حكومة السوداني تتمسك بطريق التنمية كمعوض عن الركود التنموي في العراق

بغداد - تحوّل مشروع طريق التنمية الذي يعتزم العراق إنشاءه ليربط أقصى جنوب البلاد عند المنطقة المطلة على مياه الخليج بالأراضي التركية وصولا إلى ضفة البحر المتوسّط، إلى أساس ومنطلق لتنشيط التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلد وبلدان محيطه الإقليمي، وخصوصا تركيا التي تعمل من خلال تعاونها معه على تحقيق جملة من الأهداف السياسية والاقتصادية، وخصوصا الأمنية.
وتظهر حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اهتماما استثنائيا بالمشروع وتعبّر عن جديتها في المضي بإنجازه، وذلك على سبيل التعويض عن حالة الركود التنموي التي شهدها العراق طيلة أكثر من عقدين.
وتحدّث السوداني، الأربعاء، عن الأهمية الاقتصادية لمشروع الطريق معتبرا أنّه سيكون أقصر ممر اقتصادي يربط قارتي آسيا وأوروبا والأقل كلفة في مجال نقل البضائع.
وجاء ذلك خلال استقبال رئيس الوزراء لوفد اقتصادي من غرفة التجارة الأميركية ضم عددا من رؤساء شركات ومستثمرين.
ولا تخلو إثارة موضوع الطريق مع وفد أميركي من رسالة سياسية متعمّدة مفادها أنّ العراق ملتزم فعلا بتنويع الشركاء والحد من الارتهان للنفوذ الإيراني، وفقا لما ترغب فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ووفق بيان صدر عن مكتب السوداني، قال إنّ “العراق بلد صناعي وزراعي ويمثل الممر الأقصر بين التجارة العالمية للشرق والغرب التي تمر إلى أوروبا عبر تركيا”.
ويتمثل مشروع طريق التنمية في إنجاز طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
وفي الثاني والعشرين من أبريل 2024 وقّعت تركيا والعراق والإمارات وقطر مذكرة تفاهم رباعية للتعاون في إنجاز المشروع برعاية رئيس الوزراء العراقي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي زار بغداد آنذاك.
وأخذت العلاقات التركية – العراقية منذ تلك الزيارة منحى تصاعديا حيث شهدت على وجه الخصوص تطورا في التعاون الأمني بين الطرفين بعد أن غيرت بغداد موقفها الرسمي من وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية وخوضهم الحرب ضد تركيا انطلاقا من تلك الأراضي، وصنفت الحزب تنظيما محظورا في العراق.
ورغم أهمية هذا التطور فإن تركيا تطمح إلى ما هو أكبر من ذلك وتطالب بغداد بالانخراط الفعلي في الحرب ضدّ الحزب، وهو أمر يتوافق مع سياسة تركيا بقيادة أردوغان القائمة على اغتنام الفرص وتحقيق الأهداف المختلفة على شكل حزم مترابطة.
وتدرك أنقرة حاجة بغداد إلى توسيع نطاق شراكتها الاقتصادية والتنموية عبر الإقليم لكسر حدّة النفوذ الإيراني في العراق وما يتسبب به من مشاكل.
طرح موضوع الطريق أمام وفد أميركي رسالة لواشنطن بأن العراق بصدد تنويع الشركاء وعدم الاقتصار على إيران
كما تدرك بذات القدر حاجة بغداد إلى معالجة قضية ندرة المياه التي باتت تتضخمّ وتشتد حدّتها وتتحوّل إلى خطر وجودي للبلد وسكانّه.
وتعتبر تركيا جزءا أساسيا من المشكلة بوقوع أهم مصدرين للمياه العذبة نهري دجلة والفرات داخل أراضيها، خصوصا بعد أن كثفت من استغلالها لمياه النهرين في مشاريعها التنموية الضخمة وذلك على حساب الحصة العراقية من مياه الرافدين.
