حضانة مشتركة للمّ شمل الأسرة في تونس

مقترح مشروع القانون يهدف إلى تحويل الطلاق من ظاهرة سلبية إلى واقع يتعايش معه الأبناء دون أن يحسوا بآثاره.
السبت 2025/01/18
الأطفال أول ضحايا الطلاق

تونس - يحرم الأطفال التونسيون في حالة الطلاق من أحد الوالدين، حيث تؤول الحضانة عادة إلى الأمهات، لذلك اقترحت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط سن قانون للحضانة المشتركة يكون بشروط واضحة وبتفاهم بين الأب والأم المطلقين.

وأفادت المنظمة بأنها تهدف من خلال مقترح مشروع قانون للحضانة المشتركة بين الوالدين، إلى “تحويل الطلاق من ظاهرة سلبية على الأبناء ومضرة إلى واقع يتعايش معه الأبناء دون أن يحسوا بآثاره، ضمانا لمصلحة الطفل الفضلى ولتماسك الأسرة.”

وأوضحت أن الهدف من الحضانة المشتركة هو منح الطفل التوازن النفسي المطلوب بالعيش مع الوالدين حتى عند الطلاق ومنح الأب حق المشاركة في تربية أبنائه والإحاطة بهم والمشاركة في تحديد مستقبلهم، إضافة إلى إسقاط النفقة وجعل رعاية الأبناء إلزامية للأب والأم في حالة الطلاق وفقا لجملة من الشروط.

ومن أبرز شروط الحضانة المشتركة بين الوالدين، وفق ما جاء في البيان، أن يكون كل من الأب والأم يشتغلان ومستقلين بمسكن ولديهما كل الظروف المادية والنفسية لاحتضان الطفل وتكون هذه الحضانة المشتركة بالتناوب أسبوعا بأسبوع أو 15 يوما بـ15 يوما.

وينص مشروع القانون على أنه يجب أن يلتزم الوالدان بالتفرغ لوقت كاف لرعاية الطفل والقدرة على توفير جميع متطلباته. وتبدأ الحضانة المشتركة منذ سن 3 سنوات لأن الطفل في حاجة إلى والديه منذ تلك السن التي يبدأ فيها الإدراك العقلي والنفسي للوالدين، حسب المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط.

روان بن رقية: على الوالدين بعد الطلاق أن يفكرا في بذل مجهود مضاعف لحماية أطفالهما
روان بن رقية: على الوالدين بعد الطلاق أن يفكرا في بذل مجهود مضاعف لحماية أطفالهما

وتكون هذه الحضانة ممكنة، وفق البيان، إذا تم التوافق بين المطلقين وتوفرت الشروط المذكورة إضافة إلى إصرار كل من الوالدين على حقه في الحضانة فيكون الحكم القضائي ملزما لهما بالحضانة المشتركة.

واعتبرت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط أن “القانون الحالي للحضانة في تونس وإن كان في وقته مسايرا للتطورات الاجتماعية إلا أنه لم يعد كذلك في بعض جوانبه”، مذكرة بعدم تحديث الفصول المتعلقة بقانون الطلاق والنفقة، والحضانة منذ الثاني عشر من يوليو 1993 في مجلة الأحوال الشخصية.

وأشارت إلى أن في قانون الحضانة الحالي وفي حالة الطلاق أو خلال أطوار الطلاق تمنح الحضانة بصفة آلية (عدا الاستثناءات الخاصة) إلى الأم التي تتمتع أيضا بالنفقة بعنوان رعاية الأطفال حتى وإن كانت تشتغل.

وأفاد البيان بأن “وفق آخر الأرقام بلغ عدد حالات الطلاق في تونس سنة 2023 حوالي 35 ألف حالة طلاق، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة”، لافتا إلى أن هذه التطورات أثارت مخاوف المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط من التأثيرات طويلة الأجل على هيكل الأسرة والمجتمع التونسي وخاصة التأثيرات على الأطفال ونفسيتهم وتكوين شخصيتهم.

