حكومة الشيخ محمد صباح السالم أمام تحدّي تفعيل دور الدبلوماسية الكويتية

مواطن ضعف الدبلوماسية الكويتية وأسباب تراجعها على الصعيدين الإقليمي والدولي أصبحت معروفة إلى حدّ بعيد بسبب التشخيص المستفيض الذي تمّ على مدى سنوات، ويبقى وضع المعالجات اللاّزمة لتجاوزها من مسؤولية الحكومة الجديدة التي يقودها رجل خبير بشؤون السياسة الخارجية وأسرارها.
الكويت - قال وزير الخارجية الكويتي الجديد عبدالله اليحيا إنّ لدى حكومة رئيس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم الصباح خططا إستراتيجية مدروسة لتعزيز السياسة الخارجية وتفعيل دور الكويت على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وأعاد التغيير الذي حدث مؤخّرا، على رأس وزارة الخارجية وذهاب منصب الوزير لأول مرّة لشخصية من خارج الأسرة الحاكمة، تسليط الأضواء على حاجة الدبلوماسية الكويتية لتغيير عميق ينتشلها من حالة الضعف التي تردّت فيها وجعلتها تتخلّف عن مثيلاتها في معظم دول الخليج.
ويأتي الحديث عن إصلاح الدبلوماسية الكويتية كجزء من عملية إصلاح أشمل يجري التداول بشأنها في الكويت بمناسبة التغيير الذي حدث على رأس هرم السلطة في الكويت بتولي الشيخ مشعل الأحمد منصب أمير للبلاد، وما أظهره من حزم وصرامة من خلال انتقاده الحادّ لأداء الحكومة والبرلمان.
وواجهت طريقة الحكومات الكويتية في إدارة السياسة الخارجية للبلاد خلال السنوات الأخيرة، انتقادات حادّة واتهامات بإضعاف الدبلوماسية وتراجع حضورها في معالجة الملفات الإقليمية وفي توسيع شبكة المصالح المشتركة للكويت مع مختلف دول العالم، بما في ذلك المصالح الاقتصادية في وقت أصبح فيه جلب المستثمرين والسياح الأجانب جزءا من عمل الجهاز الدبلوماسي لعدد من بلدان الخليج.
وكنموذج عن محدودية مساهمة الكويت في معالجة الملفات الإقليمية، تخلّت الخارجية الكويتية عن ملفّ الصراع اليمني رغم أنّها كانت أول من دشّن محاولات التقريب بين فرقائه دون أن تنجح في تحقيق تقدّم يذكر فيه. وتحوّل الملف لاحقا إلى يد سلطنة عمان التي ساهمت بشكل كبير في إرساء التهدئة القائمة حاليا في اليمن وفتحت الطريق، باستخدام علاقتها مع الحوثيين وداعمتهم إيران، لوضع خارطة الطريق التي أعلن عنها مؤخّرا المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.
◙ من مواطن ضعف الدبلوماسية الكويتية تخلفها عن مثيلاتها في دول مجلس التعاون في أداء دور اقتصادي
ورغم أنّ الكويت احتفظت مثل عمان بعلاقات جيّدة مع إيران، إلا أنّ الدبلوماسية الكويتية لم تلعب دورا يذكر في تقريب الهوّة بين الجمهورية الإسلامية والمملكة العربية السعودية، وذهب إنجاز المصالحة بين الطرفين للصين التي نجحت في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وضمن الإنجازات القليلة للسياسة الخارجية الكويتية خلال السنوات الأخيرة، تنسب مصادر خليجية دورا أساسيا للكويت في مصالحة قطر مع البلدان الخليجية التي كانت قد قاطعتها لسنوات احتجاجا على سياستها في المنطقة. ومع تفجّر الحرب بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل وما أحدثته من توتّر في عموم المنطقة، برز مجدّدا تراجع مكانة الدبلوماسية الكويتية لدى كبار الشركاء الدوليين للكويت بما في ذلك الولايات المتّحدة الأميركية.
وخلّف استثناء كبار المسؤولين الأميركيين بمن فيهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن للكويت من جولات قاموا بها في عدد من بلدان المنطقة بهدف التهدئة ومنع تمدّد الصراع، حالة من الامتعاض في الداخل الكويتي، وأحيا الانتقادات لأداء الدبلوماسية الكويتية.
وردّت الخارجية الكويتية على الانتقادات بالقول على لسان مصدر فيها نقلت عنه وسائل إعلام محلّية، إنّ عدم زيارة بلينكن للكويت تعود لكون البلد لا تربطه أي علاقات لا مع إسرائيل ولا مع حركة حماس "وبالتالي لا يوجد أي دور يمكن أن للكويت أن تقوم به للوساطة".
