حكومة الدبيبة تبعث برسائل: غرب ليبيا لم يعد ملاذا للمتطرفين

بعد خمس سنوات من التخفي، أعلنت قوات الأمن الليبية القبض على مبارك الخازمي، أحد أكبر قادة تنظيم داعش في البلاد، وفق تعبير رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي أعلن الخبر وأكد أن العملية “تعد نجاحا كبيرا للقوات الأمنية وقوة العمليات المشتركة، التى ستستمر فى مكافحة الإرهاب أينما كان في الأراضي الليبية”.
تونس - تبعث الحملة الأمنية على المتطرفين غرب ليبيا برسائل إلى الداخل وأيضا إلى الجيران بأن المنطقة ما عادت ملاذا للإرهابيين في عهد حكومة عبدالحميد الدبيبة.
ويرجح مراقبون وجود تنسيق أمني مع المنطقة الشرقية الواقعة تحت سيطرة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر وهو ما يعني أن خطوط التواصل بين قيادة الجيش في بنغازي ومقر الحكومة في طرابلس تمر عبر الاستخبارات العسكرية والمؤسسات الأمنية.
ويرى هؤلاء المراقبون أن التحرك المفاجئ لملاحقة الإرهابيين بالمنطقة الغربية يدخل ضمن التمهيد للانتخابات المقررة للرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وكذلك لخطة يتم تدارسها تخص توحيد المؤسسة العسكرية.
لكن الكثير من الأسئلة تطرح حول مصير الإرهابيين الذين انضموا إلى ميليشيات تتخذ من الغطاء الرسمي وسيلة للتهرب من ملاحقة القضاء سواء في طرابلس أو مصراتة أو الزاوية أو غيرها، وما إذا كانت السلطات الحكومية قادرة على ملاحقة الإرهابيين فرادى بينما تعجز عن ذلك وهم جماعات.
وقالت قوة العمليات المشتركة بمصراتة الثلاثاء، إنها تمكنت من إلقاء القبض على الخازمي داخل مدينة بني وليد الواقعة 180 كلم جنوب شرقي العاصمة طرابلس، مشيرة إلى أن العملية تمت بالتنسيق مع مكتب النائب العام.
وأوضح مكتب النائب العام بطرابلس أن الخازمي متهم بدعم عناصر تنظيم داعش عبر العمل على تنظيم عمليات دخول وإقامة الأجانب في ليبيا، دون الحصول على إذن الجهات المختصة، والتحريض على ارتكاب العديد من وقائع الخطف وحجز الحرية والإخفاء القسري، لأجل الحصول على فدية مالية نظير إطلاق سراح المجني عليهم، والمشاركة بطرق الاتفاق والمساعدة والتحريض في ارتكاب العديد من وقائع القتل (الموسومة بالاغتيالات) بمدن طرابلس وبني وليد وسرت.
وتابع المكتب أن الإرهابي الخازمي شارك في العديد من عمليات تفجير لمقار البوابات المقامة على مداخل المدن، ونقاط التفتيش العسكرية والأمنية، واستهداف العناصر البشرية المتواجدة بها، ومن ذلك تفجير مقر معسكر التدريب الكائن بمدينة زليتن ومقر بوابة مدينة مسلاتة.
وفي 24 نوفمبر 2015 قتل خمسة عناصر من الأمن الليبي وأصيب ستة عشر آخرون إثر تفجير إرهابي استهدف بوابة الشرطة العسكرية في مدينة الخمس المعروفة ببوابة مسلاتة شرق العاصمة الليبية طرابلس.
وفي 7 يناير 2016 قتل 67 شخصا في انفجار شاحنة مفخخة استهدف مركزا لتدريب الشرطة في مدينة زليتن غربي ليبيا.
كما يعتبر مبارك الخازمي المسؤول والمنسق الأول عن الهجوم يوم 13 أبريل من عام 2016 على القلعة الأثرية بمنطقة السدادة جنوب شرق بني وليد والذي استهدف كتيبة شهداء 28 مايو بني وليد، وأسفر عن قتل 5 أشخاص ذبحا من ضمنهم طباخ الكتيبة وهو تونسي الجنسية واثنان من مسلحي الطوارق منظمين للكتيبة واثنان من مسلحي بني وليد، كما جرح البقية قبل خروجهم من الموقع واستيلاء التنظيم على العديد من السيارات والأسلحة من الموقع ومن ثم فرارهم.
وبحسب النيابة العامة، فقد بدأ الإرهابي الخازمي مع غيره في قلب النظام الدستوري للدولة واستبدال شكل الحكومة والأنظمة الأساسية بوسائل ظهر فيها العنف، وارتكب هو وآخرون أفعالًا في أرض الدولة، استهدفوا من خلالها التخريب والقتل الجماعي بقصد المساس بسلامة الدولة.
وكان الخازمي، وهو سجين سابق في سجن أبوسليم زمن العقيد الراحل معمر القذافي، يتزعم قوة لتنظيم داعش كانت تتحرك في منطقة وادي “سوف الجين” الشاسعة والتي تفصل مدينة بني وليد عن سرت، وهي منطقة محصنة بفعل تضاريسها، أقام بها حتى العام2017 عناصر التنظيم معسكرات تدريبية تسمع أصواتها بعد الفجر كما يفيد بعض الرعاة في تلك المنطقة.