وأكّدت القاضية والباحثة بمركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل روان بن رقية، الجمعة الثالث عشر من ديسمبر 2024، أنّ عدد أطفال الطلاق في تونس بلغ خلال الفترة المتراوحة بين يناير 2023 وديسمبر 2024 حوالي 600 ألف طفل.

وأضافت القاضية، في تصريحات إعلامية على هامش المؤتمر الدولي الثالث للجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام حول موضوع "طفل الطلاق والجرح الأبوي بين فلسفة التربية وحكم القانون" وهو عنوان كتابها الصادر حديثا، أنّ 104 أطفال، من بين أطفال الطلاق، انتحروا بسبب التفكك الأسري.

وتابعت قائلة “الكارثي والفظيع هو أن العديد من الآباء بعد الطلاق يهجرون أبناءهم ويتخلّون عنهم، وهو ما يتناقض مع مفهوم المسؤولية، وهو ما يتسبب أيضا في شعور الهجر والخذلان لدى الطفل.” وأكدت بن رقية أنّ “على الوالدين بعد الطلاق أن يفكرا في بذل مجهود مضاعف لحماية أطفالهما، وليس العكس بتركهم يعانون بمفردهم ويحملون لوحدهم آثار الصدمة النفسية التي يتعرضون إليها والجروح التي لا تندمل.”

واعتبرت الباحثة، وفق ما نقلته عنها وكالة تونس أفريقيا للأنباء، أنّ “هذه الإحصائيات المفزعة تشير إلى عمق استفحال هذا الإشكال المجتمعي في الواقع المعاصر، والذي يستوجب مقاربة مجتمعية ونفسية وتربوية جديدة تبحث في أسباب تنامي ظاهرة الطلاق بشكل لافت.”

◙ مشروع القانون ينص على أنه يجب أن يلتزم الوالدان بالتفرغ لوقت كاف لرعاية الطفل والقدرة على توفير جميع متطلباته

ودعت إلى إعادة تحديد مفهوم التربية الصحيحة التي تحرر الطفل من نظرة “الوعاء”، وفق تعبيرها، وإلى اعتماد مقاربة شمولية تعالج القصور الوظيفي والتفكك الداخلي للأسرة في اتجاه اعتماد مقاربة جديدة تقوم على الحضانة المشتركة والعلاقة المتواصلة بين أطراف الأسرة لأنها الأساس الفعلي للبناء المتوازن الذي يقطع مع القصور العاطفي، وفق تقديرها.

وكانت وزيرة المرأة والأسرة أسماء الجابري قد أكدت الأربعاء الحادي عشر من ديسمبر 2024 تفاقم ظاهرة الطلاق في تونس. وتشهد أحكام الطلاق في تونس ارتفاعا مطردا خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغ عددها 14706 أحكام صادرة في السنة القضائيّة 2021 – 2022، مقابل 12598 حكما في السنة القضائيّة 2020 – 2021، و13302 حكم في السنة القضائية 2019 – 2020، وفق معطيات وزارة العدل التونسية.

واعتبر رئيس جمعية أطفال تونس رفيق نور بن كيلاني، في تصريح لإذاعة محلية خاصة، أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتقادم التشريعات وعدم استجابة المقاربات البيداغوجية العلمية للواقع وعدم مواكبة تطور الشباب من أسباب التفكك الأسري في تونس، بالإضافة إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.

وشدد بن كيلاني على أنه لا يمكن معالجة مشكلة التفكك الأسري بالاعتماد على مقاربة أمنية أو قضائية، مبرزا أنه لا بد أن تكون المقاربة بيداغوجية علمية تستند إلى دراسات موضوعية من المؤسسات ذات الصلة. كما اعتبر أن الانقطاع المبكر عن الدراسة يتسبب في وجود الطفل في الشارع حيث يتعلم الجريمة والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر.

ودعا بن كيلاني إلى ضرورة سن تشريعات جديدة وأنه لا بد أن نفهم أن ما حصل في تونس خاصة في الثورة أثّر على الأطفال والمجتمع ورفع من نسبة العنف والتوتر لدى الأطفال.

15