حفريات تحاول إنقاذ آثار اليهود في واحة جنوب المغرب

مشروع لحماية التاريخ اليهودي يشجعه السكان المسلمون.
الاثنين 2023/03/20
علماء الحفريات يحاولون دراسة المجتمع

يحتفي المغرب بتراثه الثقافي اليهودي، ضمن الجهود التي يتم بذلها حاليا لاستعادة هذا التراث وتثمينه وحفظه، ما يحقق التنوع الحضاري ويرسخ ثقافة التعايش. وترجع بعض الروايات اليهودية تاريخ اليهود في المغرب إلى القرن السادس قبل الميلاد، عندما طُردوا من بابل ووصلوا إلى شمال أفريقيا. كما زاد الوجود اليهودي في المغرب مع سقوط الأندلس حيث طرد الإسبان المسلمين واليهود على حد السواء. ولذا فإن البحث في هذا التاريخ مهمة ليست سهلة.

أقا (المغرب) - ينبش عالما آثار مغربي وإسرائيلي في قلب كنيس في واحات أقا، أديم الأرض بحثا عن أجزاء ولو صغيرة من آثار تشهد على وجود اليهود منذ الآلاف من السنين في واحة جنوب المغرب.

انطلقت عمليات الحفر غير المسبوقة كجزء من مشروع لاستكشاف وإعادة ترميم التراث اليهودي في الواحات المغربية التي هجرها اليهود وغادر جزء كبير منهم البلاد في العام 1967.

التاريخ المنهوب

الحفريات توثق المساحات المعرضة للخطر والتي قد تختفي بينما تحتوي على أجزاء من التاريخ اليهودي - المغربي

يمثل اكتشاف جزء من مخطوط ديني باللغة العبرية “إشارة من الله”، على ما يفيد الباحث في علم الآثار الإسرائيلي يوفال يكوتيلي من جامعة بن غوريون في النقب، وهو واحد من ستة باحثين إسرائيليين وفرنسيين ومغربيين.

وتعززت هذه الشراكة العلمية بفضل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في العام 2020.أنشئ الكنيس في قرية تاكديرت استنادا إلى تقاليد معمارية قديمة، وأُنقذ من الخراب الذي كان محدقا به.

يقع الكنيس في وسط “الملاح” (الحي اليهودي)، ويعطي فكرة عن حياة مجتمع أقا التي كانت ذات يوم مفترق طرق للتجارة عبر الصحراء.

يقول عالم الآثار في المعهد المغربي الصغير مبروك إن “هناك حاجة ماسة إلى العمل على هذا النوع من المساحات المعرضة للخطر والتي قد تختفي، في حين أنها تحتوي على أجزاء من التاريخ اليهودي - المغربي”.

وجد اليهود في المغرب منذ العصور القديمة وازداد عددهم منذ القرن التاسع عشر ليصل إلى 250 ألفا منتصف القرن العشرين، قبل أن تنطلق موجات الهجرة إثر إعلان قيام دولة إسرائيل وتقلص عددهم ليصل اليوم إلى حوالي ألفي يهودي.

لكن لم يتم توثيق التواجد اليهودي في هذه الواحة بالشكل المناسب.

وتؤكد عالمة الأنثروبولوجيا الإسرائيلية من أصول مغربية أوريت واكنين أن مشروع الحفريات “يهدف إلى درس هذا المجتمع بصفته جزءا لا يتجزأ من المجتمع المغربي وليس من زاوية يهودية بحتة”.

أماكن مهمشة ثمينة للغاية
أماكن مهمشة ثمينة للغاية

تتقدم عمليات الحفر فيما يصنف علماء الآثار أجزاء من كتب دينية وغيرها من الأشياء المدفونة تحت “البيما”، وهي منصة مرتفعة في وسط الكنيس تُقرأ منها التوراة.

يشدد يوفال يكوتيلي على أن “اللافت هو أن أحدا لم يكتب من قبل حول هذا الردم”، معتبرا أنه “كان علينا القيام بحفريات لاكتشافه”، لأنه فيما يتوجب عدم إلقاء أو إتلاف النصوص الدينية، من غير المعتاد أن تردم في هذا المكان.

ومن بين المواد المحفوظة والمصنفة، رسائل وعقود تجارية وعقود زواج وأوعية منزلية للاستعمال اليومي وقطع من النقود.

بدأ مبنى الكنيس في الانهيار عندما حاول لصوص نهب الكنز المدفون تحت التراب.

يقول عالم الآثار الإسرائيلي إن “الأمر السار هو أن إحدى الركائز انهارت،ما جعل المرور غير ممكن” إلى هذا المكان.

حصلت محاولات مماثلة لسرقة ونهب الآثار على مسافة 100 كيلومتر من أقا، ومنها ما حصل في موقع كنيس أكرض تمنارت، حيث أطلقت حفريات في العام 2021.

وهذه المرة لم يردم التراث الأثري بل أخفي في مستودع سري خلف جدار مكسور. ونجت غالبية المقتنيات من السرقة، بما في ذلك 100 ألف جزء من مخطوطات وتمائم وغيرها.

شهادات ثمينة

بحث حول ماض عريق
بحث حول ماض عريق

تولت المهندسة المعمارية المغربية سليمة ناجي الإشراف على عمليات الترميم في أكرض تمنارت وتاكديرت، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة هذه المنطقة القاحلة والمقفرة.

وتقول ناجي “بدأت قبل أكثر من عشر سنوات وضع تصنيفات نموذجية لكل المعابد اليهودية في المنطقة. ساعدتني تجربتي في إعادة تأهيل مساجد والقصور (قرى محصنة)، على فهم أفضل للمعابد اليهودية”.

تتواصل عمليات الحفر في تاكديرت فيما تعمل فرق الهندسة على إعادة الإضاءة إلى المكان.

ينظر المتساكنون المسلمون إلى المشروع بعين الرضاء والتقدير وتقول محجوبة أوباها (55 عاما) إنه “من الجيد عدم ترك الكنيس اليهودي مهجورا”.

يمكن اكتشاف التراث اليهودي - المغربي من درس العديد من المواضيع، منها نمط عيش آخر المتساكنين في حي الملاح.

أجرت عالمة الأنثروبولوجيا الإسرائيلية أوريت واكنين مقابلات مع سكان يهود سابقين في القريتين، استقروا في إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا، وتقول “إنه سباق مع الوقت لجمع هذه الشهادات الثمينة”.

إلى ذلك، يجد الجغرافي الفرنسي دافيد جويري، وهو منسق مشروع الحفريات، “هذه الأماكن المهمشة ثمينة للغاية لفهم طريقة إعادة توجيه حياتنا اليوم في المدن الكبرى”.

12