وعرف عن الخازمي أنه كان يحمل كنية طارق الليبي، وهو قريب الهالك مالك الخازمي الذي تولى خطة المسؤول الأول عن التنظيم بليبيا قبل أن يقضي بضربة جوية نفذها طيران الافريكوم في الجنوب الغربي، يوم 8 أكتوبر عام 2018.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن مبارك الخازمي كان أحد أخطر أفراد تنظيم داعش وأكثرهم تحركا بين مصراتة وزليتن وبني وليد وطرابلس كما كان أداة تنظيم داعش في المنطقة الوسطى عامة، وأن التحقيق معه قد يكشف عن مصير الكثير من المخطوفين الذين وجدت جثامين بعضهم ولا زال البعض الآخر في سجلات المفقودين، وعن هويات المئات من مقاتلي داعش ممن كانوا ينشطون في المنطقة الفاصلة بين بني وليد وسرت باعتباره كان مسؤولا عن “مضافة التنظيم”.
وبالمقابل، علّق ناشطون بأن الخازمي كان حتى الأيام الأخيرة كثير الظهور في بني وليد ويتحرك بسهولة بين مناطق عدة، بما يعني أنه لم يكن متخفيا عن الأنظار، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول الهدف من القبض عليه حاليا، بالتزامن مع الحملة التي تنفذها السلطات الأمنية بمصراتة ضد إرهابيين مقيمين بالمدينة بعد فرارهم منذ سنوات من ضربات الجيش في مدن المنطقة الشرقية ولاسيما بنغازي ودرنة وإجدابيا.
والأسبوع الماضي، أعلنت مديرية أمن مصراتة مقتل أحد عناصرها وهو رئيس عرفاء أول عزالدين صالح أرحومة التابع لقوة المهام الأمنية الخاصة، وإصابة شرطي، إثر اشتباك بين عناصر القوة ومتطرفين.
ووفق مصادر أمنية، فإن القتيل سقط خلال مداهمة نفذها صحبة عناصر أمنية للقبض على مطلوبين للنيابة العامة بمنطقة 11 يوليو في مصراتة.

وأضافت المصادر أن المطلوبين ينتمون إلى مجلس شورى بنغازي (شرق) ممن فروا من ضربات الجيش هناك بعد ارتكابهم جرائم إرهابية في حق السكان المدنيين والعناصر الأمنية والعسكرية، ووجدوا حاضنة “إخوانية” في غرب البلاد، حيث أطلق عليهم اسم “المهاجرين” من قبل قوى الإسلام السياسي والميليشيات، و”النازحين” من قبل الجهات الحكومية.
وبحسب ذات المصادر، فقد قتل عنصر منتم لما يسمى “مجلس شورى ثوار بنغازي” ويدعى عبدالسلام الجملي بعد أن بادر بإطلاق النار على عناصر الأمن خلال محاولة القبض عليه.
وكان الجملي قاتل في بنغازي ضمن مجلس “شورى الثوار” بقيادة الإرهابي وسام بن حميد وكذلك تحت راية تنظيم داعش الذي كان يتقاسم المحاور مع بن حميد وقد بايعه الأخير بيعة قتال.
وقال بيان مديرية أمن مصراتة “إن الخارجين عن القانون قاموا بإطلاق أعيرة نارية وقنابل يدوية على دوريات قوة المهام الأمنية الخاصة بمديرية أمن مصراتة وتم الرد على مصدر النيران من قبل القوة واشتبكت القوة معهم”.
وأضاف أن القوة تمكّنت من إلقاء القبض على مجموعة منهم حيث تبين بأنهم ينتمون لجماعات إرهابية متطرفة.
وقالت المديرية “إن استشهاد رجالنا لن يزيدَنا إلا ثباتًا على الطريق وقوّة نضرب بها المطلوبين ونهدِمُ بها عروش المجرمين والخارجين عن القانون. إنّا ماضون بخطى ثابتةٍ بعون الله للقبض على المجرمين والمفسدين وتقديمهم للعدالة، وأنه من يقف أمام الجهات الأمنية لن يلقى منّا إلا القوة والضرب بيد من حديد”.
ويرى مراقبون أن أعدادا كبرى ممن فروا من مواجهة الجيش في بنغازي، يقيمون حاليا في مدن غرب البلاد كطرابلس ومصراتة والزاوية وزليتن، وأغلبهم ينتمون إلى تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، وقد اندمجوا في ميليشيات عقائدية وجهوية، وباتوا يمثلون خطرا على السلم الأهلي وعلى اتفاق السلام في البلاد.
وقالت مصادر أمنية إن السلطات الأمنية بغرب البلاد، تمكنت من تحديد أغلب العناصر الإرهابية القادمة من المنطقة الشرقية، وهي تعمل على تحييدها سواء لمنعها من التحرك من خلال عمليات إرهابية أو لنشر أفكارها المتشددة في دوائر نشاطها.
وكانت مدينة مصراتة شهدت في يونيو الماضي، اغتيال أحد مقاتلي شورى بنغازي الذين وصلوا إليها منذ عام 2016، ويقيم فيها بصورة دائمة منذ ذلك الحين، وهو عبدالسلام الفيتوري أحد القيادات البارزة في مجلس شورى ثوار بنغازي، وقد تبين لاحقا أن مجموعة مسلحة تتبع لواء الصمود، الذي يقوده المطلوب دوليا صلاح بادي، اغتالت الفيتوري أمام بيته بمنطقة الدافنية، بعد استهدافه بوابل من الرصاص.