلبية والتنمر والاحتقار الذي يتعرضون إليه رغم أنهم يعانون في صمت، كما يعرج على معاناة المرأة التي تعيل ابنها الوحيد المصاب وسط مجتمع يحترم القوي ويعتدي على الضعيف.

ويذكر أن بداية المخرج وكاتب السيناريو بن عبدالله كانت في المسرح كممثل قبل إخراجه أول فيلم قصير له “ذهينيز” الذي شارك في فئة الأفلام القصيرة “شورت فيلم كورنر” بمهرجان كان سنة 2016.

وتدور أحداث الفيلم الذي يندرج ضمن خانة الدراما الاجتماعية، على مدار 100 دقيقة ويغوص في يوميات حليم صاحب الـ25 عاما وهو مصاب بالتوحد ويعيش رفقة والدته الأرملة في شقة متواضعة بالمدينة حيث اعتاد البقاء لساعات طويلة ملتصقا بشاشة التلفاز لمشاهدة رسوم متحركة “المانجا” غير مدرك لما يدور من حوله ومنغمس في عالمه الخاص ولكنه حساس ويسعى دائما لأن يكون مثل قدوته، شخصية الرسوم المتحركة “هزيم الرعد” ليحمي كل الضعفاء.

وتستمر معاناة بطل الفيلم حليم، الذي أبدع في أدائه الممثل الشاب أنس تناح، عند خروجه للعب خارج المنزل أين يعاني من تنمر الصغار والكبار على حد السواء لجهلهم طبيعة مرضه كما أنه يرفض أن يصبح رجلا ويفضل اللعب مع الأطفال الذين يعتبرهم أصدقاء لكنهم لا يبادلونه نفس الشعور ويتنمرون عليه ويضربونه.

كما سلط المخرج عدسة كاميراته على معاناة والدة حليم، التي برعت في تقمص دورها الممثلة دليلة نوار، بعد كل ما يسببه لها ابنها من مشاكل مع الجيران وأبناء الحي وهو يدافع عن نفسه، بالإضافة إلى مشاكلها الخاصة حيث تعمل بدورها منظفة وتتعرض للتحرش من طرف مسؤولها لكنها ترفض الإذعان لنزواته ما يتسبب في فقدانها لعملها حيث تتفاقم الهموم على هذه المرأة التي تتلاشى كلما شاهدت علامات الضرب المبرح على ابنها الذي يتعرض له في الشارع وفي الملعب وحتى أمام باب شقتها.

ومن خلال تواتر الأحداث يوضح المخرج رؤية المجتمع السطحية لمرض التوحد وطرق علاجه حيث تشير جارة والدته بأخذه إلى بعض الشيوخ والمعالجين الروحانيين (الراقي) لمعالجته لكن حليم يتعرض مجددا للضرب المبرح، لتتقبل والدته في الأخير فكرة عرضه على طبيب نفسي لمعالجته.

"حليم الرعد" أول فيلم عن مرض التوحد في الجزائر، وفيه يطرح المخرج تفاصيل مستوحاة من الحقيقة عن حياة حاملي هذ المرض

ويلتقي حليم في العيادة مع فتاة شابة تعاني من التوحد أيضا ويقع في حبها، لكنه يكتشف أنها تتعرض للاعتداء الجنسي من طرف زوج والدتها ليندفع ويقتله ويدخل في حالة عنف وينفذ سلسلة من الجرائم انتقاما من جاره الذي اعتدى عليه جنسيا أيضا حين كان طفلا ومن كل من اعتدى عليه وضربه من أطفال الحي وجيرانه.

ويعكس فيلم “حليم الرعد” وهو من إنتاج مؤسسة “ميسان” للسينمائي يحيى مزاحم وتوزيع شركة “م.دي سيني” دلالات اجتماعية وضرورة تغيير نظرة المجتمع في كيفية التعامل مع المصابين بالتوحد، في حين نجح المخرج محمد بن عبدالله في تقديم عمل محترم من الناحية التقنية إلى جانب تحكمه الكبير في إدارة الممثلين.

وحرص منتج الفيلم يحيى مزاحم كما أكد في لقاء صحافي عقب العرض الأول للفيلم على أن المراد من وراء فيلم “حليم الرعد” هو تقديم عمل إنساني مبني على أحداث مستمدة من الواقع، مبرزا أنه “فيلم بتمويل مستقل تم إنجازه بميزانية شبه منعدمة ولم نسع للبحث عن التمويل والدعم المادي لأن الهدف هو تشجيع إنتاج أصحاب المشاريع السينمائية الشباب وتمكينهم من عرض أفلامهم عبر القاعات وإيصال صوتهم للجمهور، كما ينبه الفيلم لوضعية المصابين بالإعاقة والمرأة في المجتمع”.

وذكر مزاحم أن الفيلم سيتم توزيعه من طرف مؤسسة “أم.دي سيني” على مستوى القاعات وطنيا بداية من الثاني عشر من ماي المقبل على غرار قاعة ابن خلدون وقاعة ابن زيدون بالعاصمة وقاعة المغرب بوهران  قاعة أحمد باي بقسنطينة.

وقال المخرج إن الفيلم “مستوحى من الواقع ويطرح قضية هامة ويسائل المجتمع حول أنماط سلوكه مع المصابين بالتوحد كما ينبه للمخاطر التي يتعرض لها المتوحد من اعتداءات جنسية وعنف، ليدفع المجتمع للتفكير بجدية لإعادة النظر في تعامله مع هذه الفئة الحساسة والبريئة”.

وأكد بطل الفيلم الممثل تناح (دور حليم)، أنه “تقمص الشخصية ولبس أدق تفاصليها وكان يعاني من تبعات أدائها على المستوى النفسي بسبب الشحنات العاطفية التي تميز بنية الشخصية التي عانت الكثير بسبب إعاقتها الذهنية”.

15