حضور بارز لمجموعات مسلحة دون انتماء تنظيمي لأول مرة في الضفة الغربية

ظهور "الذئاب المنفلتة" تمرد على خيارات السلطة وتراجع لمكانة الفصائل.
الاثنين 2022/11/28
تشكيلات مسلحة غير تقليدية ودون قيادة

دفع غياب الحل السياسي مع إسرائيل والانقسام الفلسطيني الداخلي إلى ظهور جماعات مسلحة دون انتماء تنظيمي ودون قيادة، ما يمثل تمردا على خيارات السلطة الفلسطينية وتجاوزا للفصائل الفلسطنية التقليدية.

رام الله - تشهد الضفة الغربية منذ أشهر تطورا لافتا في بروز مجموعات مسلحة غير تقليدية تنشط في شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية، وتكتسب زخما شعبيا متصاعدا.

وبينما تركزت عمليات تلك المجموعات في كل من جنين ونابلس في شمال الضفة الغربية، فإنها سرعان ما انتقلت إلى مناطق أخرى بنفس الحدة تقريبا، سواء في الخليل جنوب الضفة أو رام الله العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية.

وأبرز هذه المجموعات كتيبة جنين التي نشأت في جنين، وعرين الأسود ومقرها في نابلس، والأخيرة حظيت بالتفاف شعبي واسع النطاق حولها وشكلت تجاوزا غير مسبوق للفصائل الفلسطينية التقليدية.

وبدأت مجموعة عرين الأسود نشاطها تحت اسم كتيبة نابلس في فبراير 2022، وظهرت علنا لأول مرة في عرض عسكري مطلع سبتمبر في البلدة القديمة في نابلس بمشاركة العشرات من المسلحين بشعار وزي موحد باللون الأسود.

نبيل عمرو: المجموعات مرشحة إلى أن تتسع ولا يوجد ما يمنع تمددها
نبيل عمرو: المجموعات مرشحة إلى أن تتسع ولا يوجد ما يمنع تمددها

وينبه مراقبون إلى أن المجموعة المذكورة واسعة الانتشار سرية المنبت والقيادة “شكلت فعلا مقاوما يعبر عن مزاج شعبي يعبر عن الغضب من تردي الوضع الفلسطيني، في ظل عدم إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتراجع أي فرص لإقامة دولة فلسطينية مستقلة”.

ويقول المحلل السياسي عبدالغني سلامة “إن تراجع دور وفاعلية الفصائل أدى إلى خلق فراغ سياسي ونضالي في الساحة الفلسطينية، ما سمح بظهور المبادرات الفردية التي تحولت إلى خلايا صغيرة مسلحة”.

ويشير سلامة إلى أن هذه الخلايا الصغيرة “أخذت تطور خطابها وآليات عملها، حتى باتت قادرة على تحريك الجماهير مثل الإعلان عن الإضرابات، وتسيير تظاهرات شعبية”.

ويبرز أن المجموعات المسلحة ظهرت في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من حالة تراجع وسكون طال أمدها، وتراجع الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية في ظل “تصعيد” إسرائيلي مستمر يستدعي “استنهاض روح التحدي”.

ويشدد سلامة على أن “مع ظهور عرين الأسود وما سبقها وتبعها من عمليات نوعية بدا أن الجماهير الفلسطينية تستعيد روحها النضالية، وهو ما يفسر نشوة الفرح التي ظهرت في حجم الالتفاف الشعبي حول المجموعات المسلحة، والتفاعل معها على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة لا تخلو من الأسطرة”.

وتحولت المجموعات المسلحة الوليدة في الضفة الغربية، لاسيما مجموعة عرين الأسود، سريعا إلى ظاهرة تستحوذ على تفاعل واهتمام الشبان الفلسطينيين وتؤرق أجهزة الأمن الإسرائيلية. إذ استهدفت إسرائيل المجموعة المسلحة المذكورة بإطلاق عملية عسكرية خاصة لم تشهدها نابلس في شمال الضفة الغربية منذ عملية السور الواقي الشهيرة عام 2002، تخللها إغلاق على المحافظة لأيام متتالية.

هاني المصري: المجموعات أقرب لحالة تحد مما هي قيادة جديدة
هاني المصري: المجموعات أقرب لحالة تحد مما هي قيادة جديدة

وقتل على الأقل 10 من نشطاء مجموعة عرين الأسود، من بينهم قيادات بارزة فيها مثل عدي التميمي وتامر الكيلاني ووديع الحوح، إلى جانب آخرين قضوا في اشتباكات مسلحة مع قوات الجيش الإسرائيلي بعد محاصرتهم.

وإجمالا قتل أكثر من 180 فلسطينيا، أكثر من ثلثهم في الضفة الغربية، مقابل مقتل 26 إسرائيليا في هجمات فلسطينية منذ بداية العام الجاري، وسط معدلات غير مسبوقة للتوتر الميداني منذ سنوات.

