حلول الدفع المؤجل تكرس التسوق الإلكتروني في المغرب

بدأت شركات التكنولوجيا المالية تلتفت إلى قطاع القروض الاستهلاكية في السوق المغربية، وسط سعي مسؤولي البلد إلى استقطاب الاستثمارات، في الوقت الذي تواصل فيه تعزيز التسوق الرقمي ضمن إستراتيجية لتكريس تجربة التعاملات الإلكترونية.
الرباط - تتطلع أولى الشركات المتخصصة في خدمات الدفع الآجل في المغرب، أو ما يُعرف بنموذج “اشتر الآن وادفع لاحقا”، إلى سوق متنامية تُقدر بالملايين من الدولارات، متلمسةً النجاح الذي حققته في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط.
ويمثل الدفع المؤجل طريقة عملية وسريعة للمشترين، لأنه في حالة عدم توفر السيولة اللازمة للحصول على منتج أو خدمة ما سيوافق البائعون على تسليم المستهلكين ما يريدونه على أقساط مستقبلية.
وبرزت شركات التكنولوجيا المالية المتخصصة في الإقراض الاستهلاكي وخدمات اشتر الآن وادفع لاحقا في السنوات الأخيرة لتقديم قروض إلى المستهلكين، لتقوم فيما بعد بتجميع تلك القروض، وتحصل على تمويل مدعوم بمحافظها.
وتعتبر الشركة المغربية الناشئة عاليا، باكورة الشركات في هذه السوق، وبدأت أعمالها رسميا في مارس الماضي بعدما حصلت على ترخيص هو الأول من نوعه في البلاد لتقديم حلول الدفع الآجل، من البنك المركزي.
وخلال العام ذاته حصلت عاليا، التي تأسست في عام 2023، على تمويلات لم تكشف قيمتها من صناديق استثمار من بينها صندوق بروباركو التابع للوكالة الفرنسية للتنمية (أي.أف.دي).
وقال إبراهيم زايد مؤسس الشركة في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق إن “سوق الدفع الآجل في المغرب تُقدر بنحو 15 إلى 20 مليار درهم (1.5 مليار دولار وملياري دولار).”
وتوقع زايد أن ترتفع إلى قرابة الخمسة مليارات دولارات بنهاية العقد الجاري، مع توسع استخدام آليات الدفع الإلكتروني.
وتطبيقات وحلول “اشتر الآن وادفع لاحقا”، التي ظهرت في بداية العقد الحالي، من الابتكارات المالية التي ترسخ مكانها في عدد من الأسواق، محدثة نقلة نوعية في التعاملات التجارية التقليدية.
وتتيح هذه التطبيقات للمستهلكين الحصول على المنتجات والخدمات دون الحاجة إلى دفع قيمتها كاملة في البداية، وإنما يتم السداد على أقساط، مما يساهم في تخفيف العبء المالي.
وحققت هذه الحلول نجاحا كبيرا في أوروبا على غرار تجربة كلارنا. وفي السعودية برزت تابي كأولى شركات يونيكورن، التي تتجاوز قيمتها المليار دولار، بفضل هذه السوق، وقد استفادت من طفرة التجارة الإلكترونية التي تسجلها منطقة الخليج مع تغير أنماط الاستهلاك.
وبحسب مؤشر المدفوعات لشركة ماستركارد الأميركية لعام 2022، أكد 74 في المئة من المستهلكين المغاربة معرفتهم بمفهوم “اشتر الآن وادفع لاحقاً”، وحوالي 39 في المئة منهم مرتاحون لاستخدامه لأنهم يفضلون المرونة والراحة التي توفرها هذه الخدمة.
ويؤكد زايد أن نجاح هذه الحلول يأتي في وقت تشهد فيه الأسواق تضخما وارتفاعاً في أسعار الفائدة، وهو ما سبب انخفاضا في القدرة الشرائية، مشيرا إلى أن هذه الحلول تُتيح للتجار زيادة مبيعاتهم كما تساعد المتعاملين والزبائن على تدبير أفضل للإنفاق.
