حسم الانتخابات لصالح تبون يثير المخاوف من المقاطعة والتصويت الانتقامي

الجزائر- انتقد عبدالكريم بن مبارك، أمين عام جبهة التحرير الجزائرية الداعمة لترشيح الرئيس عبدالمجيد تبون، التصريحات المتفائلة التي أطلقها زعيم حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة حول فوز تبون الساحق في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد ثلاثة أسابيع، واعتبر ذلك استفزازا يخدم عزوف الجزائريين عن الاستحقاق.
لكن محللين وموالين لمعسكر الموالاة يرون أن الحديث عن حسم نتائج الانتخابات لصالح مرشح السلطة قد يقود إلى تصويت انتقامي ضده وهو السيناريو الأكثر خطورة بالنسبة إليهم.
وفجر رؤوس القوى السياسية الداعمة لترشيح الرئيس تبون لولاية رئاسية ثانية سجالا داخل معسكر الموالاة وفي الشارع الجزائري بشكل عام، بعدما جزم رئيس حركة البناء الوطني بكون “مرشحه سيحقق فوزا ساحقا على منافسيه، وأن النتائج ستناهز سقف التسعين في المئة من المصوتين”.
وأكد في تصريحات مختلفة لوسائل الإعلام المحلية أن “المنافسة بين المرشحين الآخرين ستكون على المرتبة الثانية والثالثة، لأن المرتبة الأولى محجوزة للمرشح عبدالمجيد تبون”، وهو ما أثار التساؤل عن جدوى الاستحقاق أصلا إذا كانت النتائج محسومة مبكرا على هذا النحو.
وانتقد بن مبارك تصريحات حليفه في معسكر السلطة، لكون “الجزم بنتائج الانتخابات يثير الشكوك لدى الشارع الجزائري، ولا يحفزه على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ما يرفع نسبة العزوف الشعبي الذي تستغله المعارضة لصالحها”.
ودعا ناشطون موالون للسلطة إلى “ضرورة تدخل مديرية الحملة الانتخابية للرئيس تبون، من أجل ضبط خطاب معسكر الموالاة، قبل السقوط في مطب استفزاز الجزائريين، بخطاب الإقصاء والمرور القوي على حساب الرأي المعارض، كي لا يتحول الاقتراع إلى عملية انتقامية سواء بالتصويت للآخرين أو المقاطعة”.
ومن جهته أبان مرشح حركة مجتمع السلم الإخوانية، عبدالعالي حساني شريف، عن غضبه في مدينة عنابة بشرق البلاد من وصف “الأرانب السياسية”، الذي عادة ما يطلق على المرشحين الذين لا يملكون أي حظ في الاستحقاقات الانتخابية، ويتم توظيفهم من طرف السلطة لإضفاء منافسة سياسية شكلية، وإعطاء شرعية انتخابية لمرشحها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
ويبدو أن مرشح الإخوان لا يريد التسليم بأنه لا يملك أي حظ في خوض غمار الانتخابات الرئاسية، شأنه في ذلك شأن مرشح جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، وأن النتائج المنتظرة ستزيد من تقزيم الحركة الإخوانية، وحتى أعرق أحزاب المعارضة الجزائرية لن تسلم من المصير نفسه، لأن الحسم لصالح مرشح السلطة قد تقرر سابقا، ولم يبق إلا كيفية تمريره فقط.
وكانت الكثير من المؤشرات المسبقة قد أوحت بأن السلطة بصدد غلق المنافسة وفرش السجاد الأحمر أمام مرشحها، على غرار الإعلان خلال الأشهر الأخيرة عن برمجة زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا في نهاية شهر سبتمبر أو مطلع شهر أكتوبر، قبل انفجار الأزمة الجديدة بين الجزائر وباريس، رغم أن الاستحقاق تحدد في السابع من شهر سبتمبر.
كما لم تبرمج السلطة المستقلة للانتخابات موعد الدور الثاني المحتمل في أي انتخابات، حتى من باب الاحترام الشكلي للموعد السياسي، وهو ما يوحي بأن المسألة مبرمجة للحسم في دورها الأول.
◄ ناشطون موالون للسلطة يدعون إلى ضرورة تدخل مديرية الحملة الانتخابية لتبون، من أجل ضبط خطاب معسكر الموالاة
وأظهر بن مبارك، في تجمع لأنصاره، خطاب المرور القوي وإقصاء الرأي المعارض، لما وصف المقاطعين بـ”الأبواق” التي تتلقى مواقفها من الخارج، رغم أن المسألة لا تعدو كونها مجرد موقف سياسي، شأنه في ذلك شأن من يقرر المشاركة.
ويسعى المرشحون الثلاثة في خطاباتهم إلى إقناع الجزائريين بالمشاركة الواسعة يوم الاقتراع، ويربطون الموعد بما يصفونه بـ”المخاطر” المحدقة بالبلاد، خاصة في ظل إعلان المصالح الأمنية عن تفكيك شبكة تابعة لحركة “ماك” الانفصالية، كانت تعتزم توظيف شحنة الأسلحة والذخيرة المضبوطة بميناء بجاية في استهداف الموعد الانتخابي، فضلا عن الاستعراضات العسكرية التي يؤديها قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر على الحدود الجزائرية، إلى جانب الأوضاع المتوترة في الحدود الجنوبية مع مالي والنيجر.
وكانت زعيمة حزب العمال لويزة حنون قد أعلنت عن قرار حزبها مقاطعة الاستحقاق الرئاسي بعد قرار سحب ترشحها، نظرا لما وصفته بـ”تخطيط السلطة لإقصائها المبكر من السباق”، وهو الموقف نفسه الذي يتبناه حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، وقد وجدا نفسيهما محل اتهام بالولاء للقوى المعادية، حسب أمين عام جبهة التحرير.
وكان عبدالقادر بن قرينة قد برر المشاركة الشعبية الضعيفة المتوقعة بـ”غياب حالة الاستقطاب السياسي”، حيث صرح للصحافيين بأن “الاستحقاق المنتظر عكس التيارات السياسية المتجذرة في المجتمع الجزائري، فالرئيس تبون يمثل التيار القومي، ويوسف أوشيش يمثل تيار الديمقراطيين اليساريين، أما عبدالعالي حساني شريف فيمثل التيار الإسلامي الإخواني، ولذلك لا وجود لأي قبضة حزبية أو سياسية منتظرة، وهو ما يقلص الحماس وحتى المشاركة الشعبية”.
وحاول الرجل العودة إلى التصنيف السياسي لأول انتخابات تعددية جرت في البلاد خلال مطلع تسعينات القرن الماضي، والتي أظهرت هيمنة الإسلاميين والديمقراطيين والقوميين قبل أن يتدخل الجيش لإلغاء المسار الانتخابي ودخول البلاد في حرب أهلية راح ضحيتها ربع مليون جزائري والآلاف من المفقودين.
وتتواصل أطوار الحملة الانتخابية بوتيرة ثقيلة، حيث اكتفى المتنافسون إلى حد الآن بالعمل الجواري، أو تنظيم تجمعات شعبية مغلقة لشرح برامج غلبت عليها الوعود، بينما لم يكشف أي واحد منهم عن خطة إستراتيجية للنهوض بالبلاد ومواجهة التحديات التي تعترضها.