ولا تخفي جهات كويتية مخاوفها من أن يكون لضعف الدبلوماسية الكويتية تأثير سلبي مباشر على مصالح البلاد جرّاء الضعف في الدّفاع عن حقوقها وكسب الأصدقاء إلى صفّها. وحذّرت جهات نيابية في هذا الباب من عدم تمكّن الكويت من الدفاع عن وجهة نظرها في ما يتعلّق بالخلاف الحدودي مع العراق، وفي التصدّي للأطماع الإيرانية في حقل الدرّة النفطي البحري.
ووجّه نواب في مجلس الأمّة في وقت سابق، مجموعة من الأسئلة البرلمانية لوزير الخارجية في الحكومة السابقة تعلّقت بطريقة الردّ الكويتي على ادّعاءات إيران بأن لها حقوقا في الحقل المذكور. كما شملت الأسئلة مقاييس إسناد المنح والقروض للدول العربية، والاضطراب في تعيين أصحاب المناصب القيادية في وزارة الخارجية واستبدالهم دون أسباب واضحة.
ويسجّل النائب حمد المطر حدوث قصور وتراخ في أداء وزارة الخارجية خلال السنوات الأخيرة، معتبرا أن الكويت أصبحت تعاني "غياب الهوية والقضية والآلية الواضحة في سياستها الخارجية". ويقول النائب مهلهل المضف إن تراجع دور الكويت على الصعيدين الإقليمي والدولي في الآونة الأخيرة يستلزم وقفة، محمّلا مسؤولية التراجع لوزارة الخارجية.
◙ تصريحات الوزير تعكس وعي الطبقة السياسية بمدى تراجع أداء الدبلوماسية الكويتية وأثرها في إضعاف السياسة الخارجية للبلاد
وكثيرا ما تجري المقارنة بين الوضع الحالي للحراك الدبلوماسي الكويتي والزخم الذي كان اكتسبه ذلك الحراك خليجيا وإقليميا ودوليا زمن تولي الشيخ محمد صباح السالم منصب وزير الخارجية بين سنتي 2003 و2011. وأذكى وجود الشيخ محمّد الصباح على رأس الحكومة الحالية التطلّع لانطلاق عهد جديد للدبلوماسية الكويتية.
وقال وزير الخارجية عبدالله اليحيا إن أبرز الملفات التي ستعمل عليها وزارة الخارجية في المرحلة الحالية، هي تنفيذ توجيهات أمير البلاد وتعليمات رئيس الوزراء بـ"التموضع الجيوسياسي لدولة الكويت وتنمية الدعائم الاقتصادية ووضع الخطط الإستراتيجية في هذا الإطار وتنفيذها عبر العمل الدبلوماسي الرديف لجهود الجهات الحكومية داخل دولة الكويت".
وأكد في تصريحات لصحيفة الرأي المحلّية التزام الوزارة "بنهجها الثابت الذي أسسه الشيخ صباح الأحمد في الحفاظ على المصالح العليا لدولة الكويت عبر تعزيز التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي والمحافظة على الإرث الكبير للدبلوماسية الكويتية والبناء على العلاقات الوثيقة مع مختلف الدول، بالتوازي مع الحفاظ على المصالح الوطنية والثوابت العربية والإسلامية".
وتعهّد بـ"ضخ دماء جديدة شابة في العديد من المناصب في وزارة الخارجية"، قائلا إنّه سيعمل على تجسيد ذلك في الفترة المقبلة بالتعاون والتنسيق مع قيادات الوزارة. وعلى صعيد عملي أوضح أن من الأولويات الحالية استكمال العمل على عدد من الملفات الفنية العالقة وتكريس الجهود لإنهائها ومنها استكمال ترسيم الحدود البحرية مع العراق.
ورأى متابعون للشأن الكويتي أن تصريحات الوزير تعكس وعي الطبقة السياسية بمدى تراجع أداء الدبلوماسية الكويتية وأثرها في إضعاف السياسة الخارجية للبلاد، وقناعتها بوجوب التغيير. ومع ذلك، يقول هؤلاء إنّ ما تحدّث عنه الوزير اليحيا في تصريحاته لا يعدو كونه شعارات عامة ومبادئ تعتبر تحصيل حاصل، وأنّ وضع مخطّط تفصيلي لإعادة تنشيط الدبلوماسية سيكون أحد أوكد واجبات حكومة الشيخ محمّد الصباح ومقياسا مهما لاختبار قدرتها على إحداث التغيير المنشود.