حفلات إفطار جماعي لأحزاب مصرية أقرب إلى كرنفالات سياسية

القاهرة - نظمت بعض الأحزاب المصرية حفلات إفطار وسحور طغى عليها البذخ، وتنافس كل منها في جذب مسؤولين وسياسيين وإعلاميين لاستعراض القوة والنفوذ قبل إجراء انتخابات البرلمان المزمع إجراؤها في أكتوبر المقبل، لكنها لا تعبر عن فعالية حقيقية داخل المجتمع، مع انزواء تأثيرها وحضورها في الشارع.
وتعد هذه الحفلات أقرب إلى كرنفالات سياسية قد تمنح بعض النخب الحزبية فرصة للتعبير أمام دوائر حكومية وليس الجماهير المعنية، ووفقا لمعادلة البزوغ السياسي المعروفة في مصر فإن القدرة على الإنفاق وتوظيفه للقيام بدور مجتمعي يشكل جوهر عملها، وتبدو الأحزاب مؤسسات لديها بنية اقتصادية جيدة تساعدها سياسيا، وهو ما تهدف إلى إرساله عبر حفلات موسمية قد ترسم شكل التحالفات الانتخابية.
ونظم حزب “مستقبل وطن”، الظهير السياسي للحكومة، حفلا ضخما بمتحف الحضارة بوسط القاهرة، الاثنين، شارك فيه أكثر من 12 وزيرا وعددا كبيرا من السياسيين والمسؤولين ورؤساء أحزاب وأعضاء في البرلمان، بهدف تعزيز حضوره في صدارة المشهد العام، عقب تأسيس حزب “الجبهة الوطنية” الذي قيل إنه سوف يسحب البساط من تحت أقدام “مستقبل وطن” في الانتخابات المقبلة.
ووظف حزب “مستقبل وطن” إفطاره السنوي لتأكيد أنه داعم للدولة ولا يريد الاستئثار بالعمل السياسي وحده، في إشارة توحي بإدراكه أنه يقبل اقتطاع جزء من قوته، وأنه منفتح على التنسيق مع حزب “الجبهة الوطنية” لتشكيل تحالف في الانتخابات البرلمانية القادمة، مقابل الحفاظ على موقعه كظهير وداعم للسلطة المصرية.
ونظم حزب “العدل”، وهو أحد الأحزاب التي جمدت عضويتها في الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة)، حفلا بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة قبل أيام، وشهد مشاركة كبيرة أيضا من سياسيين ونواب في البرلمان ووزير الشؤون النيابية.
ونظمت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين الممثلة داخل البرلمان بـ28 نائبا حفلا مماثلا أخيرا داخل أحد الخيام الرمضانية الشهيرة في القاهرة، في حضور مسؤولين وسياسيين وأعضاء في البرلمان.
تحقق هذه الحفلات أهدافا شكلية للأحزاب والتنظيمات السياسية التي تعتبرها فرصة لتقديم قياداتها إلى المسؤولين، في حين أنها تواجه مشكلات في صناعة الكوادر التي تساعدها في التواصل مع الجمهور مباشرة، وتتماشى مع طبيعة أدوار الأحزاب الجديدة التي تركز على المشهد التجميلي وتقديم صورة سياسية مزيفة، فلا توجد برامج محددة لدى غالبية الأحزاب، وإن وجدت لا تعمل على تطبيقها، ولا تتوافر أصلا أمامها مسارات للممارسة السياسية التي تجعلها حاضرة في الشارع.
وغابت الأحزاب السياسية عن التفاعل مع قرارات مهمة، أبرزها ما ذهبت إليه الحكومة بتأكيدها إلغاء الدعم بشكل كامل عن الوقود، ولم يصدر تعليق جاد من أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة، وخيم الصمت على أحزاب الموالاة، لذلك يتماشى البذخ في تنظيم الكرنفالات مع حراك يندرج في إطار حملات العلاقات العامة.