وفي تعريفها تعتبر مجموعة عرين الأسود نفسها مجموعة مسلحة عابرة للفصائل، هدفها “توجيه السلاح للاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه وعملائه فقط”.

ونفذت المجموعة عدة عمليات مسلحة ضد الجيش الإسرائيلي قتل وأصيب فيها عدد من الجنود، فيما برز اعتماد أفراد المجموعة على المباغتة في عملياتهم بإطلاق النار ضد أهداف إسرائيلية، لاسيما على الحواجز العسكرية.

وعلى إثر ذلك أصبح القضاء على عرين الأسود وغيرها من المجموعات المسلحة أحد أبرز أهداف الجيش الإسرائيلي، في ظل تصاعد قوتها وارتفاع حاضنتها الشعبية.

ويقول الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو إن التوصيف الدقيق لمجموعة عرين الأسود وما اكتسبته من زخم شعبي هو تطور ما كانت إسرائيل تصفه بـ”الذئاب المنفلتة”، في إشارة إلى منفذي عمليات مجهولي الانتماء الحزبي ومن دون مرجعية تنظيمية.

ويرى عمرو أن ظاهرة المجموعات المسلحة مثل عرين الأسود “مرشحة إلى أن تتسع، ولا يوجد ما يمنع تمددها ومحاكمتها عبر تشكيلات أكثر تنظيما في مناطق متعددة من الأراضي الفلسطينية، في ظل حالة الفراغ الحاصل سياسيا وحزبيا”.

ويضيف “في المقابل فإن الرسالة القمعية لإسرائيل الموجهة إلى الشعب الفلسطيني ومحاولة فرض الحلول الاقتصادية ثبت أنها عاجزة عن اجتثاث العمل المقاوم الفلسطيني، ولا بديل عن حل سياسي شامل”.

وكان لافتا ما شهدته مدينة نابلس في منتصف سبتمبر من احتجاجات شعبية وعمليات إطلاق نار من مسلحين بشكل علني في الميادين العامة، على إثر اعتقال أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية القيادي في عرين الأسود مصعب أشتية.

وتم النظر إلى هذا التطور بأن عرين الأسود وأمثالها من المجموعات المسلحة تمثل تمردا على خيارات السلطة الفلسطينية وتفرض عليها تحديات، في ظل ما تشكله من حاضنة شعبية أكثر ميلا لاستعادة زمام المبادرة للنضال الشعبي، وسط واقع اقتصادي سيء وأفق سياسي غير مبشر.

Thumbnail

كما أنها تمثل أقوى إشارة إلى تراجع مكانة الفصائل التقليدية وعجز بنيتها التنظيمية والسياسية عن إحداث اختراقات في المشهد الفلسطيني، في ظل تكرس الانقسام الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2007.

ومن جهتها فإن أجهزة الأمن الإسرائيلية تحذر من اشتعال وتيرة المواجهات مع الفلسطينيين بفعل مواصلة الحصار والمطاردة، فتقود إلى انتفاضة، وهو ما قد يقوي شوكة عرين الأسود.

واعتبر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أودي ديكل، في ورقة تقدير موقف نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن ظاهرة عرين الأسود تشكل إشارة أخرى لإسرائيل بأنها لن تكون قادرة على احتواء الأراضي الفلسطينية إلى الأبد. كما أنها تعبير آخر عن “ضعف” السلطة الفلسطينية.

ورأى ديكل أن النهج الإسرائيلي الذي يستند أساسا على الاستخدام المتزايد للقوة استهلك أغراضه، وهناك حاجة إلى جهود جديدة إلى جانب الاستعدادات لسيناريوهات عديدة قد تنتج عن التطورات الحاصلة، منها مبادرة شعبية شاملة قد تؤدي إلى تغيير القواعد الحالية للعبة.

لكن مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات ومقره رام الله هاني المصري يرى أن من المبكر الحديث عن انتفاضة شاملة قد تشهدها الأراضي الفلسطينية، بفعل غياب القيادة والأهداف الموحدة لذلك.

ويعتبر المصري أن “عرين الأسود وشقيقاتها من الكتائب والحركات الفكرية والشعبية دليل على حيوية الشعب الفلسطيني وإصراره على الصمود والمقاومة، ولكنها أقرب إلى حالة تحد مما هي قيادة جديدة”.

ويضيف أن هذه المجموعات المسلحة “تتعرض لمحاولات مستمرة للقضاء عليها من إسرائيل، ولاحتوائها من قبل السلطة الفلسطينية، والاستثمار من الفصائل، في حين أن المطلوب تطوير أدائها والنظر إليها بوصفها مرحلة على طريق نهضة الشعب الفلسطيني”.

2