حكاية الحمار البطل

في شهر آب – أغسطس من 2003 عام الغزو الأميركي للعراق وصلتُ مع زوجتي من عمان بطائرة أردنية هبطت حلزونيا، أي أنها تدور فوق مطار بغداد بدائرة لا يتعدى قطرها ثلاثة كيلومترات، فقط، محمية بقوات الغزاة، وتهبط رويدا رويدا، لتتفادى المرور بأطراف غير آمنة وغير محمية من بغداد.
نزلنا في غرفة في الطابق الخامس من فندق عشتار المطل على نهر دجلة.
وذات فجر، وتحديدا في حوالي الساعة الرابعة صباحا، أفقنا على انفجار هز بنا الغرفة، وكسَّر زجاجها علينا، وزجاج غرف الطابق كله، فخرجت أجري لأتبيّن سبب الانفجار، فعلمت بأن صاروخا واحدا من ستة صواريخ أراد الجهاديون المقاومون العراقيون أن يقتلوا بها جميع الضباط والجنود الأميركيين المتخذين من الطابق الأول من الفندق مقرا لهم، لكنه أخطأ طريقه، فعاف الطابق المقصود، واتجه نحو طابقنا، لكنه لم يخلف سوى أضرار طفيفة.
إلى هنا والخبر عادي ليس فيه ما يستوجب الكتابة والنشر، لكن الجندي الأميركي الذي وجدته يتفقد مكان الانفجار في باحة الفندق، أخبرني، حين سألته، بأن عربة يجرها حمار مخصصة لإيصال قناني الغاز إلى الفندق كانت محملة بستة صواريخ موصَلةٍ بجهاز تفجير واحد، كان مقررا تفجيرُها كلها دفعة واحدة لتُدمر الطابق الذي يسكنه الأميركيون. ولكن حين انفجر أول صاروخ لسَعت نيرانُه ظهر الحمار، فقفز من رعبه، فقلبَ بقفزتِه القوية عربة الصواريخ، فانقطع السلك الذي يربط صواريخها بجهاز التفجير، فانفرط عقدها، وتناثرت على الأرض، ولم تنفجر.
فشكرتُ الحمار، ومسحتُ بيدي على جبهته، وهنأته على السلامة، وباركتُ فيه الحمية والشهامة التي جعلته يقلب العربة، وينقذنا من الموت.
فجأة حضر الجنرال الأميركي المكلف بحماية منطقة الفنادق لكي يعاين أرض المعركة. فتقدمت منه بشجاعة وإقدام، وسلمت عليه بالإنجليزية، ففرح ورد عليَّ السلام بقبضته العسكرية المشددة. وهنا عاودتني خصلة حب الدعابة لدي فاستأذنته بأن يستمع إلى اقتراحي. قال: تفضل قل.
قلت: إن هذا الحمار البطل أنقذ جنودكم وضباطكم، وأنقذ حياتي وحياة زوجتي، وحياة نزلاء الفندق العراقيين والأجانب الآخرين، لذا أقترح عليك يا حضرة الجنرال، لو سمحت، أن تأمر بصنع تمثال لهذا البطل الحمار، ليُنصب على هذه البقعة من مدخل الفندق، تخليدا لهذه المعركة، وتكريما له، واعترافا بفضله عليكم وعلينا أجمعين.
لم يرد عليّ، أدار لي ظهره مستهجنا، وتركني، وغادر المكان.