حكومة الكويت تكشف عن طموحات إصلاحية كبيرة في انتظار آليات تنفيذها

الشيخ محمّد صباح السالم يؤكد أنّ التحدي الأول لحكومته هو إعادة الطمأنينة لأهل الكويت بقدرتها على الإصلاح.
الخميس 2024/03/07
أولى الخطوات على مسار طويل وصعب

الكويت - يكشف الخطاب السياسي لحكومة رئيس الوزراء الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح عن طموحات كبيرة للدفع بإصلاحات عميقة وشاملة تفتح الطريق لإحداث نقلة في البلاد طال انتظارها وتعذّر إجراؤها بسبب الخلافات السياسية وعدم استقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية الناتج عن كثرة المناكفات بين الحكومات والبرلمان المتعاقبة.

ويروّج الشيخ محمّد صباح السالم لإصلاحات تطال الاقتصاد ولا تستثني تغيير نموذج دولة الرفاه المطبّق في البلاد، جنبا إلى جنب محاربة الفساد الذي تحوّل إلى ظاهرة خطرة تبتلع جزءا كبيرا من المقدرات المالية الكبيرة للدولة.

وقال خلال زيارة قام بها الأربعاء إلى مدينة صباح السالم الجامعية إن رؤية الكويت 2035 تعتمد على بناء اقتصاد مواز للاقتصاد النفطي، مؤكّدا أنّ التحدي الأول لحكومته هو “إعادة الطمأنينة لأهل الكويت بقدرتها على الإصلاح”، وموضّحا “أن ذلك يتم عبر تطبيق حقيقي للقانون على الجميع”.

وسياسيا يبدو الوضع مهيّأ لإحداث التغييرات المنشودة في الكويت لملاءمة أوضاعها بأوضاع باقي بلدان منظومة مجلس التعاون الخليجي التي أنجزت إصلاحات عميقة بدأت نتائجها تُلمس بشكل واضح على أرض الواقع، وإن بمستويات متفاوتة بين بلد وآخر، وذلك في ظل وجود الشيخ مشعل الأحمد وما تتميّز به شخصيته من صرامة وحزم على رأس هرم السلطة في البلاد، وهي ميزة يتقاسمها مع رئيس الحكومة الذي أظهر حرصا على تطبيق القانون وإجرائه على الجميع دون استثناء.

ومع ذلك لا تبدو طريق الإصلاح ممهّدة من دون تغييرات عميقة تعيد التوازن إلى العلاقة بين السلطتين وتحدّ من تغوّل البرلمان الذي لم يخدم الديمقراطية بقدر ما كرّس صراعات الأجنحة وتحوّل في الكثير من الأحيان إلى منصة لتصفية الحسابات ضمن الصراع على النفوذ والمكاسب السياسية والمادية.

إعادة تحريك قضية صندوق الجيش كدليل على جدية الحكومة في محاربة الفساد وتطبيق القانون على الجميع من دون استثناء

وتقوم الحكومة الكويتية إلى حدّ الآن بإعلان توجّهاتها الإصلاحية مجرّدة من آليات تنفيذها.

ويرى متابعون للشأن الكويتي أنّ ذلك يعتبر مظهرا على صعوبة تمرير الإصلاحات وخصوصا منها ما يتعارض مع توجّهات نواب مجلس الأمّة (البرلمان) الموصوفة في أغلب الأحيان بالشعبوية لقيامها بشكل أساسي على استرضاء الشارع برفع شعارات الدفاع عن المكاسب الاجتماعية للمواطنين والسعي لتدعيمها، بغض النظر عما ترتّبه من أعباء على موازنة الدولة المرتهنة إلى حدّ كبير لعوائد النفط.

وتنتظر الكويت انتخابات برلمانية جديدة مقرّرة لشهر أبريل القادم لاختيار نواب برلمان بديل عن البرلمان الذي تمّ مؤخّرا حلّه بمرسوم أميري بسبب تجاوز بعض نوابه لأدبيات العمل البرلماني القائمة على الاحترام التام للذات الأميرية.

