حفتر يعزز التعاون العسكري مع روسيا عبر بيلاروسيا

بنغازي – أثارت الزيارة المفاجئة التي أجراها قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر رفقة نجليه العسكريين صدام وخالد الثلاثاء إلى بيلاروسيا، عدة أسئلة عن أهداف الخطوة وعلاقتها بروسيا والحراك الأميركي في المنطقة.
وذكرت وكالة الأنباء الإيطالية "نوفا" اليوم الخميس نقلا عن مصادر ليبية أن زيارة حفتر إلى بيلاروسيا تهدف لتعزيز القوات الجوية، والاهتمام بشكل خاص بصيانة مقاتلات ميغ (إكسنمكس) روسية الصنع.
والتقى حفتر خلال الزيارة الرئيس البيلاروسي المقرب من الكرملين ألكسندر لوكاشينكو ووزير الدفاع البيلاروسي، إلى جانب رئيس لجنة أمن الدولة.
وأبدى حفتر سعادته بزيارة العاصمة البيلاروسية مينسك لأول مرة وأنه يرغب بشدة في تطوير التعاون المتبادل، وتحقيق المنفعة المشتركة للبلدين، مؤكدا أن "بلاده تسعى إلى إقامة تعاون استراتيجي مع بيلاروسيا لما حققته الأخيرة من تطور في عدة قطاعات ومنها إنتاج الآلات الصناعية والزراعية".
في حين، أكد لوكاشينكو استعداد بلاده لتطوير التعاون مع ليبيا، مضيفا لحفتر "اعتبرنا أصدقاءك، ولقد قرأت وسمعت الكثير عنك، لكن للأسف لم أقابلك من قبل، وأريدك أن تعلم أننا على اطلاع جيد بالوضع في ليبيا، وأننا مستعدون لمساعدتك بكل طريقة ممكنة".
وفي اليوم الموالي عقد رئيس أركان القوات البرية للجيش الوطني الليبي صدام حفتر، لقاء مع وزير الدفاع البيلاروسي فيكتور خرينين بحثا خلاله تعزيز التعاون العسكري بين شرق ليبيا ومينسك.
ووفق بيان نشرته رئاسة أركان القوات البرية على صفحتها على فيسبوك فإن اللقاء كان حول "تبادل الخبرات والتنسيق المشترك". وأشاد وزير الدفاع البيلاروسي بدور الجيش الوطني الليبي في "الحفاظ على الأمن والاستقرار في ليبيا"، ووصفه بأنه "عامل رئيسي للأمن الإقليمي".
وبحسب الوكالة الإيطالية، فقد شملت المحادثات تدريب الطيارين الليبيين وتحسين قدرات الأمن السيبراني، بالإضافة إلى توفير قطع الغيار.
وكشفت المصادر الليبية أن اللقاء "تطرق أيضا إلى قضية تطوير القواعد العسكرية البحرية شرقي ليبيا، بما في ذلك البنية التحتية العسكرية المهمة في طبرق".
ويغطي المجمع العسكري الواقع بالقرب من بلدة قمينس على بعد نحو 60 كيلومترا من بنغازي، مساحة تزيد على 5.400 هكتار، ويضم قاعدة جوية وميناء بحري ومراكز تدريب وأماكن إقامة للعسكريين، وفق مصادر "نوفا".
وبالتوازي مع الاتفاقيات العسكرية، شملت الزيارة إلى مينسك مناقشات حول التعاون الاقتصادي والزراعي، وتعهدت بيلاروسيا بتوفير المعدات للقطاع الزراعي في ليبيا، كجزء من خطط حفتر لتنويع سبل العيش في برقة إلى ما هو أبعد من قطاع النفط.
