حكومة تراس ترضخ لضرورة الانعطاف الضريبي

القرار يخفف الضغوط عن الميزانية رغم أن الأسواق تحتاج إلى وقت لإعادة ترتيب أوضاعها.
الثلاثاء 2022/10/04
لمَ كل هذا الارتباك في السوق؟

أحدث انعطاف الحكومة البريطانية بشأن إلغاء التخفيضات الضريبية للأثرياء التي أشعلت اضطرابات في السوق بفعل الضغوط التي تعرضت لها طيلة الفترة الماضية ارتياحا بين أوساط المحللين رغم أنهم يرون أنه من السابق لأوانه الوقوف على تحول سريع في المؤشرات.

برمنغهام (إنجلترا) - أسقطت الحكومة البريطانية خططا لخفض ضريبة الدخل على أصحاب الدخل المرتفع، كجزء من حزمة من التخفيضات غير الممولة التي أثارت اضطرابات في الأسواق المالية ودفعت الجنيه الإسترليني إلى مستويات منخفضة قياسية.

وأعلنت رئيسة الحكومة ليزا تراس ووزير ماليتها كواسي كوارتينغ عن “خطة نمو” جديدة في الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي من شأنها خفض الضرائب والتنظيمات، بتمويل من الاقتراض الحكومي الهائل لإخراج الاقتصاد من سنوات من الركود.

لكن الخطة أثارت أزمة ثقة المستثمرين في الحكومة، مما أدى إلى تقويض قيمة الجنيه الإسترليني وأسعار السندات الحكومية وهز الأسواق العالمية لدرجة أن بنك إنجلترا المركزي اضطر إلى التدخل ببرنامج 65 مليار جنيه إسترليني من أجل دعم الأسواق.

جان فون غيريتش: من منظور الأسواق تعد خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح

وفي حين أن إلغاء أعلى معدل للضريبة لم يكن سوى نحو ملياري جنيه إسترليني من خطة خفض الضرائب البالغة قرابة 45 مليار جنيه إسترليني، إلا أنه كان العنصر الأكثر لفتا للأنظار في الحزمة المالية، التي كان من المقرر تمويلها عن طريق الاقتراض الحكومي.

وما زاد من الغموض أكثر هو غياب تفسيرات مقنعة من قبل الحكومة في كيفية دفع ثمن ذلك على المدى الطويل.

وفي تحول دراماتيكي، قال كوارتينغ الاثنين بعد ساعات من ظهور تراس على تلفزيون بي.بي.سي للدفاع عن هذه السياسة إنه “سيتم التخلي عن خطط لإلغاء أعلى نسبة من ضريبة الدخل المدفوعة على الأرباح والبالغة 45 في المئة، والتي تزيد عن 150 ألف جنيه إسترليني سنويا”.

ويمثل هذا القرار أول تراجع عن سياسة بالغة الأهمية في عهد تراس التي تولت مهامها قبل أقل من شهر.

واعتبر جان فون غيريتش كبير المحللين في شركة نورديا لرويترز إنه “من منظور الأسواق تعد خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح”.

وأضاف “سوف تستغرق الأسواق وقتا حتى تتلقى الرسالة، لكن ينبغي أن تخفف الضغط”.

وفي اليوم الثاني من المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم في مدينة برمنغهام بوسط إنجلترا، كتب كوارتينغ في تغريدة إنه “لن يمضي قدما” في إلغاء أعلى معدل لضريبة الدخل، مضيفا أنها باتت مصدرا “لتشتيت الانتباه”.

سايمون فرينش: علاوة المخاطرة سوف تتراجع إذا عُولجت الأزمة بعناية

وجاء في التغريدة “واضح أن إلغاء الضريبة بات سببا لتشتيت الانتباه عن مهمتنا الأولى المتمثلة في التصدي للتحديات التي تواجه بلدنا. ونتيجة لذلك أعلن بأننا لن نمضي قدما بإلغاء الضريبة”. وأضاف “فهمنا وسمعنا”.

ولقد جادلت تراس بأن الحكومة في حاجة إلى خطة جذرية لإنقاذ الاقتصاد وجعل البلاد أكثر ديناميكية، وأنها على استعداد لاتخاذ قرارات غير شعبية لتحقيق ذلك.

وأقرت عبر بي.بي.سي بأنه كان عليها “أن تعدّ بشكل أفضل” لخطة خفّض الضرائب التي أثارت اضطرابات في السوق.

