حفتر يقدّم نفسه ورقة رابحة في مواجهة طبقة سياسية منقسمة

حكومة الدبيبة تحاول تجديد شرعيتها السياسية مع وصول مبعوث الأمم المتحدة الجديد عبدالله باتيلي إلى طرابلس.
السبت 2022/10/22
هل سيحسن حفتر هذه المرة اقتناص الفرصة

القاهرة - يجد قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في الارتباك الحاصل بشأن الموقف من حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، فرصة سياسية لاستعادة ما فقده منذ حوالي عامين، بسبب اضطراره إلى الانسحاب من محيط طرابلس والعودة إلى بنغازي.

وعاد قائد الجيش مؤخرا إلى استعراض قوته المعنوية في زيارة قام بها لسبها في الجنوب الليبي، بعد فترة من توقف جولاته الميدانية.

وكان يمكن أن تمر الجولة مثل غيرها وينتهي زخمها بمجرد انتهاء برنامجها المعد سلفا، لكن ما حملته من إشارات متعددة بشأن رغبته القوية في الاستفادة من الإنسداد السياسي الراهن منحها بعدا مهما في الوقت الراهن.

وتحاول حكومة الدبيبة تجديد شرعيتها السياسية مع وصول مبعوث الأمم المتحدة الجديد عبدالله باتيلي إلى طرابلس وقيامه فور وصوله بإجراء حوارات مع رئيسها، لكن الدبيبة لا يزال يواجه تحديات داخلية بفقدانه الكثير من رصيده.

فكرة دخول طرابلس بالقوة لم تعد قابلة للتكرار بالنسبة إلى قائد الجيش، إلا إذا كانت هناك قاعدة شعبية مؤيدة لها

كما أن حكومة فتحي باشاغا المعينة من قبل مجلس النواب لم تحظ بمباركة سياسية كبيرة في الداخل والخارج، وأخفقت في الحصول على شرعية تساعد رئيسها على دخول طرابلس، ولا يزال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يتخبط شرقا وغربا ليظل في الصدارة، وهو الحال نفسه بالنسبة لرئيس مجلس الدولة خالد المشري، ناهيك عن زيادة الانقسام في صفوف الميليشيات التي يتمركز غالبيتها في غرب البلاد.

استخدم المشير حفتر في هذه الجولة عبارات قاسية موجهة في معظمها للأجسام السياسية، من قبيل أن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات العبث بمقدرات الشعب، وأن القيادة العامة تفتح أبوابها للقوى الوطنية ولن تتردد في تقديم أقصى ما في وسعها لمساندتها، والعمل معا لإنقاذ الوطن.. ودعا صراحة إلى انتفاضة شعبية في مواجهة الطبقة السياسية.

تقول المفردات المستخدمة إن حفتر لا يريد التحالف مع أي من القيادات السياسية، ويسعى إلى تقديم نفسه على أنه الرجل القوي الذي يمكن الوثوق به من قبل الشعب، إذا قرر الاستنفار وإظهار غضبه ضد القيادات السياسية الحالية.

وتجنب حفتر التلويح مباشرة باستخدام الآلة العسكرية أو تكرار سيناريو الزحف على طرابلس، بعد فشله عندما حاول إسقاط حكومة فايز السراج بالقوة، وما أفرزته من نتائج سلبية يعاني من روافدها حتى الآن.

وسواء أكانت العملية السابقة فخا جرى إعداده بإحكام من قبل قوى خارجية أو خطأ في حساباته العسكرية، ففي الحالتين لم تعد فكرة دخول طرابلس بالقوة قابلة للتكرار، إلا إذا كانت هناك قاعدة شعبية مؤيدة لها، وهذه معضلة ليست هينة، فلا يزال حفتر من الوجوه غير المقبولة لدى الكثير من القوى الليبية في الغرب.

ويحتل حفتر مكانة مركزية وسط العواصف التي تمر بها البلاد، فإذا كانت هناك حكومتان (الدبيبة وباشاغا) متصادمتان ومجلسان (عقيلة والمشري) متنافسان، فهناك جيش واحد ومجموعة من الميليشيات المسلحة، ما يسهم في أن يكون رمانة ميزان في المشهد العام لو أحسن توظيف هذه القوة وتصرف برشادة سياسية وكشف بوضوح عن المكونات الوطنية الحقيقية.

