حضور إيراني طاغ بالعراق في ذكرى مقتل سليماني والمهندس

المبالغة في الاحتفاء بذكرى مقتل سليماني والمهندس من قبل شخصيات معروفة بولائها لإيران بمثابة تصفية حسابات ضدّ رموز رغبت في ترك مسافة بينها وبين إيران.
الخميس 2024/01/04
عشق مفروض يتعين على الأجيال العراقية توارثه

بغداد- أبرز الإحياء الصاخب للذكرى الرابعة لمقتل القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والقيادي السابق في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس مجدّدا حجم الحضور الطاغي لإيران في العراق بعد أن تمّ تجاوز الهزة التي سببتها الانتفاضة الشعبية العارمة سنة 2019 ضدّ حكم حلفاء إيران في البلد وتمكّن هؤلاء أخيرا من القبض مجدّدا على زمام السلطة بشكل كامل من خلال تشكيلهم لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بينما يستعدون لاستكمال السيطرة على غالبية الحكومات المحلّية للمحافظات بعد تحقيقهم نتائج تؤهلهم لذلك خلال الانتخابات المحلّية الأخيرة.

وانخرطت الدولة العراقية في إحياء ذكرى مقتل القائد الإيراني ومعاونه العراقي من خلال إقرار عطلة رسمية في الكثير من أنحاء البلاد، وتم تسخير الإعلام العمومي لتمجيدهما، فيما أصدر مجلس الوزراء قرارا يقضي بتسمية الشارع المؤدي إلى مطار بغداد الدولي، حيث قتل سليماني والمهندس بضربة أميركية في الثالث من شهر يناير 2020، باسم “الشهيد أبومهدي المهندس”.

وكما جرت العادة منذ سنوات سبقت ذكرى مقتل الرجلين عملية دعائية كبيرة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة في معظمها للميليشيات والأحزاب الشيعية، تقوم على إضفاء هالة دينية وطائفية عليهما تقترب من التقديس وتصورهما باعتبارهما منقذي العراق بكل طوائفه وقومياته من الإرهاب.

ولا يخلو ذلك التركيز الدعائي من تأثير في الشارع الشيعي بالعراق، من خلال المشاركة الشعبية في إحياء ذكرى “حادثة المطار” في عدد من مدن البلاد، وخصوصا بغداد التي شهدت الأربعاء مسيرات وفعاليات طغت عليها مسحة من الحزن والتفجّع شبيهة بتلك التي تميّز عادة إحياء الشيعة لمناسباتهم الدينية الكبرى.

وبعيدا عن الهالة الدعائية يعتبر سليماني أحد أبرز مهندسي مدّ النفوذ الإيراني في المنطقة، وخصوصا في العراق وسوريا ولبنان، ما جعله موضع استهداف من قبل القوات الأميركية في نطاق صراع النفوذ الذي تخوضه واشنطن ضد طهران.

◙ البنية الأمنية التي أوجدها سليماني عبر الميليشيات مازالت توفر لإيران وضعا مناسبا لمقارعة الوجود الأميركي في العراق

وكان المهندس المعروف بملازمته المستمرّة لسليماني يشغل عند مقتله منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي المشكّل من العشرات من الميليشيات التي أشرف الحرس الثوري الإيراني على جمعها وتأطيرها ضمن هيكل جامع واستخدمها في مواجهة تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2017.

لكنّ لتلك الميليشيات دورا أهم يتمثّل في تأمين سيطرة بالوكالة لإيران على المشهد العراقي بمختلف تفاصيله الأمنية والاقتصادية والسياسية، إذ أنّ للحشد حضورا تحت قبّة البرلمان عن طريق تحالف الفتح الذي يمثل بدوره جزءا أساسيا من الإطار الشيعي المشكّل للحكومة الحالية.

ولا تزال البنية الأمنية التي أوجدها سليماني في العراق، من خلال منظومة الميليشيات التي ينتمي بعضها إلى الحشد الشعبي ويبقي البعض الآخر على ارتباطه المباشر بالحرس الثوري، توفّر لإيران وضعا مناسبا لمقارعة الوجود الأميركي على الأراضي العراقية دون أن تتورط في ذلك بشكل المباشر، وذلك من خلال استهداف الميليشيات مواقع تمركز القوات الأميركية في العراق.

وخسرت إيران قبل أيام من حلول ذكرى مقتل قاسم سليماني قائدا آخر مهما في الحرس الثوري كان يسهر على مواصلة الدور الذي قام به سليماني من قبل، وذلك بمقتل الضابط في الحرس رضي موسوي بضربة جوية إسرائيلية قرب العاصمة السورية دمشق.

◙ أبومهدي المهندس معروف بملازمته المستمرّة لسليماني وكان يشغل عند مقتله منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي
أبومهدي المهندس معروف بملازمته المستمرّة لسليماني وكان يشغل عند مقتله منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي 

ولم تمرّ الحادثة من دون أن يأخذ العراقيون نصيبهم من “الحزن” على موسوي عبر مراسم تشييع “مهيبة” لجثمانه في مدينتي النجف وكربلاء، رفع المشيعون خلالها نعشه وصوره داخل العتبة العلوية في النجف مردّدين هتافات “أميركا الشيطان الأكبر” و”أميركا عدو الله”.

وبدت المبالغة في الاحتفاء بذكرى مقتل سليماني والمهندس من قبل شخصيات عراقية معروفة بولائها لإيران بمثابة تصفية حسابات ضدّ رموز مرحلة أعقبت انتفاضة أكتوبر 2019 الشعبية وأبدى فيها القائمون على الحكم رغبة في ترك مسافة بينهم وبين إيران، وعلى رأسهم رئيس الوزراء آنذاك مصطفى الكاظمي غير المحسوب على معسكر الموالاة للجمهورية الإسلامية.

ولا يتردّد سياسيون عراقيون وقادة ميليشيات مسلّحة في توجيه اتّهامات لعناصر في حكومة الكاظمي بالتواطؤ مع الولايات المتّحدة في مقتل سليماني والمهندس.

وقال رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي، الذي كانت الانتفاضة الشعبية المذكورة قد انفجرت في وجهه وأدت إلى الإطاحة به من المنصب، إنّ “التاريخ سيكشف الكثير لاسيما المتورطين بالجريمة ومدى تعاونهم مع الجانب الأميركي”، مرجحا “وجود خيانة من قبل جهات أمنية وسياسية لدعم عملية الاغتيال”.

وقال حسن سالم النائب في البرلمان العراقي عن تحالف الفتح إنّ “حكومة الكاظمي عملت على تسويف ملف التحقيق في اغتيال قادة النصر”، واصفا مقتل سليماني والمهندس بـ”الجريمة النكراء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية”، ومؤكّدا بقاء “المجاهدين على العهد والوفاء حتى تحرير أرض العراق من رجس الاحتلال الأميركي البغيض”.

3