حسابات فرنسا تفجر مجموعة دول الساحل من الداخل

مالي تنسحب من المجموعة وتتهمها بأنها أداة بيد الخارج.
الثلاثاء 2022/05/17
الإرهاب يتغذى من انفراط عقد الحلفاء

التوتر بين فرنسا ومالي بلغ أوجه بأن أعلنت الأخيرة خروجها من مجموعة دول الساحل التي انحازت لباريس في الخلاف مع باماكو. ومن شأن هذه الخطوة أن تفتح ثغرة كبيرة في الحرب على الجماعات المتشددة، وتمهد لزيادة منسوب التنافس الدولي على المنطقة.

باماكو - قادت ضغوط فرنسا إلى انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل، ما قد يهدد بانسحابات أخرى في مرحلة لاحقة ودخول قوى خارجية أخرى للتنافس مع الدور الفرنسي في منطقة حساسة لكونها باتت قبلة لهجمات المتشددين الإسلاميين من ناحية، ومن ناحية ثانية لتنافس كبير بين فرنسا والولايات المتحدة، وفرنسا وروسيا.

وقال محللون استراتيجيون إن انسحاب مالي من المجموعة قد يمهد لانسحابات أخرى خاصة من بوركينا فاسو التي تعيش وضعا شبيها لوجود انقلاب عسكري، وهو وضع سيضعف مسار الحرب على الإرهاب خاصة في ظل سعي فرنسا لتكليف جيوش هذه الدول بخوض الحرب على أن تكتفي هي بالقيادة والتوجيه وتنفيذ عمليات نوعية.

وأعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي الأحد الانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس ومن قوّتها العسكرية لمكافحة الجهاديين واتهمها بأنها “أداة” بيد “الخارج” بعد رفضها توليه رئاستها، في ما رأى أنه مسعى لإحكام عزلته، وأن الأمر يعود إلى ضغوط فرنسا التي لم تقبل أن تخرج القيادة الجديدة في باماكو عن طوعها وتبحث عن مساعدة من روسيا ومن ذراعها الأمنية مجموعة فاغنر.

وبعد إعلان مالي عن انسحابها باتت مجموعة دول الساحل تضم 4 دول هي موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر.

ويعزز انسحاب مالي عزلتها عن جيرانها في حين تخضع باماكو منذ التاسع من يناير لسلسلة من التدابير الاقتصادية والدبلوماسية فرضتها دول غرب أفريقيا ردا على توجّه المجلس العسكري الحاكم للبقاء في السلطة بعد انقلابين شهدتهما البلاد في أغسطس 2020 وفي مايو 2021.

مالي تتهم مجموعة الساحل بفقدان الاستقلالية لباريس وبأنها ضحية تسييس هيئاتها التي تعاني من خلل

ويأتي الانسحاب بعد إعلان المجلس العسكري مطلع مايو عن إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي المبرمة بين مالي وفرنسا في 2014 واتفاقات مبرمة في 2013 و2020 تحدّد الإطار القانوني لوجود قوّتي برخان الفرنسية لمكافحة الجهاديين وتاكوبا الأوروبية.

وتدهورت علاقات مالي بالدول الغربية مع تقرّبها من روسيا. وتتهم فرنسا وحلفاؤها المجلس العسكري بالاستعانة بخدمات شركة الأمن الروسية الخاصة فاغنر المثيرة للجدل، وهو ما تنفيه باماكو.

وأشار بيان الحكومة الانتقالية الصادر مساء الأحد إلى أن “حكومة مالي قرّرت الانسحاب من كل أجهزة مجموعة دول الساحل وهيئاتها بما فيها القوة المشتركة” لمكافحة الجهاديين.

وقال المتحدث باسم الحكومة المالية الكولونيل عبدالله مايغا في تصريح للتلفزيون الرسمي مساء الأحد إن العلاقات الثنائية مع دول مجموعة الساحل “لا تزال قائمة”.

وكان من المفترض أن تستضيف باماكو في فبراير 2022 قمة تكرس “بداية الرئاسة المالية لمجموعة دول الساحل الخمس” لكن “بعد مرور نحو ثلاثة أشهر” على الموعد “لم يعقد الاجتماع”، وفق بيان الحكومة.

