حكايات خادمات المنازل في لبنان ليست كلها مآس

فيديوهات على "تيك توك" تسلط الأضواء على معاملة مختلفة تحظى بها عاملات المنازل المهاجرات في لبنان.
السبت 2021/03/06
ترحيل الخادمات ليس الحل الوحيد

بيروت - لا يوجد شيء لا تعرفه راكيل باريون عن اللبنانيين اللذين ترعاهما منذ أن كانا طفلين، لكن هذه العاملة الفلبينية قررت ذات يوم اختبار مدى معرفتهما بها.

وتفاجأت باريون، البالغة من العمر 39 سنة، عندما ذكر أحدهما تاريخ عيد ميلادها، كما أن كليهما كانا يعرفان لونها وطعامها المفضلين.

وتكافح العديد من العائلات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه للإجابة على مثل هذه الأسئلة المتعلقة بالعمال المقيمين الذين يقومون على خدمتهم من طبخ وتنظيف إلى جانب الاهتمام بأطفال.

ويعد سؤال باريون ضمن سلسلة من التجارب التي روتها عبر تطبيق “تيك توك”، وكانت تحمل علامات إيجابية حول وضع الخادمات الأجنبيات في لبنان، حيث كانت هذه العاملة الفلبينية تقوم بنشر مقاطع فيديو بشكل يومي، وهو ما حصد على امتداد سنة كاملة أكثر من 600 ألف إعجاب.

وتسلط مثل هذه القصص الإيجابية النادرة الأضواء على معاملة مختلفة تحظى بها عاملات المنازل المهاجرات في لبنان، لاسيما بعد ما نشر عن حالات سوء معاملة ارتبطت بهن بسبب الأزمة الاقتصادية وجائحة فايروس كورونا.

وفي عام 2020، تكررت ظاهرة تسريح الخادمات أو إعادتهن إلى المكاتب التي استقدمتهن مع العجز عن دفع رواتبهن حتى بالعملة المحلية، خاصة بعد فقدان عشرات الآلاف من اللبنانيين عملهم أو لجزء من رواتبهم.

وتأمل باريون في منح صوت لعاملات المنازل في لبنان اللاتي يتعرضن للإهمال في كثير من الأحيان وإلقاء نظرة تضفي الإنسانية على حياتهن الخفية.

وقالت إنها “رسالة بسيطة، نحن عاملات منازل، لكننا بشر أيضا. نحن في حاجة إلى حريتنا”.

Thumbnail

وتعيش مئات الآلاف من عاملات المنازل المهاجرات من دول من بينها الفلبين وإثيوبيا وسريلانكا وبنغلادش في لبنان، حيث أدى فايروس كورونا إلى تفاقم المشاكل المالية.

ومع اشتداد الأزمة العام الماضي، قرر العشرات من أصحاب العمل إلقاء عاملات المنازل المقيمات في الشوارع، قائلين إنهم لم يعودوا قادرين على دفع أجور شهرية منخفضة تصل إلى 200 دولار في كثير من الأحيان.

وانتشرت تقارير عن المعاملة اللاإنسانية والانتهاكات المروعة في ظل نظام التوظيف بالكفالة في البلاد، والذي شبهته جماعات حقوقية بالعبودية الحديثة، في جميع أنحاء العالم.

وكان لبنان بدأ منذ مايو الماضي تسيير رحلات “عودة طوعية” للعمال الأجانب المتضررين جراء الأزمة إلى بلدانهم بالتنسيق مع السفارات. ونقلت أولى الرحلات رعايا إثيوبيين ومصريين.

وبحسب وزارة العمل، بلغ عدد عاملات المنازل في لبنان قبل الجائحة نحو 200 ألف تقريبا بينهن أكثر من 186 ألف امرأة يحملن تصاريح عمل تتحدر غالبيتهن العظمى من إثيوبيا والفلبين وبنغلاديش وسريلانكا ودول أفريقية أخرى وتقدر تحويلاتهن السنوية إلى بلادانهن بنحو 400 مليون دولار أميركي.

وعلى الرغم من ذلك، تؤكد باريون أن سنواتها الـ11 السعيدة في لبنان أظهرت أن العمل المنزلي يمكن أن يفيد العاملة وموظفيها على حد السواء، ويحقق إيجابيات للبلد المضيف أيضا.

وترى أن الأجر الذي تحصل عليه يعتبر عادلا والذي يبلغ 700 دولار، بالإضافة إلى أنها تتمتع بإجازة منتظمة، مشددة على أن أصحاب عملها يعاملونها كفرد من العائلة.

وبدأت باريون بنشر مقاطع فيديو في بداية الإغلاق الأول في لبنان في مارس الماضي لأنها اضطرت لقضاء أيام إجازتها في المنزل.

وكانت فيديوهات باريون متنوعة قدمت في بعضها نصائح حول كيفية الحفاظ على الإيجابية والرقص وصنع الخبز.

ومع مرور الوقت، بدأت العاملة الفلبينية في التعليق على نمط الحياة الذي ينطوي عليه عمل التدبير المنزلي، أو صعوبات المواعدة كعاملة منزلية.

Thumbnail

وفي أحد المقاطع، تظهر وفي يدها راتبها قبل أن تخصص نصيب الأسد لإرساله إلى عائلتها، مع الاحتفاظ بالقليل المتبقي لمخصصاتها ومدخراتها الشهرية. وفي مقطع آخر، تقوم بجولة في أماكن معيشتها المتواضعة تظهر سريرها وأحذيتها المكدسة في الصناديق ومذبحا صغيرا مزينا بصور قديسين لبنانيين.

وكانت التعليقات التي تتدفق على منشورات باريون جلها من اللبنانيين إيجابية للغاية، وقالت إن الوباء حفز الطيبة تجاه العمال المهاجرين المتضررين.

وغادرت بسبب هجرة الآلاف من اللبنانيين خلال الأزمة، الخادمات الأجنبيات البلاد في رحلات العودة التي نظمتها بلدانهن الأصلية العام الماضي، بما في ذلك المئات من الفلبينيات.

وأعربت باريون عن حزنها إثر رحيل جارتها، حيث شعرت بالوحدة وتفتقد جولاتهما معا.

وفي ذروة أزمة الإغلاق، اجتمعت باريون وبعض الأصدقاء لشراء مواد بقالة لعاملات المنازل اللاتي طُردن أو هربن من أصحاب العمل المسيئين، متذكرة باعتزاز كيف أن الأسرة التي تعيش معها تبرعت أيضا.

وقالت إن معظم اللبنانيين والجيل الجديد لديهم قلب طيب، لكنهم لا يظهرون ذلك خجلا.

ويشار إلى أن الأزمة الاقتصادية الحادة وإجراءات الإغلاق بسبب فايروس كورونا أجبرت بعض اللبنانيات للعمل كخادمات منازل محل العاملات الأجنبيات، كما أنها فتحت آفاق عمل جديدة للنازحات السوريات.

17