وكانت وسائل إعلام ليبية بينها منصة "ليبيا اليوم 24" المحلية الناطقة بالإنجليزية قد أفادت نقلا عن مصادر مطلعة بأن "السبب الرئيسي وغير المعلن في زيارة المشير حفتر إلى بيلاروسيا، هو عقد اجتماعات مغلقة مع مسؤولين من روسيا بعضهم قيادات عسكرية، وأن حفتر لم يذهب إلى موسكو مباشرة حتى لا يستفز الإدارة الأميركية الجديدة التي طالبته مرارا بعدم السماح لروسيا بتوسيع نفوذها في شرق ليبيا، والامتناع فورا عن تهيئة الوضع هناك لإقامة أي قواعد عسكرية.
ويرى عماد الدين بادي المحلل في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، أن بيلاروسيا "كانت منذ فترة طويلة امتدادا لطموحات موسكو الجيوسياسية" وتورطها مع حفتر "ليس استثناءً".
واعتبر أن زيارة حفتر وأبنائه إلى مينسك هي إشارة واضحة إلى رغبتها في تعزيز العلاقات مع روسيا، خاصة في سياق لا يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب راغبة في مواجهة نفوذ موسكو في ليبيا.
وقال بادي إن "الترامبية، بنهجها المعاملاتي، توضح أن واشنطن ليس لديها أي نية لتحدي الدعم الروسي لحفتر".
وأوضح "لا يوجد سبب يدعوه إلى تقليص اعتماده على موسكو، خاصة وأن النفوذ الروسي يلعب دورا رئيسيا في الخلافة الوراثية لقيادة الجيش الوطني الليبي".
ووصف بادي رحلة حفتر بأنها تمثل ضربة أخرى للنهج الأوروبي تجاه شرق ليبيا، مضيفا "بالنسبة إلى أوروبا فإن هذه الزيارة لا تمثل رفضا فحسب، بل إدانة لطريقة تعاملها. الانفتاح الأوروبي على حفتر لم يكن يهدف أبدًا إلى تقديم بديل حقيقي له، بل فقط إلى الحفاظ على حوار سطحي".
وأكد أن الافتقار إلى التماسك والقدرة الحقيقية على استبدال الدعم العسكري الروسي جعل التحرك الأوروبي غير فعال، موضحا أن "أوروبا تواصل خداع نفسها بأن الأداء الدبلوماسي وحده يمكن أن يغير التوازنات، لكن الواقع مختلف، فقد استغل حفتر هذه الاستراتيجية لتعزيز موقفه، وخاصة في قضية إدارة تدفقات الهجرة".
وتولي موسكو أهمية بالغة لتقوية حضورها في ليبيا باعتبارها بوابة على أفريقيا، ضمن مساعيها لتعزيز نفوذها في القارة عبر الشراكات الاقتصادية واتفاقيات التعاون العسكري لكسر طوق العزلة الدولية المفروضة عليها منذ حربها أوكرانيا، وتقدم نفسها كقوة في مواجهة ما تصفه بـ"الاستعمار الجديد"، بينما يثير النشاط العسكري الروسي في شرق ليبيا عبر مجموعة "فاغنر" قلق واشنطن ودول غربية، تعمّق مع تواتر تقارير دولية عن نقل موسكو إثر سقوط الرئيس السوري بشارالأسد، معدّات عسكرية متطورة من قواعدها بسوريا إلى قاعدة في الشرق والجنوب الليبي الخاضعة لسيطرة قوات حفتر.
وسبق أن حذرت الولايات المتحدة، أثناء زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز العام الماضي، حفتر وطلبت منه أكثر من مرة طرد القوات الروسية، فيما تشير تقارير استخباراتية إلى أن عدد القوات الروسية في ليبيا ارتفع من 800 جندي في فبراير 2024 إلى 1800 جندي بحلول مايو من نفس العام.
وكشف تقرير لموقع "مليتاري أفريكا" المتخصص في رصد الأنشطة العسكرية في أفريقيا، صدر مطلع فبراير، صورا للأقمار الاصطناعية تبرز قيام مرتزقة روس ببناء وتوسيع قواعد لوجستية في جنوب ليبيا، بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان.