حكومة الكويت تتجاهل ضغوطا لحل الجهاز المركزي مستفيدة من انقسام مجتمعي ونيابي حول قضية البدون

الكويت - تواجه الحكومة الكويتية حملة متصاعدة يقودها نشطاء مدنيون وينخرط فيها نواب تطالب بإلغاء الجهاز المركزي المعني بمعالجة أوضاع البدون، لكن مراقبين يستبعدون أن تستجيب حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح لهذه الضغوط، مستفيدة في ذلك من الانقسام في الشارع الكويتي حول قضية هذه الفئة.
وتفجرت الحملة على خلفية استقبال النائب أسامة زيد لوفد من البدون، في مجلس الأمة، حيث رفع الوفد جملة من المطالب لإنهاء معاناة الآلاف من الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الفئة، وبينها حل الجهاز الذي تم إنشاؤه في العام 2010.
وأثار استقبال النائب في مجلس الأمة للوفد ضجة واسعة على الساحة الكويتية، فيما تحرك عدد من النشطاء الداعمين لقضية البدون مدشنين حملة تطالب بإلغاء الجهاز المركزي.
ويقول مراقبون إنه من غير المنتظر أن تستجيب الحكومة لطلب إلغاء الجهاز الذي يتهم من قبل نشطاء ومنظمات حقوقية بالحيلولة دون حل إنساني يضمن لهذه الفئة الحد الأدنى من الحقوق الأساسية.
ويشير المراقبون إلى أن الحكومة تستند في رفضها لحل الجهاز إلى وجود انقسام مجتمعي في الكويت حيال قضية البدون المطروحة منذ نحو ستة عقود، حيث أن هناك شريحة واسعة من المجتمع الكويتي تتبنى الرؤية الرسمية التي تقول بأن هؤلاء قدموا من دول الجوار ومعظمهم من العراقيين، وبالتالي يجب التعامل معهم على هذا الأساس، وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
في المقابل هناك شريحة لا بأس بها من الكويتيين ترى بأحقية هذه الفئة في الحصول على الجنسية الكويتية، خصوصا وأنهم نشأوا وترعرعوا في الدولة الخليجية، وبالتالي هم كويتيون بغض النظر عن أصولهم.
ويقول المراقبون إن من نقاط القوة التي تستند عليها الحكومة في رفض الدعوات المطالبة بحل عادل للبدون وجود انقسام داخل مجلس الأمة نفسه حيالهم، مشيرين إلى أن عددا قليلا من النواب يتبنى قضية هؤلاء فيما البقية يعارضونها أو يتجاهلونها بداعي الأولويات.
وبحسب الإحصاءات الحكومية الرسمية يبلغ عدد البدون في الكويت 88 ألف نسمة، لكن المنظمات الحقوقية والنشطاء البدون يؤكدون أن العدد يتراوح بين 120 و140 ألف نسمة.
وأثارت دعوات حل الجهاز المركزي حملة مضادة قادها نواب وكتاب سياسيون، ذهبوا حد اعتبار دعوات الحل انحرافا خطيرا عن مسار الإصلاح، داعين الحكومة إلى اتخاذ قرارات قاطعة وحاسمة في هذه القضية، بداعي أن الجهاز المركزي قدم الأدلة والبراهين التي لا تقبل الشك بخصوص من هو كويتي ومن هو غير كويتي.
وقالت النائب عالية الخالد إن قضية المقيمين بصورة غير قانونية قضية قديمة وليست وليدة اللحظة، وإهمال معالجتها بالسابق منذ أكثر من 60 عاما وعلى مدى عدة حكومات ومجالس أمة متعاقبة أدى الى تفاقمها اليوم.
واعتبرت الخالد أن ذلك لا يبرر الإبقاء على حالة الإهمال في المعالجة، وفي الوقت نفسه لا يمكن معه قبول عرقلة وإعاقة كل جهد إصلاحي وجادّ لإغلاق هذا الملف السيادي والأمني. وتابعت الخالد أن تلك الجهود أسفرت عن كشف تداعياته الخطيرة مدعمة بالمستندات التي يجب أن تعالج معالجة لا تخل بالقوانين المعمول بها ولا تمس سيادة الدولة أو أمنها وتكوين هويتها الوطنية، وبما يكفل عدم حماية المزورين والمدعين على حساب المستحقين والمستوفين لشروط معالجة أوضاعهم.
واعتبرت أن المطالبة بإلغاء الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية انحراف عن مسار تحقيق الإصلاح لأهم قضية، فمثل تلك المطالبات فاقدة لمشروعيتها الدستورية والقانونية ما لم تبن على بينة ودليل تدعم الادعاءات التي يروّجها البعض، وما لم يقدم بموازاة ذلك مشروع دستوري وقانوني بديل، وإن كان هناك من البعض من يشكك في أداء الجهاز فعليه أن يدرك أن رأيه جزء بسيط من رأي عام سائد، وقناعته برأيه لا تجعل منه أنه يجب أن يؤمن برأيه الآخرون.
من جهته انتقد يوسف العميري رئيس بيت الكويت للأعمال الوطنية، ما وصفها بـ”الهجمة المرتدة” على الجهاز المركزي ورئيسه صالح الفضالة. وقال العميري إن الجهاز قام بدوره على أكمل وجه، وبذل الأعضاء برئاسة صالح الفضالة مجهودا كبيرا للبحث والتحقيق والتدقيق، فحددوا من يستحق الحصول الجنسية الكويتية ومن لا يستحق، وأوضحوا الأسباب.. وكله بالحجج والبراهين.
وأضاف أن هناك ممن يعلمون أنهم لا يملكون الحق في الحصول على الجنسية، يسكبون المزيد من الزيت على النار، كي يشتعل الموقف أكثر فأكثر، بل يحرّضون على الجهاز ورئيسه، ويشهّرون به، وذهب بعضهم حد التحريض على العنف والخروج على القانون في وضح النهار.
وأبدى العميري استغرابا لوقوف بعض النواب إلى جانب ما أسماه بـ”الباطل”، ودعم من لا يملكون الحق من أجل منحهم ما لا يستحقونه..، مستدركا بالقول “إذا عرف السبب بطل العجب، فهؤلاء النواب تربطهم صلة قرابة مباشرة ببعض البدون، لهذا فالمصلحة واحدة.. لكنها للأسف على حساب الوطن.. فالجميع يريد أن يشرب وعلى الكويت أن تدفع الحساب”.
وقال العميري “نحن نقف على أعتاب مشهد تاريخي، يتعلق بهوية الكويت، والواجب أن تتحرك الحكومة لتقوية ودعم الجهاز ورئيسه.. فلا لحل الجهاز والتشهير برئيسه”.
وتعود قضية البدون إلى نشأة الدولة الحديثة في الكويت في الستينات من القرن الماضي، حيث لم يتقدم الكثيرون من “أهل البادية” بطلب للحصول على الجنسية، إما لأنهم كانوا أميين وإما لا يستطيعون تقديم وثائق تثبت أصولهم الكويتية، وإما لم يعرفوا مدى أهمية المواطنة.
وترفض الحكومة الكويتية الاعتراف بهم، وتعتبرهم مقيمين غير قانونيون، وتتهمهم بطمس كافة الأوراق والأدلة على امتلاكهم لجنسيات أخرى كالعراقية والسعودية، وذلك من أجل الحصول على المزايا الاجتماعية التي تقدمها الكويت لمواطنيها.