حسن طارق اشتراكي لا يخفي مخاوفه من خطر الإسلام السياسي

سفير المغرب في تونس الذي يقارب علاقة البلدين برؤية الباحث.
السبت 2021/12/04
الثقة الملكية في هذه الشخصية لم تأت من فراغ

وصل حسن طارق إلى تونس سفيرا للملكة المغربية وهو محمّل بأفكار عن الدولة والحقوق والديمقراطية وممارسة سياسية في حزب يساري عتيد وتكوين أكاديمي رفيع في الشأن الدستوري، تحدث كثيرا عن ثورات الربيع العربي والدولة والسلم الأهلي والذي كانت انطلاقتها من تونس، وها هو يدخل اختباراً حقيقياً في الحقل الدبلوماسي وتمثيل دولته التي هي الأخرى واكبت ما حدث في جل الدول العربية قبل عشر سنوات تقريبا، بروح من المسؤولية في التعاطي مع المطالبة بالحريات والمزيد من الديمقراطية.

تم اختيار حسن طارق في العام 2019 ليكون ضمن طاقم سفراء ممثلا للمملكة المغربية بتونس، وقد جاء هذا الاختيار في وقت عصيب بالمنطقة والتحديات السياسية والصحية والاقتصادية التي تواجهها دول المنطقة، فالثقة الملكية في هذه الشخصية لم تأت من فراغ، فالرجل يملك حسا ديمقراطيا ومواصفات رجال الدولة وإيمان بالأدوار التي تلعبها المؤسسة الملكية كصمام أمان واستقرار ليس فقط في المغرب ولكن داخل المنطقة كذلك.

مسار سياسي

الأستاذ الجامعي بقسم القانون العام والعلوم السياسية، وصاحب كتاب “الربيع العربي والدستورانية”، الفائز بجائزة المغرب للكتاب سنة 2015، يؤمن بأهمية وحيوية الوظيفة الاستراتيجية للمؤسسة الملكية المنطلقة من مشروعيتها التاريخية والسياسية، والتي ترتبط عمليا بالحرص على ممارسة الحكومة لصلاحياتها الدستورية المنطلقة من الشرعية الانتخابية، ومن فكرة ربط المسؤولية بالمحاسبة، ذلك أن ملء الحكومة لكامل مساحتها الدستورية، وحده سيسمح ببروز أوضح لوظيفة اليقظة الاستراتيجية للمؤسسة الملكية.

قناعة طارق راسخة بألا بديل عن إعادة بناء المشروع الاشتراكي الديمقراطي في بلاده، حتى لا يظل المغاربة مطالبين بالاختيار بين اليمين واليمين

 تولّى مسؤولية الكتابة العامة للشبيبة الاتحادية، ويعاب عليه أنه لم يستطع حينها أن يجمع قيادة الشبيبة ولو مرة واحدة، فعاشت الشبيبة في وقتها أزمات كبرى، كما انخرط في حكومة التناوب في العام 1998 مستشارا في ديوان وزير الشبيبة الرياضية الاتحادي محمد الكحص.

كيساري متشبع بروح اشتراكية اجتماعية حداثية لا يخفي طارق مخاوفه من مخاطر مشروع الإسلام السياسي، ويرى أن مواجهته تكون بالديمقراطية وحدها، وبواسطة الديمقراطيين، وداخل الشرعية وفي وضح النهار، واعتقاده راسخ بألا بديل عن إعادة بناء المشروع الاشتراكي الديمقراطي، حتى لا يظل المغاربة مطالبين بالاختيار بين اليمين واليمين، وحتى لا يتحول الاتحاد الاشتراكي من قوة رائدة إلى حزب مكمل لمشاريع الآخرين داخل الحكومات أو داخل المعارضة.

إن ارتقاء طارق سواء داخل أجهزة الحزب أو ملحقاً بدواوين الوزارات التي يديرها اتحاديون، اعتبرها خصومه وصولية وانتهازية، لكن

يبدو أنه لم يلتفت إلى هؤلاء واعتبرهم طاقة دفع نحو الأمام فتمكن من ولوج المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي سنة 2009 بعد نتائج المؤتمر الثامن.

جرّب حظه مع البرلمان، فترشح كوكيل للائحة الاتحاد الاشتراكي بيعقوب المنصور ولم يحصل على النتائج المنتظرة، وبعدها بسنتين تم دفعه للترشح ضمن لائحة الشباب للانتخابات التشريعية سنة 2011، ففاز بمقعد هذه المرة، واستغرب البعض عدم ترشحه بمسقط رأسه البهاليل قرب مدينة فاس، وكانت فرصة لاختبار تحليلاته السياسية التي دشنها بـ“السياسات العامة بالدستور المغربي الجديد” ،”المغرب السياسي” ،“المغرب الاجتماعي“ ،”المغرب الاجتماعي” ،”الجهات والنمو”.