تطبيقات اشتر الآن وادفع لاحقا خطوة إيجابية نحو تعزيز الشمول المالي بعيدا عن القيود التي تفرضها الوسائل التقليدية للتمويل
ويرى المستهلكون الذين استخدموا هذه الحلول أنها مفيدة لعمليات الشراء الطارئة والكبيرة، فضلا عن زيادتها للقدرة الشرائية، بحسب ماستركارد.
كما يعتبرونها أداء فعالة في ما يتعلق بالميزانية والتخطيط المالي، وتكون حلا مفيدا في ما يخص عمليات الشراء الطارئة والكبيرة عندما لا تتوفر السيولة النقدية الكافية.
وتقترح عاليا حلا بديلا لكن ليس بالضرورة منافسا للبنوك، بحسب مُؤسسها. وتتيح للمستهلكين دفع المشتريات بشكل آجل مقسم على أقساط تصل إلى أربعة دون رسوم ولا فوائد. ويوقع المتعامل عقد قرض يلتزم فيه بسداد المبلغ وفقاً للشروط المتفق عليها وقت الشراء.
وبالنسبة إلى النموذج الاقتصادي لمثل هذه الخدمة في ظل غياب أي فوائد، يقول زايد إن شركته تتقاضى عمولة من التجار مقابل خدمات عدة، أبرزها زيادة مشتريات المستهلكين وضمان ولائهم.
وتعتمد عاليا على مزيج من التمويل الداخلي والخارجي، على رأسها البنوك إلى جانب صناديق الديون المتخصصة. وقد طوّرت الشركة نموذج تنقيط خاص يعتمد على تحليل البيانات التي يتم تضمينها في العقد لتقييم إمكانية التخلف عن السداد.
ويرى زايد، الذي عمل مستشارا لدى مجموعة بوسطن الاستشارية، أن ثقافة الدفع الآجل كانت مبنية بشكل أساسي على الثقة بين التاجر والزبون.
وقال “نسعى اليوم لإضفاء طابع جديد على هذه العملية بضمان حصول التجار على مستحقاتهم وتمكين المتعاملين من إدارة النفقات بشكل أفضل.”
وفي الواقع، لا تقدم شركات “اشتر الآن وادفع لاحقا” خدمة غير مسبوقة، فالدفع عبر أقساط هو بالفعل خدمة تقدمها البنوك منذ سنوات طويلة.
وتظهر الأرقام الرسمية في المغرب أن 60 في المئة من الضريبة السنوية على السيارات تؤدى عبر أقساط بواسطة شيكات، كما أن الدفع عبر أقساط شهرية مستعمل من طرف 80 في المئة من المشتركين المغاربة في صالات الرياضة.
ويرى الخبراء أن تطبيقات “اشتر الآن وادفع لاحقا” تمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز الشمول المالي في المغرب، إذ تتيح لشرائح واسعة من المجتمع الوصول إلى المنتجات دون القيود التي تفرضها الوسائل التقليدية للتمويل.
ورغم الفوائد التي يوفرها هذا الأسلوب، إلا أنه يفرض تحديات على المستهلك تتعلق بإدارة الديون وفهم الشروط المالية بشكل دقيق لتجنب الفائدة المتزايدة في حالة التأخر في السداد، بحسب دراسة لكلية إسليسكا لإدارة الأعمال في الرباط.
وقال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك في المغرب، إن “خدمة الدفع الآجل كان معمولاً بها منذ القدم كإشهار لبيع المنتجات وخاصة المنزلية.”
وأضاف في حديثه مع بلومبيرغ الشرق إن “الجديد اليوم أن هذه الخدمة باتت حرفة في حدّ ذاتها تتخصص فيها شركات ناشئة لجلب المستهلكين مستفيدة من تضرر القدرة الشرائية.”
وتتخوف جمعيات حماية المستهلك من تأثير هذه التطبيقات على تشجيع المستهلكين على الاستهلاك الزائد دون النظر إلى قدرتهم الحقيقية على السداد، مما قد يؤدي إلى تراكم الديون.
وأشار الخراطي في هذا الصدد إلى ضرورة “تقوية التشريع القانوني في هذا الصدد لحماية المستهلك من السقوط في الإفراط في الاستدانة، بتحديد سقف لا يمكن تجاوزه بالنسبة إلى كل فرد أخذا بعين الاعتبار مدخوله الشهري.”