حفتر والمنفي وعقيلة صالح في القاهرة لاستكمال مسار تسوية الأزمة

القاهرة - تلقي القاهرة بثقلها الدبلوماسي من أجل إعطاء دفعة للتسوية السياسية في ليبيا تقطع الطريق على مسار مواز في طرابلس خطّه رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الذي يتحرك بدوره لتعزيز التقارب مع تركيا ومع الولايات المتحدة أيضا بعد أن سلمها المواطن الليبي أبوعجيلة، وسط تقارير تشير إلى أنه قد يسلم مطلوبين آخرين من رموز النظام السابق لواشنطن في قضية تفجير لوكربي، بينما يسعى لتعزيز نفوذه وانتزاع دعم أميركي في مواجهة الحراك السياسي الذي تدعمه مصر.
وبعد لقاء أول جمعت فيه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس البرلمان عقيلة ثم لقاء ثان جمعت فيه قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، جمعت أخيرا بين حفتر والمنفي وصالح.
ويأتي اللقاء بالتزامن مع اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة الذي عقدته في مدينة سرت، وسط البلاد، بعد توقف أعمالها لنحو ستة أشهر.
ورغم أن اللقاء الثلاثي لم يتم الإعلان عنه رسميا، إلا أن وسائل إعلام محلية كشفت عنه، فقد ذكرت قناة "أحرار ليبيا"، الذراع الإعلامية لتنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا، نقلا عن مصدر مقرب من المجلس الرئاسي، أن اللقاء الثلاثي "تضمن مباحثات لضمان التوافق حول تشريعات انتخابية توافقية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
وأكدت ذلك أيضا وكالة "سبوتنيك" الروسية، نقلا عن مصادر ليبية، أن الاجتماع يهدف إلى مناقشة المسار العسكري والسياسي وآلية إجراء الانتخابات.
وأوضح المصدر أن من المقرر زيارة شخصيات أخرى من العاصمة الليبية طرابلس للقاهرة خلال الأيام المقبلة، فيما يتوقع زيارة خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في وقت لاحق.
وأفاد المصدر بأن لقاء حفتر وعقيلة صالح والمنفي، استمر حوالي 4 ساعات وحقق تقدما لافتا، خاصة في ما يتعلق بالمسار الانتخابي، مشيرا إلى أن هذا اللقاء ستعقبه لقاءات أخرى في قادم الأيام.
وتلعب القاهرة دورا كبيرا في تحريك المياه الراكدة في الأزمة السياسية الليبية من خلال احتضانها اجتماعات صانعي القرار في ليبيا، حيث يبدو أن هناك خارطة طريق جديدة للعبور من هذه المرحلة بالاتفاق على القاعدة الدستورية، التي ستجرى على أساسها الانتخابات أولا وتنتهي بالحكومة الموحدة مرورا بالمناصب السيادية.
ورغم أن المنفي ليس لديه ما يقدمه لحفتر، وهو أبعد ما يكون عن القدرة العملية على التأثير في مسار توحيد الجيش، كما أن المجلس الرئاسي مخترق من قبل تيار الدبيبة بشكل بيّن، لكن قد يصبح له دور مهم وحضور أكثر أهمية بمجرد أن تعترف قيادة الجيش بموقعه كقائد أعلى للقوات المسلحة الليبية، لكن هذا الأمر مستبعد في الوقت الحالي لأسباب عدة، أبرزها أن حفتر لا يثق في المجلس الرئاسي ولا يعبأ به، كما أنه يعتبر أن زعامته تتفوق على السلطات القائمة في طرابلس والتي يرى أنها تستمد شرعيتها من الاعتراف الدولي ومن التحصن بسلاح الميليشيات والقوات الأجنبية وجحافل المرتزقة.
ويبدو أن حفتر أقرب إلى الدبيبة من المنفي، حيث لم ينقطع حبل التواصل بين محيطيهما، ولعل أبرز اتفاق حصل بينهما هو تعيين فرحات بن قدارة على رأس المؤسسة الوطنية للنفط، وإطلاق سراح الطيار بالجيش الوطني عامر القجم الذي كان أسيرا لدى ميليشيات الزاوية، ضمن صفقة لتبادل الأسرى، تمت بتدخل مباشر من الدبيبة بعد وساطة قامت بها دولة الإمارات التي قال حفتر إنه لولا دورها ما كان للصفقة أن تتم ولا للقجم أن يعود إلى بنغازي.
وهذا اللقاء الثلاثي جاء بعد لقاء المنفي وحفتر الاثنين الماضي وأيضا بعد ثلاثة أيام على اجتماع آخر احتضنته القاهرة بين رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة، ونتج عنه اتفاقهما على وضع خارطة طريق واضحة ومحددة تعلن لاحقا لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية، سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين، أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات الليبية.
وبحضور مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثتها للدعم لدى ليبيا عبدالله باتيلي، التقى أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 في مدينة سرت اليوم لاستكمال مشوارهم في التوافق نحو مؤسسة عسكرية موحدة ضمن المسار العسكري لحل الأزمة الليبية.
وقال اللواء خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بقوات الجيش الليبي، في بيان مقتضب، إن "اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 ناقش استكمال بنود وقف إطلاق النار".
وأشار المحجوب إلى أن المجتمعين ناقشوا أيضا "عمل المراقبين الدوليين والمحليين"، وهم مراقبون لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين أطراف النزاع في جنيف قبل عامين، والذين أعلنت البعثة الأممية لدى ليبيا في وقت سابق الأحد أنهم سيحضرون اجتماع سرت.
كما بحث اجتماع 5+5، حسب البيان ذاته، "ما تم التوصل إليه سابقا في ملف توحيد المؤسسة العسكرية الليبية".
وذكر المحجوب أن المجتمعين أكدوا "مطالبهم بإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية".
وبحث الجانبان "الموقف الدولي ومطالبة الأطراف ذات العلاقة بدعم تنفيذ اتفاقية جنيف بكل بنودها كونها تشكل مطالب الليبيين"، وفق بيان المحجوب.
واللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 مشكلة وفق مبادرة أممية من خمسة عسكريين يمثلون الجيش الليبي في شرق البلاد ونظرائهم في المؤسسة العسكرية في غربها، يجرون مباحثات ضمن المسار الأمني لحل الأزمة الليبية.
وتلك المباحثات التي انطلقت بعد توقيع أعضاء اللجنة الممثلين لأطراف النزاع العسكري على اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف قبل عامين، تهدف إلى السعي لتنفيذ بنود ذلك الاتفاق، والتي منها إخراج المرتزقة من البلاد والمقاتلين الأجانب، إضافة إلى توحيد المؤسسة العسكرية.
وسبق أن أعلن العسكريون الليبيون في التاسع عشر من يوليو الماضي اتفاقهم مبدئيا على توحيد المؤسسة العسكرية، وناقشوا آلية بدء توحيد بعض الإدارات والهيئات العسكرية في اجتماع عقد في القاهرة المصرية.
يعد المسار العسكري، وفقا لمخرجات مؤتمر برلين وإعلان القاهرة، أنجح مسارات حل الأزمة الليبية، في حين حقق المسار السياسي أيضا نجاحات الأسبوع الماضي خلال مباحثات بين أطراف النزاع عقدت في القاهرة أيضا.
وتشهد ليبيا انقساما سياسيا وصراعا بين حكومتين، الأولى حكومة فتحي باشاغا المعينة من قبل مجلس النواب، والثانية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة، رغم انتهاء ولايته وإعفائه من قبل البرلمان.