حقوقيون يطلبون دعم واشنطن لتعديل قانون الجمعيات الأهلية في مصر

يراهن حقوقيون مصريون متخوفون من قانون جديد ينظم عمل الجمعيات الأهلية على ضغط أميركي لتغيير مسار القانون وتمديد مهلة تسوية وضعية جمعياتهم. وتقود واشنطن منذ سنوات ضغوطا على القاهرة لتحسين سجلها الحقوقي.
القاهرة – عاد الجدل حول قانون الجمعيات الأهلية الذي أقرته الحكومة المصرية من قبل مع قرب انتهاء المهلة الأخيرة لتقنين أوضاع المنظمات والجمعيات لتعمل وفق آلياته، ما دفع حقوقيين لإرسال خطاب إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للضغط من أجل تعديله باعتباره يقوض العمل الأهلي والحقوقي في مصر.
ووجهت 21 منظمة حقوقية رسالة لوزير الخارجية الأميركي لحث القاهرة على إعادة النظر في موعد تسجيل المنظمات غير الحكومية في الحادي عشر من أبريل المقبل، وضرورة تدخل واشنطن لتغيير مسار القانون بإلغاء الموعد النهائي للتسجيل وعدم معاقبة أي منظمة لم تسجل لحين التعديل وفقًا للقانون والمعايير الدولية.
ودشنت الحكومة المصرية حواراً واسعًا مع طيف كبير من المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية المحلية والدولية قبل إقرار القانون ووصلت إلى ما يشبه التوافق حوله، لكن من وجهة نظر المنظمات الموقعة على البيان، وبينها هيومان رايتس ووتش، فإن التسجيل تحت مظلة القانون ومتابعة تنفيذه يؤديان إلى تآكل الفضاء المدني في مصر، فضلاً عن تأثيره الضار على الحقوقيين.
وجاء الاستنجاد بالخارجية الأميركية بعد أن حجبت واشنطن العام الماضي 130 مليون دولار من إجمالي المساعدات المقدمة لمصر سنويًا لأسباب ترتبط بأوضاع حقوق الإنسان، وترى العديد من المنظمات أن اللقاء الذي عقده بلينكن مع عدد من النشطاء والحقوقيين أثناء زيارته إلى القاهرة مطلع العام الجاري أشار إلى أن الولايات المتحدة تمضي في طريق ممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة المصرية لتحسين سجلها الحقوقي، وأن هذا الملف قد يعود ليشكل محوراً في العلاقات بين البلدين.
واستجابت القاهرة لمطالب منظمات حقوقية وجمعيات أهلية ومدت مهلة تقنين أوضاع المنظمات أكثر من مرة منذ إصدار لائحته التنفيذية قبل عامين وفي حال تعرضت لضغوط قوية قد تعيد مد المهلة مجدداً، إذ تشير إحصاءات وزارة التضامن الاجتماعي التي تتولى الإشراف على التسجيل إلى أن ما يقرب من 20 ألف منظمة لم تسجل أوراقها رسميا، وما يقرب من 33 ألف منظمة وجمعية أهلية قامت بتوفيق أوضاعها.
وسيتم حل المنظمات غير الحكومية التي لم تتمكن من التسجيل تحت مظلة القانون بحلول الموعد النهائي وتجميد كافة أصولها، وهو أمر تخشاه المنظمات الحقوقية التي لم تسجل بعد لأنه سيكون حلها قانونيًا وبلا إجراءات استثنائية مدخلاً لمزيد من الضغوط على القاهرة في هذا الملف.
وتأتي الاعتراضات على قانون الجمعيات الأهلية من منظمات معنية بالحقوق السياسية والمدنية، ومجموعات داعمة للنساء والفتيات الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وترى أن القانون يفرض قيوداً على عملها ويتيح للحكومة التدخل بالموافقة أو الرفض لأنشطتها والحظر التام للأنشطة السياسية أو الأنشطة التي تقوض الأمن القومي بلا تعريف محدد لهذه المصطلحات في القانون، ما يترك مساحة للتفسيرات الشاملة والتطبيق التعسفي.