وأعلنت باماكو في البيان “رفضها بشدة ذريعة دولة عضو في مجموعة دول الساحل الخمس تستند إلى الوضع السياسي الداخلي لمعارضة تولي مالي رئاسة المجموعة”، من دون أن تسمي هذه الدولة.

وبحسب الحكومة المالية “تتصل معارضة بعض أعضاء مجموعة دول الساحل لمالي بمناورات دولة خارج الإقليم ترمي بشدة إلى عزل مالي” من دون تسميتها.

وتتهم باماكو مجموعة دول الساحل بـ”فقدان الاستقلالية” وبأنها ضحية “تسييس” هيئاتها التي تعاني من “خلل خطير”.

ورأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير سلمه لمجلس الأمن في الحادي عشر مايو أن الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو تضر بقدرة قوة مجموعة الساحل للتصدي للجهاديين. ويبلغ عديد هذه القوة خمسة آلاف عنصر.

وقال غوتيريش في التقرير “أشعر بقلق بالغ حيال التدهور السريع للوضع الأمني في الساحل، وكذلك حيال التأثير الضار للوضع السياسي الهش في مالي وبوركينا فاسو على الجهود الهادفة إلى تعزيز قدرة القوة المشتركة لمجموعة الساحل على تنفيذ عملياتها”.

وتشكّلت مجموعة دول الساحل الخمس في 2014 فيما شكلت قوّتها لمكافحة الجهاديين في العام 2017.

وتشهد مالي منذ 2012 أزمة أمنية لم يساعد تدخل قوّات أجنبية في وضع حد لها. فقد اندلعت أعمال العنف الجهادية في الشمال قبل أن تتّسع رقعتها إلى وسط البلد وجنوبه ويتعقّد النزاع مع تشكل ميليشيات محلية وعصابات إجرامية.

وأودى النزاع بحياة الآلاف من المدنيين والمقاتلين. وبات وسط مالي إحدى النقاط الساخنة في الأزمة التي تعصف بمنطقة الساحل.

وفي أول خطوة على قرار فرنسا توقيف عملياتها العسكرية ضد الجهاديين في مالي، أعلنت الأخيرة التفاوض مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي تحالف يدين بالولاء لتنظيمي القاعدة ويرأسه الزعيم الطوارقي إياد أغ غالي وحركة تحرير ماسينا التي يتزعمها أمادو كوفا من إثنية الفلاني، في خطوة تضرب استراتيجية فرنسا في مواجهة الإرهاب.

Thumbnail

ولم تنجح باريس التي عارضت تلك الخطوة مرارا في حلّ معضلة الإرهاب في مالي وفي دول الساحل والصحراء من خلال الحلول العسكرية بجهود قوات وصل عددها في بعض المراحل إلى 5100 فرد.

وكان أقصى نجاح لها تصفية عدد من قيادات الجماعات المسلحة ومنهم زعيم القاعدة عبدالمالك دروكدال والمساعد الرئيسي لإياد غالي باه أغ موسى وبعض العناصر المعاونة من الصفين الأول والثاني، لكنها فشلت في تحسين الوضع الأمني بالمنطقة ووضع حدّ لتزايد نفوذ الجماعات المسلحة أو كبح خطط توسعها وتمددها.

وأعقب هذا الفشل إعلان فرنسا عن سحبها لقواتها من منطقة الساحل والصحراء، وهو ما أشعر الماليين بأن باريس تتخلى عنهم في منتصف الطريق وفق ما ورد على لسان رئيس الحكومة المالية شوغل كوكالا، الأمر الذي دفع السلطات المالية إلى البحث عن بدائل وحلول للتحدي الرئيسي بالبلاد بعيدا عن الأجندة الفرنسية وتصوراتها.

وواضح أن مالي تفكك شراكتها مع فرنسا وتطوي مرحلة من التدخل العسكري الفرنسي المباشر بدأت منذ العام 2013 بالإعلان عن التعاون مع كيانات أمنية بديلة مثل فاغنر الروسية أو بالانخراط في تسويات مع المسلحين المحليين، في إشارة تكشف الفشل الفرنسي في مالي بعد مقتل ما يقارب ثمانية آلاف شخص وتهجير الملايين من السكان وإغلاق المدارس وتعطيل المؤسسات وتنامي الإرهاب ضد المدنيين والقوى الأمنية.

5