لم تترك تصريحات حفتر في الجنوب أثرا سياسيا ظاهرا في المشهد العام، بل تم تجاهلها من جانب الكثير من وسائل الإعلام، ومع ذلك أكدت أن الرجل يراقب التطورات عن كثب، ويمكن أن يكون ورقة رابحة في مواجهة طبقة سياسية منقسمة على نفسها.

وجاء خروج قائد الجيش عن صمته المؤقت عندما تيقن أن الأزمة تعود إلى الصيغة التي تلعب فيها تركيا دورا محوريا، من خلال تقديمها مظلة أمنية واقتصادية وسياسية لحكومة الدبيبة، وسط ارتباك كبير في مواقف القوى الدولية المعنية، إذ صمتت غالبيتها عن مذكرة التفاهم الجديدة بين أنقرة والدبيبة ولم تنزعج من انتهاء ولاية حكومته، ولم تتبن الأمم المتحدة بديلا يساعد على خروج الأزمة من النفق المظلم الذي دخلته.

ومن اللافت أن خطاب حفتر، وسعيه نحو تثبيت قاعدته في الخارطة السياسية، جاء عقب استقباله رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، ما يعني أن القاهرة قررت تفعيل دور حفتر بعد فترة من تجميده، وفهم البعض أنه أصبح ورقة محروقة في التقديرات المصرية.

حفتر يتقدم بخطى ثابتة
حفتر يتحرك بخطى ثابتة

ولذلك فالعودة إليه، وما انطوت عليه زيارة كامل، تشي بأن إدارة الأزمة من الجانب المصري يمكن أن تعود إلى صيغتها السابقة، الشرق في مواجهة الغرب، كنوع من الضغط على تركيا وردعها، وأن طموحاتها الكبيرة في ليبيا لن تتحقق بسهولة.

تكمن المشكلة في أن جميع اللاعبين المهمين على الساحة الليبية يجد كل منهم وسيلة لدعمه خارجيا، وعلى الرغم من خفوت هذا المحدد عندما أضفت الأمم المتحدة زخما سياسيا لحل الأزمة، لكنه عاد إلى الظهور في الواجهة مع تراجع دورها، وكأن هناك تفاهمات ضمنية على الصعود والهبوط في إدارة الأزمة، بحيث لا تستطيع قوة ليبية واحدة الهيمنة على مفاتيح الحل والعقد.

وتمثل العودة إلى صيغة رجل مصر (حفتر) مقابل رجل تركيا (الدبيبة) خطرا كبيرا، لأن هناك جهات خارجية تدخل على الخط بينهما، بعضها توفر دعما في وقت واحد لقوى عديدة متنافسة، حتى إذا انتصرت إحداها لا تفقد كل مصالحها على الساحة الليبية.

وهذه هي الزاوية الأشد خطورة، لأن الكثير من التفاصيل والخيوط المتشابكة فيها لا تظهر مباشرة على السطح، لكن النتيجة التي يمكن الحصول عليها مختلفة، الأمر الذي يؤكد أن اللاعبين في الظلام باتوا أكثر خطرا ممن يلعبون في النور.

ويحتاج تثبيت قاعدة حفتر في الخارطة السياسية إلى ما هو أكبر من الخطب الرنانة والعزف على وتر أوجاع الشعب الليبي ومعاناته من المسؤولين عن مقدراته السياسية والاقتصادية. يحتاج إلى تصورات تؤكد رغبته في أن يكون الجيش الذي يقوده وطنيا بامتياز، واشتباكه مع الخارجين عن القانون والأجسام غير الشرعية، ورغبته في الحفاظ على وحدة ليبيا، لا تشوبه شوائب تتعلق بتحويلها إلى سلم للوصول إلى السلطة.

إذا نجح المشير حفتر في إقناع الناس بخطاب وطني وقتها يمكن الاستجابة للانتفاض ضد الطبقة السياسية، بالتالي لن يعبأ الشعب بأي تدخلات خارجية طالما أن هناك قناعة بوجود فرصة للحلول الداخلية، بالتالي فالكرة في ملعب حفتر الذي أخفق حتى الآن في أن يحصل على إجماع كبير من الشرق والغرب، وأهدر سنوات، بعضها كان فيها ضحية مغامرات غير مدروسة.

4