حسونة المصباحي: يهاجمونني ويهدرون أوقاتهم في تسول "الدعوات الثقافية"

هو واحد من أبرز كتاب الرواية في تونس وأكثرهم إثارة للجدل. تروج حوله إشاعات كثيرة. لا يستقر في مكان. أعداؤه كثيرون وأصدقاؤه قلة كما يقول عن نفسه. خصوماته الفكرية مع نظرائه من الكتاب والشعراء لا تنتهي. مظهره يوحي بالخشونة واللامبالاة لكنه "يتألم" ويبكي لأغنية أو ذكرى. يكتب في صمت وعزلة مما دعا بعضهم إلى اتهامه بالغرور والتعالي غير أنه لا يعبأ ويقول: "يغارون مني"، إنه حسونة المصباحي، صاحب روايات "الآخرون" و"حكايات تونسية" و"نوارة الدفلى".
ولد الكاتب التونسي حسونة المصباحي في قرية "الذهبيات" بريف القيروان عام 1950، درس الآداب الفرنسية في جامعة تونس. بعد أن أمضى أكثر من عشرين سنة في مدينة ميونيخ الألمانية، عاد إلى بلده حيث يقيم ويعمل الآن في مدينة الحمامات. ترجمت أعماله إلى اللغة الألمانية، وفازت روايته "هلوسات ترشيش" بجائزة Toucan لأفضل كتاب للعام 2000 في مدينة ميونيخ.
الخوف من الفوضى
ابتدأنا حوارنا مع المصباحي بسؤاله عن نظرته إلى الواقع التونسي ما بعد الثورة، فأجابنا بقوله: "أوّلا وقبل كلّ شيء لا بدّ أن أعترف لك أنني أبديت منذ الأيام الأولى التي أعقبت سقوط نظام بن علي، رفضي لحلّ حزب التجمع رغم الأخطاء التي ارتكبها، ورفضي أيضا لبعث مجلس تأسيسي بهدف كتابة دستور جديد، وحملات "ارحل" التي طالت عددا كبيرا من المسؤولين الكبار في الدولة، والتي كانت القوى اليسارية وراءها، والمحرّضة عليها. وسبب رفضي لكلّ هذا هو الخوف من الفوضى، ومن تآكل الدولة، ومن انهيار مؤسساتها.
وهو ما حدث في العديد من دول العالم الثالث جارّا على شعوبها كوارث، وفواجع كثيرة. وبطبيعة الحال، هاجمتني القوى اليساريّة المعروفة بتنطّعها، وبجهلها لتاريخ البلاد، ولواقعها.
ويعلم الجميع أن بعض اليساريين استغلوا ضعف الراجحي وزير الداخلية آنذاك، وأقنعوه بضرورة "تطهير" الأمن من الضباط الكبار الذين كانوا يمتلكون الدراية، والحنكة، ومطلعين على خفايا القضايا الخطيرة، والهامة. وهكذا وجدت النهضة تونس خالية من رجالها الذين ضمنوا لها الاستقرار والأمن على مدى عقود طويلة.
كما أنها نجحت في جرّ خصومها السياسيين، اليساريين منهم بالخصوص، إلى الحلبة التي تتقن اللعب عليها مثل الهوية وغير ذلك. وهكذا تمكنت في ظرف زمني قصير، هي التي كانت تنشط، وتعمل في السريّة، وكان قادتها في المنافي، من أن تمدّ جذورها في المجتمع لتحصل على أغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي.
وها نحن نعاين أن النهضة لم تتغيّر كما توهّم الكثيرون، بل هي لا تزال متمسّكة بأساليبها القديمة. وبالعنف تواجه خصومها. واغتيالات المناضلين؛ لطفي نقض، وشكري بلعيد، ومحمد البراهمي أدلّة قاطعة على ذلك.
تشويه سمعتي
عن سؤالنا له حول عدم سعيه إلى المشاركة في الحراك الثقافي التونسي وإثراء واقع الثقافة بعد عودته من الغرب، يقول المصباحي: "عدتّ إلى تونس في صيف عام 2004. ومنذ البداية وجدتّ نفسي أنا الذي أمضيت فترة طويلة من حياتي في الغربة، عرضة لتهجّمات عنيفة من قبل العديد من المثقفين والكتاب الذين لا تربطني بهم أيّة صلة، ولم يسبق لي أن التقيت بالبعض منهم.
وعليّ أن أشير أيضا إلى أني كنت أقصى دائما من حضور الندوات المخصصة للرواية التونسيّة. بل إن أستاذا جامعيّا معروفا شطب اسمي من قائمة الروائيين التونسيين الذين برزوا خلال العشرين سنة الماضية.
