حقيبة بلينكن الدبلوماسية قد لا تسعفه في إصلاح العلاقة مع أفريقيا

جوهانسبرغ – تشكك أوساط دبلوماسية أفريقية في ما إذا كان بإمكان حقيبة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي بدأ الأحد جولة أفريقية، إسعافه في إصلاح العلاقة بين بلاده وأفريقيا بعد سنوات من الإهمال والتعثر في فهم خطورة التوتر الأمني في القارة.
وترى هذه الأوساط أن الاكتفاء بإظهار عودة الاهتمام الأميركي بالقارة الأفريقية، وبالتعاون مع الدول الاقتصادية الصاعدة فيها، قد لا يكون كافيا؛ ليس فقط بسبب المنافسة المتزايدة من جميع أنحاء العالم وخاصة الصين وروسيا وتركيا، وإنما أيضا بسبب التصرفات الاستعلائية والتنظير في القضايا الحقوقية والديمقراطية.
وأثّرت التصريحات المسيئة إلى أفريقيا التي أدلى بها مسؤولون حكوميون أميركيون، وخاصة تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب الذي تفيد تقارير بأنه وصف البلدان الأفريقية بأنها دول “قذرة”، على العلاقات بين الطرفين لاسيما أن ذلك تزامن مع التثاقل في تعيين طواقم دبلوماسية وسفراء في العواصم الأفريقية.
وتعكس تلك التصريحات غياب القدرة على فهم الحساسيات في الدول الأفريقية التي لم تصفّ بعد حساباتها مع المستعمر الغربي.
ويقول مراقبون إن الدول الناطقة بالإنجليزية من تركة الاستعمار البريطاني ترى نفسها الآن بعيدة تماما عن الفلك الأنغلوساكسوني، في حين تبدو الدول الناطقة بالفرنسية في حالة مد وجزر مع الفرنكوفونية والدور الفرنسي.
الصين وظفت استثمارات مهمة في البنى التحتية دون أن ترفق استثماراتها بمطالب تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان
وامتنعت معظم الدول الأفريقية عن اتخاذ مواقف علنية واضحة من الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، كما أعلن بعضها حياده، وأيد البعض الآخر موقف موسكو صراحة، مثل إريتريا التي صوتت ضد قرار الجمعية العامة لإدانة العملية العسكرية الروسية، بينما امتنعت 24 دولة أفريقية من أصل 54 عن التصويت لصالح القرار.
كما امتنعت دول كبيرة مثل جنوب أفريقيا عن تأييد قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، مما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الاتصال بالرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، الشهر الماضي، بعد يوم من امتناع بلاده و57 دولة عن التصويت على القرار المدعوم غربيا.
وأوضحت الخارجية الأميركية في نهاية يوليو الماضي أن بلينكن سيحاول أن يثبت “للدول الأفريقية أن لديها دورا جيوسياسيا أساسيا وأنها حليفة مهمّة جداً في المسائل الأكثر إلحاحا في عصرنا، وكذلك في تطوير نظام دولي منفتح ومستقر للحد من مفاعيل التغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي والجوائح العالمية”.
وقبل الهجوم الروسي على أوكرانيا كانت الدبلوماسية الأميركية في أفريقيا تُركّز على التنافس مع الصين التي وظفت استثمارات مهمة في البنى التحتية في القارة الأفريقية دون أن ترفق استثماراتها بمطالب على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تفعل الولايات المتحدة.
وأعلنت وزارة الخارجية في جنوب أفريقيا وصول أنتوني بلينكن الأحد إلى البلد قبل التوجه إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية ثم رواندا، في جولة هدفها التصدي للنفوذ الدبلوماسي الروسي في المنطقة.
وتأتي الزيارة بعد فترة وجيزة من الجولة الأفريقية التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.


ويلتقي بلينكن الاثنين وزيرة الخارجية ناليدي باندور لإصدار عدّة إعلانات تتعلّق بالإستراتيجية الأفريقية الجديدة للحكومة الأميركية، حسب ما أعلنته بريتوريا في بيان.
وتتناول المحادثات “التطورات الأخيرة والحالية المتعلقة بالوضع الجيوسياسي العالمي”، حسب البيان.
ورأى فونتيه أكوم رئيس معهد الدراسات الأمنية، ومقرّه بريتوريا، أنّ زيارة بلينكن ستساعد الولايات المتحدة على فهم موقف جنوب أفريقيا، لكنّها تهدف أيضاً إلى “تقريب جنوب أفريقيا إلى المعسكر الغربي”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى “زيادة التزاماتها الدبلوماسية” عبر إستراتيجيتها الأفريقية الجديدة.
وتنتمي جنوب أفريقيا إلى مجموعة “بريكس” للاقتصادات الناشئة، إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين. وفي يونيو الماضي حثّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دول “بريكس” على التعاون في مواجهة “الأفعال الأنانية” للدول الغربية التي فرضت عقوبات غير مسبوقة على موسكو لشنها حربا على أوكرانيا.
ويزور بلينكن بعد جوهانسبورغ جمهورية الكونغو الديمقراطية ثم رواندا التي تشهد عودة إلى التوتر مع جارتها التي تتهمها بدعم متمردي “حركة 23 مارس” التي تعرف أيضا باسمها المختصر “أم 23” وهو ما تنفيه كيغالي.
وهذه هي الجولة الثانية التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي في أفريقيا جنوب الصحراء منذ تولي مهامه، بعدما زار كينيا ونيجيريا والسنغال في العام الماضي.