وتخوض بغداد منذ فترة مفاوضات ماراثونية مع أنقرة لحلحلة المشكلة ما يشكل فرصة أخرى لصانع القرار التركي لتحصيل المزيد من المكاسب من الجانب العراقي لقاء مساهمتها في إيجاد حلّ لمعضلة المياه.
وترى حكومة أردوغان في كل ذلك فرصة للدخول كمنافس رئيس على النفوذ في العراق وللحصول على امتيازات اقتصادية في البلد الذي تحتوي أرضه على ثروات نفطية هائلة إلى جانب إمكانية حسم الحرب ضدّ حزب العمال وطي صفحة الصراع معه والتخلّص من عبئه بدعم وتنسيق مع الجانب العراقي.
وفي هذا السياق قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إنّ بلاده تتوقّع من العراق أن يخوض ضدّ حزب العمال نفس المعركة التي سبق له أنّ خاضها ضد تنظيم داعش.
وأوضح فيدان في مقابلة تلفزيونية مع إحدى الفضائيات العراقية أن العلاقات التركية – العراقية لها أهمية وأبعاد لا غنى عنها بالنسبة لأنقرة.
أنقرة تدرك حاجة بغداد إلى توسيع نطاق شراكتها الاقتصادية والتنموية عبر الإقليم لكسر حدّة النفوذ الإيراني في العراق وما يتسبب به من مشاكل
وذكر أن أنقرة وبغداد لهما تاريخ وجغرافيا وثقافة وعقيدة متداخلة ومترابطة، وأن علاقات تركيا مع جيرانها سوريا والعراق وإيران هي علاقات أساسية.
وأضاف “أي شيء يحدث هناك يؤثر علينا وأي شيء يحدث لدينا يؤثر عليهم أيضا. لذلك نتمنى دائما أن يكون وضع العراق جيدا للغاية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وأن يتمكن من حل جميع مشاكله.”
وذكر فيدان أن علاقات تركيا مع العراق من المنظور الذي طرحه الرئيس رجب طيب أردوغان خلال العشرين سنة الماضية، تهدف إلى الوقوف إلى جانب البلد قدر الإمكان في الأوقات الصعبة.
وذكّر بأن العراق مر خلال السنوات العشرين الماضية بأوقات عصيبة للغاية من احتلال وحرب أهلية وحرب ضد الإرهاب، وحاليا توجد العديد من التحديات المختلفة.
وتابع الوزير قوله “يبقي العراق في وضع لا يملك فيه القدرة على استخدام طاقاته بالشكل المطلوب. وبالتالي نحن في تركيا نسأل أنفسنا: ماذا يمكننا أن نفعل لنكون أكثر فاعلية في مساعدة العراق على حل مشكلاته، وكيف يمكن الحفاظ على سيادة البلد واستقلاله ووحدة أراضيه وسلمه الداخلي وتنميته”، مؤكّدا أنّ لدى بلاده “سياسات تهدف إلى تحقيق ذلك.”
كما عبّر عن رغبة بلاده “في رؤية عراق قد حقق السلام الداخلي وتحرر من المشاكل الإقليمية والدولية ويستخدم موارد الطاقة بإرادة مستقلة لأنه بلد غني جدا بالموارد ويمكنه أن يسهم كثيرا في خدمة نفسه والمنطقة.”
ووصف فيدان وجود حزب العمال في عدد من مناطق العراق مثل قضاء سنجار غربي الموصل بأنّه احتلال، مطالبا الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات ضد الحزب “من أجل أمن العراق ومن أجل الأمن الإقليمي”، معتبرا أنّه “ليس من مصلحة أحد أن يتحول العراق إلى ساحة لحرب بالوكالة بين المذاهب”، ومشدّدا على وجوب “التغلب على هذا النمط من الصراع عبر النضج لأن العراق يحتاج إلى تحقيق الاستقرار.”