قال أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة إن رغبات الأحزاب تختلف من كيان إلى آخر، وتهدف الأحزاب الجديدة إلى الدعاية لنفسها، وثمة فرصة مواتية لتحقيق ذلك مع تواجد نخب سياسية كبيرة، فيما تؤكد الأحزاب القديمة أنها حاضرة في المشهد ولن يتم إقصاؤها، كما أن حفلات الإفطار والسحور فرصة للتربيطات السياسية مع بعض الشخصيات.
وأكد سلامة في تصريح لـ”العرب” أن هذه الحفلات استكمال للأدوار الاجتماعية التي انخرطت فيها الأحزاب بشكل كبير، والتعامل مع شهر رمضان باعتباره وسيلة للم الشمل وإنهاء الخلافات، والتأكيد على مدى النفوذ الذي يحققه هذا الحزب أو ذاك بناء على الأشخاص الحاضرين، والقدرة على إقامة حفلات في أماكن باهظة التكاليف، عكس أحزاب أخرى تفتقر للقدرات التي تساعدها على تنظيم حفلات كبيرة، أو تقتصر على أعضائها البارزين.
وشدد سلامة على أن الحفلات ليست لها أبعاد سياسية جلية، وتكشف عن واقع سياسي جديد يمكن أن يتشكل في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فحزب “الجبهة الوطنية” في طريقه ليحصد الجزء الأكبر من الأصوات في الانتخابات المقبلة فيما سيظل حزب “مستقبل وطن” حاضرا، لكن من الصعب حصد أغلبية، وهناك اتجاه نحو دعم حزب “الوعي” الذي يقدم رؤية وسيطة بين الموالاة والمعارضة، بالإضافة إلى حضور حزبي “حماة الوطن” و”الشعب الجمهوري” مع تراجع تواجد أحزاب المعارضة.
وانتشرت ظاهرة حفلات الإفطار والسحور مع ظهور عدد من الأحزاب بعد ثورة يناير 2011، وتكرر الأمر مع تدشين عدد من الأحزاب الجديدة الموالية للسلطة، ويبدو أن الوضع السياسي الراهن الذي جرى بمقتضاه تشكيل حزبين جديدين (الجبهة الوطنية والوعي)، هو انعكاس لواقع سياسي سوف يتبلور في المستقبل.
ويقول متابعون إن احتضان الفنادق الكبرى والمتاحف الجديدة لحفلات الأحزاب لا علاقة له بأي قيمة تربط الأحزاب كفكرة سياسية بالجماهير في الشارع، باعتبار أن ذلك من المفترض أن يكون هدفا أساسيا لها، يرسخ صورتها في أذهان قطاعات ترى أنها “أحزاب فنادق”، نشأت بقرارات فوقية ولا ترتبط بالواقع السياسي.
ويضيف هؤلاء المتابعون أن من يتواجدون في الفنادق الكبرى هم أبناء طبقة تمارس السياسة في سياق اجتماعي لا علاقة له بطبيعة الشعب المصري، وتطرح الحفلات تساؤلات عديدة حول مصادر تمويلها، وحال كان ذلك من أموال تبرعات الأعضاء فالتساؤل الأهم من هم هؤلاء الأعضاء؟ وإلى أي فئة شعبية ينتمون؟ وهل جاءت هذه الأموال بشكل مشروع أم لا؟ وهل يمكن قياس تواجد الحزب في الشارع بمظاهر البذخ وتقديم المساعدات للمحتاجين فقط؟
ويمكن أن تخدم فعاليات الأحزاب التي تأخذ طابعا دعائيا أهداف قياداتها وتحقيق صعود سياسي يبدأ من الوصول إلى البرلمان، لكنها لا تعبر عن مصالح المواطنين، ما يرسخ للانفصال بين الأحزاب والناس، وينعكس ذلك على الواقع السياسي في مصر الذي تبدو الحركة فيه خفية وبلا قيادة تنظمه وترشده، يمكن وثوق المواطنين فيها.