حظر نشاط جمعية مسيحية يعرض الجزائر لانتقادات بشأن الحريات الدينية

الجزائر- منح القرار الحكومي بوقف نشاط جمعية “كاريتاس الجزائر”، فرصة لتجديد الجدل حول الحريات الدينية في البلاد، كونه تزامن مع سلسلة انتقادات توجهها منظمات وجمعيات حقوقية دولية إلى السلطات الجزائرية، حول التضييق المتزايد بشأن ملفات حقوق الإنسان والحريات الدينية رغم التأكيد المتكرر من قبل السلطة على أن الدستور يكفل حرية المعتقد والدين.
وأعلنت جمعية “كاريتاس الجزائر” التابعة للكنيسة الكاثوليكية في الجزائر، وقف نشاطها الخيري المستمر منذ استقلال البلاد في جويلية 1962، وذلك امتثالا لقرار حكومي وصلها خلال الشهر الجاري.
ويبدو أن الحكومة الجزائرية التي تعكف منذ عدة أشهر على مطالبة الجمعيات والأحزاب والنقابات وفعاليات المجتمع المدني بتكييف وضعيتها الإدارية مع النصوص التشريعية الناظمة، بصدد جر البلاد إلى موجة انتقادات شديدة هي في غنى عنها، باعتبار أن الأمر يتعلق بجمعية دينية مسيحية بإمكانها استقطاب الأضواء الدبلوماسية والحقوقية.
ويكفل الدستور الجزائري الجديد المصادق عليه في استفتاء شعبي جرى في نوفمبر من العام 2020، حرية المعتقد والدين لغير المسلمين، غير أن بعض الممارسات المسجلة في السنوات الأخيرة، أعطت الانطباع بأن السلطة تضيق على نشاط معتقدي الديانات الأخرى، بعد إغلاق العديد من الكنائس ودور العبادة.
بعض الممارسات أعطت الانطباع بأن السلطة الجزائرية تضيق على نشاط معتقدي الديانات الأخرى خاصة المسيحيين
وسيكون وقف نشاط الجمعية المذكورة، أكثر إثارة للجدل كونه يكرس توجهات داخل السلطة التي تذهب إلى الحد من بعض الأنشطة الجمعياتية تحت غطاء تكييف وضعها مع النصوص التشريعية، فكاريتاس الجزائر جمعية عريقة في البلاد، وليست لها صلة بما يعرف بحملات التبشير.
ولم يصدر أي تعليق عن الحكومة الجزائرية في هذا الشأن، إلا أن الثابت أن مبررها سيكون التكيف مع النصوص، والذي أدى إلى حد الآن إلى حل العديد من الجمعيات المحلية وحتى الأحزاب السياسية والنقابات، كما يكون البعض منها قد تلقى تنبيها من طرف وزارة الداخلية، قبل أن يلقى مصير الحل، كما حدث مع جمعية “راج” المعارضة، والحزب الاشتراكي للعمال.
وذكر رئيس أساقفة الجزائر جان بول فيسكو، أن “السلطات اعتبرت كاريتاس (منظمة غير مرخصة)، وأن عددا من النشاطات بينها المساعدات للمهاجرين ستتوقف”.
وجاء في بيان للجمعية الأسقفية في الجزائر، أن “الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر تأسف للإعلان عن الإغلاق الكامل والنهائي لخدمات كاريتاس الجزائر اعتبارا من الفاتح من أكتوبر”.
وبرى مراقبون أنه مع الضمانات التي يقدمها الدستور بحرية الدين والمعتقد لغير المسلمين، إلا أن نصوصا تنظيمية لوزارة الداخلية صادرة في العام 2012، تلزم المنظمات الأهلية والجمعيات وكل الفعاليات السياسية والنقابية، بتجديد ملفاتها الإدارية وفق الإجراءات المعمول بها، وحتى المقترح الحكومي حول إعفاء الجمعيات الدينية من التدابير المذكورة لم يتجسد بعد.
وتقع السلطات الجزائرية في السنوات الأخيرة تحت طائلة جملة من التقارير المنتقدة لحقوق الإنسان، خاصة على مستوى مجلس حقوق الإنسان الأممي، الذي اشتغل في دورته الأخيرة على الملف الجزائري، وكانت الحريات الدينية حاضرة في مداخلة السفيرة الأميركية في جنيف باتشيبا نيل كروكر حول وضعية حقوق الإنسان بالجزائر.
300
معتقل رأي في السجون بسبب التعبير عن آرائهم السياسية المناهضة للسلطة
وكانت الحكومة الجزائرية، قد طلبت للمرة الثامنة على التوالي في ظرف 11 عاما تأجيل زيارة المقرر الأممي لحقوق الإنسان، التي كانت مقررة في الثاني عشر من شهر سبتمبر الجاري، إلى العام القادم، وهو ما اعتبر رفضا مبطنا للزيارة، وزاد من حالة الشكوك القائمة حول وضعية حقوق الإنسان في البلد الذي ينزلق نحو المزيد من القمع.
ورفعت العديد من الهيئات والجمعيات الحقوقية والناشطين المعارضين شكاوى وتقارير إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، تتحدث فيها عن “خروقات لحقوق الإنسان، وقمع غير مسبوق للحريات السياسية والإعلامية”، وتذكر تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي بتواجد أكثر من 300 معتقل رأي في السجون بسبب التعبير عن آرائهم السياسية المناهضة للسلطة.
وأرجع رئيس جمعية “راج” عبدالوهاب فرصاوي القرار الحكومي بحل جمعيته إلى تصفية الحسابات السياسية والتضييق على الفعاليات الأهلية التي تناهض سياسات الحكومة.
وسبق للمصالح الأمنية خلال السنوات الأخيرة، أن شمعت العديد من المقار التي كانت تستغل كأماكن للعبادة بالنسبة إلى منتسبي الكنائس المسيحية، وبررت الحكومة ذلك بأنها تتنافى مع النصوص الناظمة، وتعمد إلى السرية في ممارسة التبشير خاصة في منطقة القبائل.
ويعود ظهور جمعية “كاريتاس الجزائر” إلى العام الأول لاستقلال الجزائر، حيث ظلت تنشط طيلة تلك العقود في المسائل والخدمات الاجتماعية والظروف الإنسانية القاهرة.
وبحسب موقعها على شبكة الإنترنت فإن المنظمة الإنسانية “تستجيب ضمن قدراتها لطلبات المساعدة بغض النظر عن الأصل أو الهوية أو الانتماء الديني للأشخاص”، في تلميح إلى عدم استغلال نشاطها في التمكين للديانة المسيحية أو استدراج غيرهم إليها.
وتملك منظمة “كاريتاس الدولية” التي تتخذ من الفاتيكان مقرا لها، فروعا في أكثر من 160 دولة وتركز على تقديم المساعدات للفقراء وضحايا الكوارث والنزاعات المسلحة.