حكومة لبنان تغامر بإقرار خطة قاسية للإنقاذ المالي

دخلت الحكومة اللبنانية في معركة البحث عن طريق لتخفيف الأزمات المالية والاقتصادية الخانقة، بعد إقرار خطة إنقاذ، يتوقع المحللون أن تواجه صعوبات شديدة في تنفيذ إصلاحات كافية لإقناع المجتمع الدولي بتقديم المساعدة لإخراج البلاد من أعمق أزماتها منذ عقود.
بيروت - أعلنت الحكومة اللبنانية الخميس موافقتها على خطة إنقاذ مثيرة للجدل لانتشال البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية ومالية واجهتها منذ عقود، بانتظار أن تنال الثقة في اقتراع بالبرلمان الأسبوع المقبل.
وتضمنت مسودة البيان الأحد خططا عامة تشمل خفض أسعار الفائدة وإعادة رسملة البنوك وتغييرات كبيرة في هياكل القطاع العام وطلب دعم من المانحين الأجانب.
وقالت وزيرة الإعلام منال عبدالصمد إن مجلس الوزراء وافق على الخطة مع إجراء تعديلات على البيان المؤلف من 17 صفحة. وقد وصفت مصادر وزارية تلك التعديلات بأنها طفيفة.
ويشكك محللون في فرص إنقاذ الاقتصاد من قبل حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، التي تشكلت الشهر الماضي من جانب جماعة حزب الله المدعومة من إيران وحلفائها، بسبب قلة الدعم الدولي لها.
وحددت الخطة العلاج المرّ الواجب تجرعه لتخفيف الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة، وحاولت تفادي إثارة الذعر بالتركيز على حماية أموال المودعين وخاصة الصغار في المصارف اللبنانية.
وتتضمن الخطة “إجراء إصلاحات ضريبية تعتمد على تحسين الجباية وعلى مكافحة التهريب من المعابر الشرعية وغير الشرعية ومكافحة التهرب الضريبي باعتماد الضريبة التصاعدية الموحدة على مجمل المداخيل “.
كما تتعهد الحكومة “بتخفيض النفقات العامة وإعادة هيكلة القطاع العام بترشيد الإنفاق، وتوسيع التسهيلات المقدمة من مصرف لبنان وحثه على ضخ السيولة بالدولار لدعم استيراد المواد الأولية والمعدات الصناعية وقطع الغيار”.
وتدعو الخطة أيضا إلى التواصل مع كل المؤسسات والجهات المانحة أو الداعمة من أجل تأمين الحاجات الملحة والقروض الميسرة وتغطية الحاجات التمويلية للخزينة. ولم يحدد مشروع البيان المؤسسات ولا المبلغ المطلوب.
وتتولى الحكومة الجديدة مهامها بعد نحو ثلاثة أشهر من استقالة حكومة سعد الحريري بفعل ضغوط من احتجاجات حاشدة ضد النخبة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد والهدر.
وأكدت مصادر سياسية ومصرفية هذا الأسبوع أن السلطات اللبنانية تواجه صعوبات كبيرة في اتخاذ قرار بشأن سداد سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار مستحقة في مارس المقبل.
وتواجه حكومة دياب أزمة سيولة خانقة في ظل ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الليرة وانهيار الثقة بالنظام المصرفي، بعد فرض البنوك لقيود مشددة غير رسمية على سحب الودائع.
وأكد مكتب الرئيس اللبناني ميشال عون الخميس ضرورة “العمل فورا لتعويض ما فات من وقت”. وكشف أن وزير المالية غازي وزني سوف يجتمع اليوم الجمعة مع وفد من البنك الدولي.
وتواجه أيّ إجراءات لخفض الإنفاق وفرض ضرائب جديدة مخاطر اتساع الاحتجاجات المتواصلة منذ الـ17 من أكتوبر الماضي، في ظل تفاقم الأزمات المعيشية إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود.
وتواجه الحكومة تحديات كبيرة لترقيع أزمات متداخلة وتزايد ضغوط تراكم الدين العام، الذي يقترب من حاجز الـ90 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهي إحدى أعلى النسب في العالم.
وأعلنت وزيرة الإعلام بعد انتهاء جلسة عقدها مجلس الوزراء بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الرئاسي، أن الحكومة أقرت البيان الوزاري بالإجماع وأن رئيس مجلس الوزراء أطلق على الحكومة تسمية حكومة “مواجهة التحديات”.
وكان دياب قد شكل في الـ21 من يناير الماضي حكومة مؤلفة من 20 وزيرا، غالبيتهم أكاديميون ووجوه غير معروفة، لكن المتظاهرين والمحللين يعتبرونها بمثابة واجهة للقوى السياسية التي وافقت على تسمية دياب رئيساً للحكومة، في إشارة إلى حزب الله وحلفائه.
ونقلت وزيرة الإعلام عن دياب قوله خلال الجلسة إن البيان الوزاري “هو برنامج عمل يحدد تطلعاتنا وغير مستنسخ.. وهو نتاج وقائع ودراسات ولا يحمل أيّ حسابات فردية”.
ويقول محللون إن الأزمة الاقتصادية التي تهدّد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم، وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية.
ويحدد البيان الوزاري المكون من 17 صفحة خطوط برنامج عمل الحكومة، الذي من المقرر أن يناقشه البرلمان يوم الثلاثاء المقبل تمهيدا لمنحها الثقة، التي ستنالها على الأرجح.
وتأمل الحكومة بعد ذلك الحصول على دعم المجتمع الدولي الذي يربط تقديمه لأيّ دعم مالي بتطبيق إصلاحات هيكلية في قطاعات عدة وخفض العجز العام.
وكان المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش قد شدّد في تصريحات الأربعاء على أنّ الإصلاحات هي المدخل الوحيد للحصول على المساعدات المجمدة.
وأعرب عن أمله في أن “تأتي الحكومة الجديدة بخطة عمل واضحة.. بعد ذلك، سنحاول تقديم المساعدة، لكن يجب أن يبدأ مع عمل الحكومة واتخاذها رزمة إصلاحات حقيقية وتنفيذها بحزم”.
وكان المانحون الدوليون قد تعهدوا في مؤتمر سيدر باريس عام 2018 بتقديم نحو 11 مليار دولار لكنهم حجبوا الأموال لحين التزام لبنان بالإصلاحات التي تهدف إلى تقليص الإنفاق.