ويأتي هذا التحول في الخطة بعد أن قام عدد متزايد من المشرعين من حزب المحافظين الحاكم بتشغيل خطط الضرائب الحكومية التي تم الإعلان عنها قبل عشرة أيام.

كما أنه جاء بعد ساعات من نشر المحافظين مقتطفات مسبقة من خطاب من المقرر أن يلقيه كوارتينغ الاثنين في المؤتمر. وكان سيقول فيه “يجب أن نواصل المسار. أنا واثق من أن خطتنا هي الصحيحة”.

وكان العديد من كبار المشرعين في حزب المحافظين قد عارضوا علنا هذه السياسة، قائلين إن “خفض الإنفاق الحكومي ورفع الاقتراض لتمويل التخفيضات الضريبية للأغنى كان محفوفًا بالمخاطر السياسية خلال أزمة تكلفة المعيشة”.

وأكد مشرّع من حزب المحافظين طلب عدم نشر اسمه لرويترز أن عكس القرار أمر لا مفر منه. وقال “من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد من الهيكلية في عملية صنع القرار”.

وقال سايمون فرينش كبير الاقتصاديين في بانمور جوردون للسمسرة “لم تكن القضية تغييرات ضريبية تم الإعلان عنها في الميزانية المصغرة، ولكن سياسة الأرض المحروقة المؤسسية التي سبقتها”. وأضاف “من المرجح أن تتراجع علاوة المخاطرة في المملكة المتحدة فقط إذا تمت معالجة ذلك”.

اقتصاد

وتم تقديم المعدل الإضافي لضريبة الدخل بنسبة 50 في المئة على الدخل الذي يزيد عن 150 ألف جنيه إسترليني في أبريل 2010 من قبل حكومة رئيس الوزراء السابق جوردون براون، لكن حكومة ديفيد كاميرون خفضت النسبة إلى 45 في المئة منذ أبريل 2013.

ونما عدد دافعي الضرائب بمعدل إضافي من حوالي 200 ألف في عام 2010 إلى حوالي 600 ألف حاليا حيث تجاوز عدد أكبر من أصحاب الدخل عتبة 150 ألف جنيه إسترليني التي لم يتم زيادتها مطلقا.

وبحسب معهد الدراسات المالية فإن متوسط المكاسب من الإلغاء المخطط لمعدل الأشخاص الذين يدفعونه كان سيصل إلى حوالي 10 آلاف جنيه إسترليني سنويا.

وقال المركز البحثي إن أولئك الذين يكسبون 600 ألف جنيه إسترليني سنويا، أعلى 0.1 في المئة من دافعي الضرائب، سيحصلون على 22 ألف جنيه إسترليني على الأقل سنويًا.

ومن حيث الإيرادات فإن أعلى معدل للضرائب ليس مصدر دخل كبير. وقد تضمنت التحركات الأكبر عكس ارتفاع مساهمات الضمان الاجتماعي وخفض ضريبة الدخل لجميع العمال والتخلي عن زيادة ضريبة الشركات.

خفض ضريب

وبفضل العدول عن القرار المثير للجدل استعاد الجنيه الإسترليني خسائره مقابل الدولار الأميركي منذ أن قدم كوارتينغ الميزانية المصغرة التي تضمنت تجميدا مكلفا لفواتير الطاقة بالنسبة إلى الأفراد والأنشطة التجارية، سعيا للحد من تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وتم تداول الجنيه مرتفعا بنسبة 0.8 في المئة الاثنين قبل أن يتراجع عندما تحدث كوارتينغ إلى محطة بي.بي.سي ثم عادة وارتفع 0.2 في المئة ليبلغ سعر 1.12 دولار، أي حول القيمة التي كان يحتفظ بها قبل إعلان الميزانية المصغرة.

ولكن عائدات السندات الحكومية ظلت مرتفعة بشكل حاد، مما يؤكد قلق المستثمرين بشأن اتجاه الاقتصاد في ظل الحكومة البريطانية الجديدة.

واضطر بنك إنجلترا المركزي للتدخل لدعم سوق السندات، كما تسببت المخاوف من أنه سيرفع أسعار الفائدة قريبا في قيام مقرضي الرهن العقاري بسحب أرخص صفقاتهم، مما تسبب في اضطراب مشتري المساكن.

وكان المستثمرون الذين اعتادوا أن تكون بريطانيا أحد أعمدة المجتمع المالي العالمي خائفين، مما أدى إلى ضرب قيمة الأصول البريطانية ورفع تكلفة الاقتراض الحكومي ومعدلات الرهن العقاري وإقراض الشركات.

10