 السفير طارق يمثل الدولة المغربية والاهتمام الذي يوليه العاهل المغربي الملك محمد السادس لتعزيز العلاقات الممتازة القائمة بين المغرب وتونس، وهو يشتغل على أساس أن هذين البلدين تربطهما علاقات راسخة عبر التاريخ، تقوم على أساس “التقارب الحقيقي”، و تتقوى من خلال تشابه الاختيارات الاقتصادية والديمقراطية والاجتماعية والثقافية الكبرى إلى جانب التوجهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية والالتزامات الدولية.

تونس على رأس الأولويات

موجات التضامن المغربية مع تونس يراها طارق بمثابة رد على أزمات مستجدة في العلاقات الدولية
موجات التضامن المغربية مع تونس يراها طارق بمثابة رد على أزمات مستجدة في العلاقات الدولية

وإذا كانت العلاقات المغربية – التونسية مطبوعة بالعراقة والتناظر في مساري بناء الدولة الوطنية وتطلع المجتمعين نحو الحداثة، فقد ذهب طارق إلى تونس حاملا طموح وقيم بلده لتعزيز الصرح الديمقراطي والاعتدال الديني والانفتاح الثقافي، وهو ما تسعى إليه تونس أيضا بنخبتها المتنورة، مع حرص البلدين على النهوض بتعاونهما الثنائي إلى أعلى مستوى وذلك خدمة لمصالحهما وللاستجابة لطموحات الشعبين نحو المزيد من التكامل والشراكة، من أجل المضي قدما في سبيل بناء المغرب الكبير.

الواقع السياسي الحالي هو أن الاجتماعات الثنائية رفيعة المستوى لم يتم عقدها منذ أعوام، كما لم ينظم لقاء قمة تونسي – مغربي منذ نحو سبعة أعوام، أي منذ الزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد السادس إلى تونس في العام 2014، والتي دامت عشرة أيام كاملة، وكانت ناجحة رسمياً وشعبياً.

ومع ذلك لم يتوان المغرب عن العمل على تطوير علاقاته مع تونس ودعم هذا البلد المغاربي المهم، والمشاورات كانت دائمة بين العاهل المغربي والرئيس قيس سعيد، وموجات التضامن المغربية مع تونس سواء بسبب كورونا أو غيرها يراها طارق بمثابة رد على أزمات مستجدة في العلاقات الدولية، وخطوة تؤكد أن العلاقات بين الدول تحكمها كذلك مرجعيات أخلاقية، وقيم التضامن الكونية، وليس فقط المصالح الضيقة والاعتبارات الخاصة والأنانية المقيتة، والحس التجاري، وتسليع المنتوجات الطبية الوقائية والعلاجية.

وهو كمسؤول ومواطن مغربي يعبّر عن نبض الدولة والشعب المغربي ويترافع من موقعه على وحدة المغرب وعدم استهداف سيادتها، معتبراً أن الاصطفاف مع الأجندات الإقليمية المعادية للمغرب، جعل من فكرة الانفصال فكرة رجعية بالتعريف، لأن أفقها الوحيد هو التفكيك والتجزئة وعرقلة مسارات الوحدة والتقارب.

وإذا كانت الدبلوماسية هي ذلك الفضاء الواسع من الحكمة وحسن السلوك والتدبير العقلاني لاقتناص المحطات التي تجمع بين الدول وتؤلف بين المصالح، فإن طارق لا يفوت أي فرصة للتعبير عن التقارب التونسي – المغربي في اللحظات السياسية والثقافية، وكانت وفاة المفكر هشام جعيط مناسبة ستجعل الفقيد إلى جوار كل من محمد أركون ومحمد عابد الجابري وعب الله العروي وعلي أومليل وآخرين، معالم سامقة في سجل المدرسة الفكرية المغاربية التي تبلورت في سياق تفاعلات وقراءات وحوارات ببنية متبادلة، فطارق كثيرا ما يذكر جعيط وتفاعله مع الكتابات المبكرة للعروي، التي فتحت الفكر العربي المعاصر على آفاق جديدة، تماما مثلما يذكر بكثير من الحنين ما تلقّاه من معارف عن طريق جده الذي كان متصوفا “تيجانيا”.

