حقبة ذهبية لسوق التهريب على الحدود الباكستانية - الأفغانية على وشك الانتهاء

بيشاور (باكستان) - سيطرت حركة طالبان على معابر حدودية مشتركة مع الجارة الشرقية باكستان من بينها معبر “تشمن”، الذي يعتبر أحد المعابر الرئيسية بين ولاية قندهار الأفغانية وإقليم بلوشستان غربي باكستان، وكانت تمر منه معظم مواد الدعم اللوجستي الخاصة بالقوات الدولية العاملة في أفغانستان، خلال الأعوام العشرين الماضية.
وبذلك قد تضع الحركة حدا لعقدين من التهريب، حيث استمرّت الأسواق المتخصصة عند الحدود الأفغانية – الباكستانية طوال عقدين في تقليد طويل من التهريب في هذه المنطقة الحدودية على وقع اجتياحات القوات الأجنبية المتتالية.
وكانت الأسواق تزخر بالجزمات العسكرية والسترات الواقية من الرصاص وكل لوازم الجندي النموذجي، إلى حين بدء انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان الذي حرم المهربين من مصادر إمدادهم.
وباتت القوات الأميركية والأطلسية على وشك استكمال انسحابها بحلول آخر أغسطس الجاري، بعد سنوات من اجتياح أفغانستان بهدف الإطاحة بحركة طالبان من السلطة لرفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة في ذلك الحين أسامة بن لادن إثر اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.
تجار الأسواق الحدودية يواجهون صعوبات جراء انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان وإقامة باكستان سياجا عند حدودها
وعلى مدى هذين العقدين، امتلأت الأسواق عند الحدود مع باكستان بأحدث اللوازم العسكرية والملابس أو حتى السلع الكمالية الموجهة إلى القواعد الأميركية التي كان بعضها مجهزا بكل الخدمات ووسائل الراحة.
وأمنت الممرات الجبلية الفاصلة بين البلدين على مرّ العقود حماية للجيوش والمهربين والتجار الذين كانوا يتنقلون بين المنطقة وآسيا الوسطى. كما أن الطريق السريع الرئيسي الذي يربط الحدود بالعاصمة التجارية الباكستانية كراتشي ومينائها الواسع على بحر العرب، كان لسنوات يُعد ركيزة أساسية لتجارة الهيروين الأفغاني، التي تدر المليارات من الدولارات، وشكلت مصدرا أساسيا لتمويل حرب طالبان على مر السنين.
لكن مؤخرا، واجه تجار الأسواق الحدودية صعوبات جراء الانسحاب التدريجي للقوات الأجنبية من أفغانستان وإقامة باكستان سياجا عند حدودها مع هذا البلد الممتدة على طول 2400 كيلومتر.
ويقول محبوب خان وهو تاجر في سوق سيتارا في مدينة بيشاور في شمال غرب باكستان إن “السوق كانت معروفة بهذه السلع الأميركية والأطلسية وكانت تغصّ بالزبائن”.
وأضاف “أما الآن، فالحدود مغلقة بإحكام ولم تعد هذه السلع تصل، ما أضر بأعمالنا بشكل هائل”.
وعوضا عن معدات الجيوش الغربية من نظارات الرؤية الليلية والسترات العسكرية، لم تعد هذه الأسواق تعرض سوى منتجات رخيصة الثمن من الصين أو جنوب شرق آسيا.
ويقول خان بأسف عن الحقبة التي تلت تدخل ائتلاف عسكري بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان عام 2001 “كانت تلك حقبة جيدة، حقبة ممتازة”.
وكانت باكستان في ذلك الحين المركز اللوجستي للحرب في أفغانستان، فتصل آلاف الحاويات إلى مرفأ كراتشي (جنوب) الضخم محملة بالمعدات، قبل أن يتم نقل حمولتها في شاحنات إلى الحدود الأفغانية.
وكانت الحمولات تختفي أحيانا على الطريق أو تصل ناقصة إلى أفغانستان، إذ كان يتم السطو بكل بساطة على تجهيزات في مواقع المعارك ونقلها إلى مختلف نقاط العبور الحدودية.
ولطالما كانت باكستان بفعل موقعها المجاور لأفغانستان، وجهة لكل أنواع سلع التهريب، سواء السيارات الفخمة أو اللوازم المنزلية، كما ازدهرت السوق السوداء في هذا البلد حيث نسبة جباية الضرائب من الأدنى في العالم، واستفادت أسواق التهريب من عدم اكتراث قوات حفظ النظام.
لكن في المناطق المحافظة المتشددة في شمال غرب باكستان حيث لا تزال النساء يرتدين البرقع ويحتفظ المتطرفون الإسلاميون بنفوذ كبير، كان ينظر باستياء أيضا إلى هذه الأسواق لأنها كانت تعرض أيضا أفلاما إباحية وأقراص فياغرا مزيّفة.
الممرات الجبلية الفاصلة بين البلدين أمنت على مرّ العقود حماية للجيوش والمهربين والتجار الذين كانوا يتنقلون بين المنطقة وآسيا الوسطى
وهذا لم يكن يثني الزبائن، فكان بعضهم يقصدها من مناطق نائية في رحلة تستمر ساعات.
ويقول محمد عفان في سوق سيتارا «آخر مرة، وجدنا سلعا للحلف الأطلسي هنا.. كانت هناك حقائب للجيش الأميركي وأحذية. لكن كلها اختفى الآن، لم نعد نجد سوى أغراض محلية”، مشيرا إلى أن الأسعار ارتفعت أيضا.
ويؤكد التاجر ذبيح الله المولود في بيشاور غير أنه أفغاني الجنسية أن الزبائن “لم يعودوا يقصدون” السوق، موضحا “كانت إمدادات السلع من الحلف الأطلسي تتواصل من قبل، وكانت الحاويات تصل إلى هنا الواحدة تلو الأخرى. كل هذا توقف الآن”.
وفي ظل الهجوم الذي تشنه حركة طالبان منذ مطلع مايو واحتلت خلاله العديد من المناطق الريفية وصولا أخيرا إلى عدد من عواصم الولايات، أغلقت الحدود بين البلدين وأعلنت باكستان أنها ستبني سياجا حدوديا.
وتسعى باكستان من خلال تعزيز نفوذها أثناء التعامل مع تهديدات النشاط العسكري في أراضيها لضمان وحماية أمن المشاريع الحيوية اقتصاديا في ظل الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق التي تشكل المستقبل بالنسبة إلى الصين.
وقد تحاول إسلام آباد الاعتماد على علاقتها الجيدة مع طالبان الأفغانية لإبقاء مقاتلي حركة طالبان باكستان تحت السيطرة، خاصة وأنهم جددوا مؤخرا التزامهم بنضال طويل الأمد ضد الدولة الباكستانية ومحاولة توسيع قاعدة دعمهم لتشمل مجموعات عرقية منها البشتون والبلوش الساخطون.
وتؤكد طالبان سيطرتها على 85 في المئة من أراضي البلاد، واستولت على قوس حدودي بنحو 90 في المئة يمتد من الحدود الإيرانية إلى الحدود مع الصين، مما يشير إلى أنها ستغير ملامح التجارة الحدودية مع دول الجوار بما يضمن لها نفوذا أقوى ويفرض شروطها لتنظيم الأسواق السوداء.