حلم يراود دعاة إصلاح التعليم في الكويت: تطبيق النموذج الفنلندي

تطبيق أفضل النظم التعليمية في الكويت طموح يشرع له المزاج الإصلاحي السائد وتقف أمامه عوائق هيكلية معقدة.
السبت 2024/11/16
محتويات ومخرجات لا تتناسب مع حجم الإمكانيات

الكويت - سجل الطموح إلى إصلاح التعليم في الكويت ارتفاعا نوعيا في سقفه مع طرح فكرة تطبيق النموذج الفنلندي بالغ التطور على العملية التعليمية في البلد. وتلقى وزير التربية الكويتي جلال الطبطبائي مؤخرا مقترح دراسة شاملة تتضمن تقديم استشارة مجانية لتطبيق تجربة فنلندا في التعليم.

ويشرّع لمثل هذا الطموح المزاج الإصلاحي الشامل السائد في الكويت بدفع من أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الذي أظهرت سياساته توجّها واضحا نحو تسهيل اتخاذ القرارات الإصلاحية وتنفيذها بالسلاسة والسرعة المطولبتين.

لكنّ تنفيذ مثل تلك القفزة في العملية التعليمية في الكويت يتطلب سلسلة طويلة من الإجراءات بدءا من توفير الكادر الضروري لمراجعة البرامج بشكل جذري فضلا عن إيجاد المدرّسين النوعيين القادرين على تطبيق البرامج الجديدة، علما أنّ مؤسسات التعليم في البلد تعتمد في توفير الكادر التدريسي على استقدام أفراده من الخارج وتعاني رغم ذلك نقصا مستمرا في أعداد المدرّسين.

لا تتناسب المشاكل التي يعرفها قطاع التعليم في الكويت مع ما تخصصه له الدولة من ميزانيات ضخمة لا يتم التصرّف فيها بالشكل الملائم

ويُعرف التعليم في فنلندا وسائر البلدان الأسكندنافية بتطور أساليبه وجودة مخرجاته حيث يقوم على التركيز على طريقة إيصال الفكرة للمتعلم وتدريبه على تحليلها واستثمارها بدل تهيئته لاجتياز امتحانات واختبارات ظرفية تحوّل اهتمامه نحو النجاح وكسب الدرجات.

وضمنت جودة التعليم للفنلنديين حضورا دائما لطلابهم ضمن المراتب العشر الأُوَل عالميا في إتقان القراءة وامتلاك مهارات الرياضيات والعلوم، وفق تصنيف منظمات دولية رصينة تعني بالتعليم عبر العالم.

ويتناقض ذلك جذريا مع حالة التعليم في الكويت الذي بدأت مشكلاته مع سيطرة قوى إسلامية عليه بشكل مبكّر وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين وطبعته بطابعها الديني حتى أنّ أحد منتقدي تلك الظاهرة قال إنّ هدف التعليم في البلد صار تهيئة الفرد لدخول الجنة بدلا من تهيئته ليكون عنصرا فاعلا ومفيدا لنفسه وللمجتمع.

ويتجاوز ترتيب الكويت بين بلدان العالم المئة مرتبة من حيث جودة التعليم الابتدائي والرياضيات وتعليم العلوم. وأظهر بحث نشره مختصون في وقت سابق حول العملية التعليمية في الكويت أن نسبة الرسوب في مادة اللغة الإنجليزية في اختبار القدرات بالجامعة بلغت ما نسبته 63 في المئة من الممتحنين وذلك بسبب عدم قدرة الطالب على توظيف اللغة على الرغم من أنه يتعلم الإنجليزية كلغة ثانية منذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي، كما أظهر رسوب أكثر من 80 في المئة من طلبة الثانوية العامة الحكومية المبتعثين إلى الخارج في أول سنة ابتعاث في مواد اللغة الإنجليزية والرياضيات.

وقام بتقديم مقترح الدراسة المتعلّقة بتطبيق النموذج الفنلندي على العملية التعليمية الكويتية إلى وزير التربية، الشيخ يوسف عبدالله صباح الناصر أحد الشخصيات المهتمة بإصلاح التعليم في البلاد. وتضمّن المقترح تقديم استشارة مجانية لتطبيق تجربة فنلندا في التعليم.

ترتيب الكويت بين بلدان العالم يتجاوز المئة مرتبة من حيث جودة التعليم الابتدائي والرياضيات وتعليم العلوم

وقالت وسائل إعلام محلية إنّ لقاء الطبطبائي بالشيخ يوسف شهد مناقشة سبل التعاون لدعم جهود وزارة التربية في تطوير المنظومة التعليمية في الكويت، مع التركيز على ضبط جودة التعليم في كل المراحل والصفوف الدراسية. كما تم التطرّق خلاله إلى آلية تنفيذ مقترح الدراسة الاستشارية التي ستكون بالتعاون مع شركة “بولار بارتنار” العضو المتميز في برنامج “إيديكيشن فينلند” وتهدف إلى وضع خارطة طريق لتطوير النظام التعليمي في الكويت.

وتم التأكيد خلال اللقاء على أهمية تعزيز الابتكار في أساليب التعليم وتبني أفضل الممارسات العالمية “التي تساهم في بناء جيل مبدع ومؤهل للمستقبل إضافة إلى تهيئة بيئة تعليمية تشجع على التعلم التفاعلي وتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب والطالبات.”

وعرف قطاع التعليم في الكويت على مدى السنوات الماضية العديد من العثرات ليس أقلها تفشيّ ظاهرة تدليس الشهادات بين العاملين فيه ما استدعى إطلاق السلطات حَمْلة واسعة النطاق لتطهيره من الظاهرة الخطرة.

ولا تتناسب المشاكل التي يعرفها قطاع التعليم في الكويت مع ما تخصصه له الدولة من ميزانيات ضخمة لا يتم التصرّف فيها بالشكل الملائم.

وكشف تقرير رسمي نشر في وقت سابق أنّ تكلفة الطالب الكويتي تعتبر الأعلى في العالم حيث تبلغ ما مقداره 15.5 آلاف دينار، مشيرا إلى تجاوز الميزانية السنوية لوزارة التربية مبلغ 7.6 مليار دولار يذهب 90 في المئة منها لصرف الرواتب.

3