الحداثة والديمقراطية

تحليل طارق للديمقراطية العربية لا يستثني تونس التي يمكن أن تقدم تجربتها ما يجنّب البلاد الاحتراب المجتمعي
تحليل طارق للديمقراطية العربية لا يستثني تونس التي يمكن أن تقدم تجربتها ما يجنّب البلاد الاحتراب المجتمعي

 تحليل طارق للوضع الديمقراطي بالبلدان العربية لا يستثني تونس، والمؤكد بالنسبة إليه أن تجارب الشعوب والأمم حولنا، تقدم عناصر نجاح الوصفات الضرورية لهذا التدبير الذي يُجنب حالة الاحتراب المجتمعي والشّرخ الحاد للنسيج الوطني، وفي نفس الوقت يسمح للمجتمعات بالتعبير عن “تناقضاتها” القيمية، فكتاباته تشهد في مجملها على التطور البين للفكر المغربي في هذا المجال، علاوة على ما تتميز به من انفتاح معرفي على باقي التخصصات، حسب شهادة المفكر والفيلسوف المغربي الراحل محمد سبيلا.

لم يكتف بالتحليل السياسي بل دعّمه برؤيته في حقوق الإنسان، هذا المجال الذي أبدع فيه مؤلفا عنونه بـ“حقوق الإنسان أفقاً للتفكير، من تأصيل الحرية إلى مأزق الهوية”، معتبرا أن عمق الإشكالية الحقوقية يكمن في أن حقوق الإنسان ليست مجرد لائحة للحقوق، وإنما هي تصوّر أخلاقي يحمل معه نظرة محددة للعالم والإنسان والعلاقات الاجتماعية تتطلب مراجعة صارمة للعديد من المقولات والمفاهيم التي اعتدنا أن نصف بها أنفسنا ونحاكم بها غيرنا.

لقد عايش طارق بعين المراقب الدبلوماسي كل التطورات التي عاشتها تونس سياسيا واجتماعيا مع كل تلك الاستقطابات التي كانت بادية للعيان بين المحافظين والحداثيين، لكنه ومن موقعه لا يمكن أن يدلي بموقفه في ما حدث ويحدث، لكنه وكيساري حداثي وأيضا كممارس وأكاديمي يعتقد أن لدى الديمقراطيين اليوم من ليبراليين وإسلاميين ويساريين، ما يكفي من الذاكرة لاستعادة مشاريع التجارب السياسية الفاشلة التي حوربت فيها الديمقراطية والتعددية والحزبية، بدعوى مركزية السلطة وأولوية الدولة، وطلائعية النخبة في قيادة التحول التحديثي، وهي تجارب فشلت في الديمقراطية، كما فشلت في تحديث المجتمعات.

طارق كيساري المتشبع بروح اشتراكية اجتماعية حداثية يرى أن مواجهة مشروع الإسلام السياسي تكون بالديمقراطية وحدها

وهو لم يكن مع تأجيل سؤال الديمقراطية بدعوى أولوية حسم القضايا المجتمعية الخلافية، لأن هذا المسلك بالنسبة إليه سيؤدي إلى التضحية بالديمقراطية بمبرر الانجرار وراء وهم الحداثة، ولن يعني في نهاية التحليل سوى عودة السلطوية التي تعتبر موضوعياً من الناحية الثقافية والاجتماعية نقيضاً لكلٍّ من الديمقراطية والحداثة.

سؤال الديمقراطية والحداثة كان من بين اهتمامات النخبة السياسية والحقوقية التونسية، والأكيد أن هناك تفاهمات في هذا الشأن بينها وبين طارق، وأمام ما تمر به دول المنطقة، فهو وبنوع من الواقعية السياسية يرى أن التقدم خطوات صغيرة في الديمقراطية، يعني تسجيل انتصارات مؤكدة في المسار المعقد للحداثة، والمؤكد كذلك أن حيازة التحولات السياسية والديمقراطية تقتضي إسنادها ثقافياً وفكرياً، حتى لا تظل أسيرة الإجراءات والمساطر وحبيسة للمستويات الفوقية للسياسة، وهنا يمكن أن تتحالف الديمقراطية والحداثة لإنجاز التحولات التاريخية المرجوة.

ولا يزال السفير المثقف مقتنعا بضرورة إعادة قراءة تاريخنا الخاص وتجديد فكرنا الديني، ويربط هذا المسار بحركة حقوق الإنسان في المغرب التي تشكل اختبارا يوميا للحداثة، وامتحانا مستمرا للقدرة الجماعية على الانخراط في المغامرة الإنسانية، لذلك فطلائعية المطلب الحقوقي داخل مجتمع ما تقع في قلب تحولاته المعقدة نحو الحداثة والديمقراطية والحرية، ولا تغني عن المعركة الثقافية والفكرية الكبرى والجديرة بالأفق التاريخي للدولة وللمواطنة.

وبناء عليه فوصفة السفير والباحث الأكاديمي حسن طارق، لتدبير تداعيات الاستقطاب المجتمعي تجاوز الحلول العددية المبنية على أساس الأغلبية والأقلية، مع الحرص على احترام التدافع القيمي والمُجتمعي، لثقافة المؤسسات ولسُلطة القانون، وتجنب الابتعاد ما أمكن عن خطابات الكراهية والتحريض على الحقد والعنف والتكفير.

Thumbnail
12