حضور الكاتب وغيابه

لا تتوقف الأسئلة التي تفرض نفسها على الوعي العام، وكذلك على وعي الكاتب منها ذلك السؤال الذي طرحه أحد الكتاب العمانيين، خلال ندوة تكريمية للشاعر العماني سيف الرحبي عقدت مؤخرا، في المركز الثقافي بمسقط، حول أسباب عدم انتشار الكتاب والكاتبات الخليجيين عربيا، على غرار ما يحصل للكتاب والشعراء في دول المراكز الثقافية العربية. السؤال أثار حوارات مهمة حول أكثر من قضية، تتعلق بفكرتي المركز والهامش، وبوضعية الكاتب الخليجي في المشهد الثقافي العربي.
يكشف هذا السؤال عن حساسية خاصة عند بعض الكتاب الخليجيين، تجاه الكاتب العربي في دول المركز المعروفة مصر والشام والعراق، وهذه الحساسية نابعة من رغبة هؤلاء الكتاب في إعفاء أنفسهم ومؤسساتهم الثقافية من المسؤولية عن هذا الغياب، من خلال إلقاء اللوم على الكتاب العرب في هذه المراكز.
كلنا يعلم أن الدور الذي كانت تلعبه هذه المراكز قد تقلص إلى حد بعيد، وأن العديد من دول ما يسمى بالهامش، ومنها الدول الخليجية أصبحت تستأثر بأنشطة ثقافية عربية هامة، تتفوق من خلالها على دول المركز. وكمثال على ذلك يمكن القول إن أهم الجوائز الأدبية التي تمنح في العالم العربي هي جوائز خليجية، وأن كتاب المراكز يتسابقون على المشاركة فيها أكثر من كتاب الخليج.
وتعد معارض الكتب وما تشهده من أنشطة ثقافية على هامشها في دول خليجية عديدة، من أهم معارض الكتب العربية، وأكثرها اجتذابا للكتاب العرب. لذلك فإن السؤال في ضوء هذه الوقائع يجب أن يتوجه به الكاتب الخليجي إلى نفسه، ويبحث عن الأسباب التي تحول دون انتشاره. خاصة وأنه تتوفر له من المنصات الثقافية، ما يمنحه القدرة على تقديم نفسه وتجربته بالصورة، التي تليق بها.
المشكلة إذن ترتبط بالكاتب الخليجي، فهو من يتحمل مسؤولية غيابه أو حضوره، خاصة وأن هناك أسماء وتجارب خليجية حققت انتشارها عربيا بصورة كبيرة، مثل الشاعر سيف الرحبي وزاهر الغافري وليلى عثمان، جميع هؤلاء الشعراء والكتاب لم ينتظروا مؤسسات ثقافية، أو أحدا آخر لكي يقدموا أنفسهم عربيا، بل عملوا بدأب على تكريس حضورهم الفاعل، في الحياة الثقافية العربية حتى استطاعوا أن يحققوا هذا الحضور.
هناك كسل وتقصير واضحان عند الكاتب الخليجي، على صعيد المشاركة في الفعاليات الثقافية العربية، وهناك تقصير من المؤسسات الثقافية، على المستويين الرسمي والأهلي، على هذا المستوى.
لا أحد يمكن أن يقوم بالدور الذي يتوجب عليك القيام به، حتى بالنسبة إلى العلاقة مع المؤسسات الثقافية في الخليج. لا تكفي الشكوى من اختلال العلاقة بين كاتب هنا وكاتب هناك، لأن تصحيح هذا الاختلال مسؤوليتك أنت، وليست مسؤولية الآخر.