وعندما أتعب من القراءة والعمل، وعادة ما يكون ذلك في نهاية النهار، أحب أن أستمع إلى ما أعشق من الموسيقى من مختلف أنحاء العالم، خصوصا السمفونيّات الكلاسيكيّة. وعليّ أن أشير أيضا إلى أني أحب كثيرا الأعمال المنزلية مثل الطبخ، وترتيب البيت.
أشواك وياسمين
حول ما يتهمه به البعض من التزلف والتقرب من بعض قادة الأحزاب لحيازة منصب أو تكليف، يجيب المصباحي بالقول: "أنا لست تابعا لأيّ حزب، ومنذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، لم أمارس أيّ نشاط سياسيّ.
وعن سبب عودته للعيش في الغرب من جديد، يقول: "قررت العودة إلى تونس بعد أن فقدت عملي في جريدة "الشرق الأوسط" عام 2004. كما أنني كنت قد بدأت أشعر بأن تجربتي الألمانيّة اكتملت ولن تكون دافعا للكتابة، والإبداع كما كان الحال من قبل…وهكذا عدت.
يتهم كتاب تونس المصباحي بكونه أقصاهم على مدى عشرات السنوات ولم يكن غيره يمثل تونس في الخارج نظرا للصداقات التي يتمتع بها مع القائمين على المهرجانات والفعاليات الأدبية في العالم العربي، وفي هذا الشأن يقول: "أنا لست متعهّد حفلات أو مهرجانات. وهؤلاء الذين يحمّلونني مسؤوليّة عدم دعوتهم إلى المهرجانات هم في الحقيقة يحضرون المهرجانات أكثر منّي، ويصرفون جلّ أوقاتهم في تسوّل الدعوات.
وثمة منهم من ليست له أيّة قيمة ثقافيّة أو فكريّة أو فنيّة تخوّل له حضور المهرجانات. لذا عليهم أن يسألوا القائمين عليها ليعرفوا سبب عدم حضورهم، ودعوتهم. وعندما كنت في ألمانيا، أقنعت بعض المؤسسات الثقافية بدعوة شعراء من أمثال أولاد أحمد ومنصف الوهايبي ومحمد الغزي ومحمد علي اليوسفي وفضيلة الشابي وزهرة العبيدي وغيرهم.
وأعلم أنه لا أحد من هؤلاء اقترح اسمي ولو لمرة واحدة لحضور مهرجان أو ندوة، غير أني لم أحاسبهم على ذلك. ثم لماذا يحملني هؤلاء السادة مثل هذه المسؤولية؟ هل أنا وزارة الثقافة؟ هل أنا مؤسسة ثقافيّة كبيرة تتمتع بميزانيّة مثل اتحاد الكتاب؟ وفي النهاية أقول لهؤلاء بأن المهرجانات لا تصنع الكتاب، ولا الفنانين، وما يصنع المبدع هو ثباته على العمل. لذا يكفيكم تباكيا، واعملوا على أن تفيدوا أنفسكم، وتفيدوا الناس إن أمكن لكم ذلك.
متعة الوحدة
عن زواجه وعلاقته بزوجته، يقول المصباحي: "تزوجت في صيف عام 1990 من طالبة ألمانيّة كانت تدرس تاريخ الفنون. فعلت ذلك بعد أن أمضيت معها سنتين في علاقة حرة. وهي تتقن ثلاث لغات: الفرنسيّة والإنكليزيّة والإيطاليّة. وقد قمنا برحلات إلى العديد من البلدان. وقد أحبتْ تونس كثيرا، خصوصا مدينة القيروان. لكن بعد مرور سبع سنوات على زواجنا، انفصلنا. وهي الآن صديقة عزيزة. في كلّ زيارة إلى ميونيخ، أقضي معها أوقاتا ممتعة وسعيدة للغاية".
المصباحي يعيش الآن وحيدا، فهل هو خيار أم واقع مفروض عليه لسبب أو لآخر؟ يجيبنا في هذا الغرض بقوله: "الوحدة ضرورية للمبدع، وإلاّ تشتت ذهنه وبات معنيّا بالعالم الخارجي بضجيجه وصخبه، وليس بالعالم الداخلي . وما ألاحظه في تونس هو عدم قدرة العديد من الكتاب والشعراء على تحمّل الوحدة، بل هم يفرون منها هاربين كلّما توفّرت لهم فرصة ليكنوا بعيدا عن هرج العالم الخارجي، ومرجه.