وبينما يأمل البعض في أن يسفر الاستحقاق الانتخابي عن تشكيل مجلس أمّة أكثر توافقا من الحكومة بشأن تمرير الإصلاحات، يرى آخرون أنّه لا يوجد أي مانع قانوني أو سياسي من استنساخ مجلس مطابق لسابقه الأمر الذي سيعني تواصل الدوران في الحلقة المفرغة لحل البرلمانات وإقالة الحكومات وإعادة تشكيلها والتي ميزت الكويت لسنوات طويلة.

ولم تمنع وفرة عائدات النفط من مواجهة الكويت صعوبات مالية وصلت أقصاها سنة 2020 عندما تحدّث وزير المالية الأسبق براك الشيتان عن شحّ في السيولة يصل حدّ إمكانية عجز الدولة عن تأمين رواتب موظفيها.

ولذلك يعتبر حديث رئيس الحكومة عن بناء اقتصاد كويتي متحرّر من الارتهان لعوائد النفط هدفا بالغ الطموح يتطلّب سلسلة طويلة من الإجراءات.

طريق الإصلاح لا تبدو ممهّدة من دون تغييرات عميقة تعيد التوازن إلى العلاقة بين السلطتين وتحدّ من تغوّل البرلمان

وتطمح الكويت كذلك إلى تقليص حجم القطاع العام المتضخّم على نحو مرهق للدولة، لكنّ القطاع الخاص لم يواكب هذا الطموح نظرا للعزوف الشديد من قبل المواطنين للعمل فيه نظرا لضعف ما يقدّمه من امتيازات لمنتسبيه قياسا بما يوفّره القطاع العام الذي تحوّل في كثير من الأحيان إلى كفالة اجتماعية مقنّعة عبر منح الرواتب للموظفين من دون الحصول نظيرها على خدمات تذكر.

كما تطمح إلى التخلّي عن نموذج دولة الرفاه، وذلك وفقا لتصريحات سابقة لرئيس الحكومة انتقد فيها هذا النموذج لافتا إلى أنّ الدعوم تستهلك أكثر من عشرين في المئة من الميزانية العامة للدولة، ومشيرا إلى وجود توجّه مستقبلي لاعتماد أسلوب الدعم الموجّه إلى طبقات معيّنة تحتاج إليه بالفعل.

وواجهت الكويت على مدى السنوات الماضية انتشارا لافتا لظاهرة الفساد التي جسّدها تفجّر قضايا مشهودة تورّط فيها مسؤولون من مختلف الدرجات وصولا إلى قياديين في الدولة ينتمي بعضهم للأسرة الحاكمة.

وقال الشيخ محمد صباح السالم إنّ أول إجراء قامت به حكومته في ملف الفساد هو إعادة تحريك قضية صندوق الجيش التي تُتَداول الآن حيث قدمت الحكومة بلاغا جديدا حول ما جرى في المكاتب العسكرية في السفارات الكويتية حول العالم من اعتداء على الأموال العامة، مؤكّدا أنّه لن يتم التوقّف عند هذا الحدّ “وقد قُدم البلاغ وسلك طريقه إلى محكمة الوزراء”، ومضيفا “أن الدولة قادرة بأبنائها وبشعبها على أن تصلح كل ما انحرف”.

وبالإضافة إلى خطورة القضية التي تتعلّق بقطاع حسّاس، وإلى تشعّبها وضخامة المبالغ المختلسة بفعلها، فإنّها تكتسي رمزية خاصّة بتورّط مسؤولين كبار فيها من بينهم رئيس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك الصباح، بالإضافة إلى وزير الدفاع والداخلية الأسبق الشيخ خالد الجراح الصباح.

ولا تستثني محاربة الفساد أيضا، بحسب رئيس الحكومة الكويتية، ملف الشهادات العلمية المزوّرة وذلك من خلال إطلاق حملة غير مسبوقة من قبل وزارة التربية تشمل مراجعة الشهادات التي تحصّل عليها أصحابها منذ سنة 2000 إلى الآن والتأكد من صحّتها.

3