حقائق الأمر الواقع تجبر الأردن على إقرار قانون ضريبي جديد

عمّان تتفادى ارتفاع تكلفة الاقتراض وخدمة الديون الخارجية، ومجلس النواب يفرض زيادة الإعفاءات لتفادي غضب الشارع.
الثلاثاء 2018/11/20
ترقب رياح الضرائب الجديدة

أجبرت حقائق الأمر الواقع البرلمان الأردني على إقرار قانون ضريبي مثير للجدل، لتفادي تراجع ثقة الأسواق الدولية وارتفاع فاتورة الاقتراض وخدمة الديون الخارجية الكبيرة، رغم التحذيرات من المغامرة بالضغط على الأوضاع المعيشية للطبقة الوسطى.

عمّان - أشاع قانون الضرائب على الدخل، الذي خرج أخيرا إلى العلن، حالة من التشاؤم بين شريحة واسعة من الأردنيين، الذين يخشون من تراجع أوضاعهم الاقتصادية المتواصلة منذ سنوات.

وتقول الحكومة إن القانون يعزز العدالة الاجتماعية باستهدافه الأثرياء والتهرّب من ضرائب الشركات، لكنّ الكثيرين يعتقدون أنه سيضر الاقتصاد الراكد بالفعل ويقوّض مداخيل الطبقة المتوسطة.

ولم تجد الحكومة بقيادة عمر الرزاز بدّا من المضي قدما في هذا الدرب لمواجهة الصعوبات الاقتصادية، والذي شكل الدين العام القياسي أحد أبرز أضلاعه، في مسعى لمعالجة اختلال التوازنات المالية وتجنّب خفض التصنيفات الائتمانية للبلاد.

مساع لتجنب ارتفاع تكلفة خدمة ديون خارجية بقيمة 1.4 مليار دولار لتفادي تزعزع الثقة في الاقتصاد
مساع لتجنب ارتفاع تكلفة خدمة ديون خارجية بقيمة 1.4 مليار دولار لتفادي تزعزع الثقة في الاقتصاد

ويرجع مستوى الدين في جزء منه إلى تبني الحكومات المتعاقبة سياسة مالية توسعية تتسم بتوفير فرص عمل في القطاع العام المتضخم وتوجيه دعم حكومي سخي للسلع الأساسية.

وفرض البرلمان بعد أشهر من المناقشات المزيد من الإعفاءات شملت قطاعي الصحة والتعليم، لتفادي غضب الأردنيين، الذين أجبرت احتجاجاتهم في يونيو الماضي الملك عبدالله الثاني على التدخل وإقالة حكومة هاني الملقي.

واعتبر محللون الخطوة انتصارا للمواطنين الذين يعانون من أزمات مزمنة منذ سنوات بسبب ضغوط صندوق النقد الدولي على عمّان للقيام بإصلاحات اقتصادية قاسية، وزادت التعقيدات مع استقبال بلادهم للآلاف من اللاجـئين السـوريين هـربا من الحرب.

وضغط الرزاز بكامل قوته لانتزاع موافقة البرلمان، بعد أن حذّر من أن البلاد ستدفع “ثمنا باهظا” إذا لم يتم إقرار القانون، كونه أحد المحرّكات التي يراهن عليها لتحفيز النمو الراكد الذي دار حول نحو اثنين بالمئة في السنوات الأخيرة.

وقال إن “عدم الموافقة عليه سيعني أن تدفع المملكة أسعار فائدة أعلى على ديونها الخارجية الكبيرة”، البالغة 37 مليار دولار، بما يعادل 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويتوقع أن يتأثر أصحاب المداخيل المرتفعة بشكل مباشر من الضريبة، وهم يشكلون 12 بالمئة، أما بالنسبة إلى متوسطي ومحدودي الدخل فلن يتضرروا من ذلك.

وتريد الحكومة تجنّب ارتفاع تكلفة خدمة ديون خارجية تزيد قيمتها على مليار دينار (1.4 مليار دولار) تستحق في العام المقبل، لتفادي تزعزع الثقة في الاقتصاد الهش.

وأقرّ النواب سقف إعفاءات الأسر، الذي يتوقع أن يسري مطلع العام المقبل، بما يتعلّق بالدخل الخاضع للضريبة بواقع 20 ألف دينار (28 ألف دولار) يخفض إلى 18 ألف دينار (25 ألف دولار) عام 2020، إضافة إلى ألفي دينار بموجب فواتير.

وحدّد القانون سقف إعفاءات الأفراد بعشرة آلاف دينار (14 ألف دولار) العام المقبل، و9 آلاف دينار (نحو 12.5 ألف دولار) في العام الموالي، إضافة إلى ألف دينار بموجب فواتير.

نبيل الغيشان: القانون يضيف 6 بالمئة من الأردنيين إلى الشرائح التي ستدفع ضريبة
نبيل الغيشان: القانون يضيف 6 بالمئة من الأردنيين إلى الشرائح التي ستدفع ضريبة

وجاءت التعديلات بجزئية تقديم الفواتير، والتي لم يتضمّنها مشروع القانون كما أقرّته الحكومة في سبتمبر الماضي.

ووفق القانون الذي أقرّ الأحد الماضي، تستوفى ضريبة دخل من الفرد الذي يقلّ دخله السنوي الصافي عن 300 ألف دينار (420 ألف دولار) بنسبة 5 بالمئة عن كل دينار من الخمسة آلاف دينار الأولى (7 آلاف دولار)، و10 بالمئة عن الخمسة آلاف الثانية، و15 بالمئة عن الخمسة آلاف الثالثة.

وتستوفى 20 بالمئة عن الخمسة آلاف الرابعة و25 بالمئة عن كل دينار يزيد عن 300 ألف دينار وحتى مليون دينار (1.4 مليون دولار)، أما من يزيد دخله عن ذلك فيستوفى 35 بالمئة من دخله.

وبالنسبة للأعمال، تستوفى ضريبة بنسبة 14 بالمئة لقطاع الصناعة و35 بالمئة للبنوك و24 بالمئة لشركات الاتصالات والكهرباء وتعدين المواد الأساسية، والتأمين.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية للنائب نبيل الغيشان، قوله إنّ “مشروع القانون بصيغته التي أقرّت مقبول، كنّا نتمنّى أن يكون أفضل لكن هذا هو المتاح.. القانون كما أقرّ يضيف نحو 6 بالمئة من الأردنيين إلى الشرائح التي ستدفع ضريبة”.

ويسلّط دخول الحكومة في هذه المغامرة الضوء على الضغوط المسلطة عليها من صندوق النقد الذي يخشى من أن يتصاعد الدين العام الخارجي ما لم يتم إجراء الإصلاحات.

وستصل خدمة الدين إلى ذروتها في العامين المقبلين عند حوالي 6.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مع حلول موعد استحقاق السندات الدولية.

ويقول صندوق النقد إن النمو الاقتصادي للأردن تضرر في السنوات الأخيرة جراء ارتفاع معدل البطالة والصراع الإقليمي الذي أثّر سلبا على معنويات المستثمرين، وفي ظل انحسار الطلب الذي ولّده اللاجئون.

ويرى خبراء أن قدرة الأردن على الحفاظ على منظومة الدعم العالية التكلفة وتفشي البيروقراطية لا يمكن أن تستمر في غياب تدفقات رأسمالية أجنبية كبيرة أو ضخ للمساعدات الخارجية التي تضاءلت مع استمرار الأزمة السورية.

11