حساسية تركية مفرطة من التقارب بين روسيا والوحدات الكردية

دمشق - استفز التقارب اللافت بين روسيا ووحدات حماية الشعب الكردي خلال الفترة الأخيرة، تركيا التي لديها حساسية كبيرة حيال أي انفتاح لقوى كبرى على أكراد سوريا.
واستدعت أنقرة القائم بالأعمال الروسية لديها للاحتجاج على انتشار الجيش الروسي في منطقة عفرين السورية التي تسيطر عليها الوحدات، وأيضا لمقتل أحد جنودها بإطلاق نار مصدره المدينة الحدودية.
وهذه المرة الأولى التي تقدم فيها أنقرة على خطوة تصعيدية تجاه موسكو منذ انتهاء أزمة “سوخوي الروسية” منتصف العام الماضي.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية التركية الخميس، إن أنقرة تتوقع من روسيا احترام حساسياتها تجاه المسألة الكردية.
وأكد في إفادة صحافية استدعاء القائم بالأعمال الروسية الأربعاء، لافتا إلى أن أنقرة ما تزال تنتظر قرار روسيا بغلق مكتب للاتحاد الديمقراطي الكردستاني على أراضيها.
وكان الجيش التركي قد أعلن الأربعاء عن مقتل أحد جنوده بولاية هاتاي جنوبي البلاد بنيران قناص من بلدة جنديرس بمنطقة عفرين بمحافظة حلب.
وعفرين واحدة من ثلاث مناطق (كانتونات) تتمتع بـ“حكم شبه ذاتي” تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي.
والعلاقة بين روسيا وأكراد سوريا ليست بالجديدة، حيث سبق وأن فتحت موسكو أبوابها لهم كما سمحت للاتحاد الديمقراطي بفتح فرع له على أراضيها، ولكن في الفترة الأخيرة سجل تطور لافت في هذه العلاقة ترجم عبر اتفاق لنشر قوات روسية في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية، وإن كانت موسكو قد أعلنت أن الأمر لا يعدو كونه مجرد نقل لجزء من مركز للمصالحات في حميميم بين الأطراف المتناحرة في سوريا.
|
واعتبر مدير مركز الدراسات الكردية نواف خليل لـ“العرب” أن “ما جرى الإعلان عنه من اتفاق بين وحدات حماية الشعب والقوات الروسية في سوريا تتويج للعلاقات الموجودة أصلا”.
ولفت إلى أن الوحدات الكردية هي الضلع الأساسي في المواجهة الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية وهذا بالتأكيد يغري روسيا للتقارب معه، فضلا عن أن الأخيرة تعمل على توسيع مظلة الحلفاء في سوريا من خارج دائرة النظام.
ومعلوم أن الوحدات الكردية ومنذ انطلاق الأزمة السورية في العام 2011 لم تناصب نظام الأسد الذي تدعمه موسكو العداء، وإن كان ذلك لم يحل دون حصول مناوشات بينهما خلال السنوات الماضية في سياق رغبة كردية جامحة لتوسيع دائرة هيمنتها في شمال سوريا وشرقها.
ويربط محللون وخبراء آخرون انفتاح روسيا على الوحدات أيضا بعدم الثقة في الطرف التركي، خاصة بعد مواقفه المرتبكة منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة وبروز خلافات بينهما انعكست على اجتماع أستانة 3 ومن المرجح أن تؤثر على مؤتمر جنيف 5 الذي انطلق الخميس بلقاءات تمهيدية مع طرفي النزاع.
ويذهب البعض إلى القول إن تعزيز روسيا علاقتها مع الأكراد هو رسالة إلى أنقرة مفادها أنها قادرة على الرهان على الورقة الكردية نقطة ضعفها الأساسية في سوريا.
وتبدي الوحدات الكردية التي تعد العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، تحالف تدعمه الولايات المتحدة ضد داعش، طموحات كبيرة في تعزيز قدراتها العسكرية، حتى أنها أعلنت مؤخرا أن لديها خططا لتشكيل جيش قوامه 100 ألف هذا العام، وهذا بالطبع سيجعل من موقف أنقرة صعب جدا في ظل ضعف خيارات المواجهة نتيجة حصول هذا المكون السوري على مظلة حماية أميركية وحتى روسية.
وتخشى تركيا كثيرا من أن تكون القوتان المتنافستان على النفوذ في الشرق الأوسط (الولايات المتحدة وروسيا) تتشاركان في تأييد التحركات الكردية التي تصفها بالانفصالية، وأن هناك شعورا بالندم لعدم السير في معاهدة سيفر في العام 1920 التي تضمنت حق الاعتراف بدولة كردستان.
وقال مدير مركز الدراسات الكردية في تصريحاته لـ“العرب” إن “واشنطن وموسكو تدعمان الوحدات باعتبارها باتت قوة تستوعب المكونات الأخرى وتشارك في إدارة شمال سوريا وهما على يقين بأن تطبيق فيدرالية في الشمال السوري سيكون نموذجيا لإعادة سوريا لكن بشكل غير مركزي”.
ويرجح مراقبون أن تتفاعل الأزمة الناشئة بين تركيا وروسيا بسبب الأكراد، خاصة وأن موسكو ليست في وارد رمي هذه الورقة لأهميتها، وفي ظل تضارب المصالح الروسية التركية في أكثر من نقطة بشأن المسألة السورية.