ويواجه تنفيذ القانون في مصر عقبة ترتبط بالبيروقراطية التي تسببت في تأخير تسجيل كثير من الجمعيات ما كان دافعًا نحو الاستجابة لمد مهلة التسجيل، ولم تعترض غالبية المنظمات المحلية وكذلك الجمعيات الأهلية على بنود القانون، ما يجعل المنظمات الرافضة له في موضع اتهام برفض تقنين الأوضاع وتوظيف أنشطتها لتحقيق أهداف سياسية ظلت في مقدمة أدوارها خلال العقدين الماضيين.
تنفيذ القانون في مصر يواجه عقبة ترتبط بالبيروقراطية التي تسببت في تأخير تسجيل كثير من الجمعيات ما كان دافعًا نحو الاستجابة لمد مهلة التسجيل
وقالت مصادر مصرية قريبة من ملف المنظمات الحقوقية إن القاهرة استقبلت بالفعل مطالب أميركية بتعديل قانون الجمعيات الأهلية مؤخرا، لكنها لم تخرج من إطار الحديث عن رغبة واشنطن تبديد مخاوف المنظمات من التدخل الحكومي في عملها، وليس من المتوقع ممارسة ضغوط قوية تدفع القاهرة نحو تغيير موقفها، وفي حال مدت الحكومة مهلة التسجيل فذلك سيكون له أسبابه الإجرائية وليست السياسية.
وأضافت المصادر ذاتها في تصريح لـ”العرب” أنه ليس من مصلحة الإدارة الأميركية تصعيد قضية الجمعيات الأهلية في هذا التوقيت، لأنها سبق وأن مارست ضغوطاً بحجب جزء من المساعدات ولم تحقق أهدافها المرجوة، فلم يقد ذلك مثلاً إلى انطلاق الحوار الوطني أو الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي، وأن القاهرة تجابه مشكلات داخلية تدفعها لتحسين سجلها الحقوقي بعيداً عن الضغط المباشر.
ويشير حقوقيون إلى أن توالي المطالب الحقوقية لتعديل قانون الجمعيات الأهلية يشكل أداة ضغط مضاعفة على الولايات المتحدة للتحرك في ظل ما تواجهه من ضغوط مماثلة، كما أن العلاقة بين المنظمات وإدارة بايدن والتقارب مع بلدان غربية عديدة يزيد التوتر مع مصر في الفترة التي تسبق انتخابات الرئاسة منتصف العام المقبل.
وأكد رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان (حقوقية) أيمن عقيل أن مصر تعرضت لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من بوابة تحسين سجل العمل الحقوقي، وأن ردود القاهرة أشارت إلى وجود خطط تستهدف الوصول إلى الهدف ذاته، ودائما ما يتم تقديم الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والحوار مع المنظمات الحقوقية للخروج بقانون الجمعيات الأهلية كأدلة على ذلك.
سيتم حل المنظمات غير الحكومية التي لم تتمكن من التسجيل تحت مظلة القانون بحلول الموعد النهائي وتجميد كافة أصولها
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مشكلة قانون الجمعيات الأهلية تتمثل في ضعف وعي الجمعيات الأهلية بحقوقها وواجباتها في القانون الجديد وهناك قناعة لدى البعض بأن القانون يخدم الحكومة، بينما هناك مفاوضات طويلة قادتها المنظمات الحقوقية مع جهات حكومية للوصول إلى الصيغة الحالية.
وشاركت السفارة الأميركية في تمويل تدريبات عديدة هدفت إلى تعريف الجمعيات بالقوانين المنظمة لعمل المجتمع المدني.
وأشار عقيل إلى أن الحكومة المصرية استجابت سابقا للضغوط لتعديل القانون رقم 70 والخاص بتنظيم عمل المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية بعد أن صدق عليه رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، وليس من الوارد أن تستجيب لمطلب إدخال تعديلات على القانون، وأن الواقعية السياسية تقضي أن تتجه المنظمات الحقوقية للضغط على الحكومة لتسهيل مهام تسجيل الجمعيات وتعريف الموظفين بإدارات وزارة التضامن الاجتماعي المسؤولين بطبيعة أدوارهم مع تزايد الشكاوى من البيروقراطية الحكومية.
وتتطلب عملية التسجيل المعقدة المنصوص عليها في قانون 2019 أن تزود المنظمة وزارة التضامن الاجتماعي بمجموعة من الوثائق والتقارير، وهي تعقيدات تنكر في مجملها الحق القائم على حرية تشكيل الجمعيات بالإخطار والقدرة على العمل دون إذن مسبق من الحكومة.