حسابات سياسية وطائفية خلف رفض لبنان الإغراءات الأميركية

الأحزاب اللبنانية تتمسك منذ فترة طويلة برفض التوطين الدائم للاجئين الفلسطينيين في البلاد ويسود اعتقاد على نطاق واسع في لبنان أن هذا هو أحد أهداف خطة جاريد كوشنير.
الاثنين 2019/06/24
بري وهاجس الطائفة

رفض اللبنانيين لخطة السلام الأميركية لا يمكن قراءته فقط من جانب التمسك بحقوق الفلسطينيين، بل هناك اعتبارات أخرى، حيث أن لبنان يخشى من أن  تتضمن الخطة الموعودة مشروعا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين داخل أراضيه وهذا بالنسبة له خط أحمر.

بيروت- توالت تصريحات المسؤولين اللبنانيين الرافضة لخطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن، وللمشاركة في ورشة “الازدهار من أجل السلام” التي تقام هذا الأسبوع في البحرين برعاية أميركية والتي سيتم خلالها الكشف عن الشق الاقتصادي من الصفقة.

وجاءت آخر التصريحات على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري الأحد، حيث قال إن الخطة الأميركية التي تقضي بضخ استثمارات بالمليارات في بلاده مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين لن تغري لبنان.

وتتضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين استثمارات بقيمة 50 مليار دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات الدول المجاورة المستضيفة للاجئين الفلسطينيين.

وتسند الخطة أربعة وأربعين بالمئة أي حوالي نصف الخمسين مليارا (28 مليارا) لكل من مصر والأردن ولبنان ويرى كثيرون أن الغرض من ذلك توطين اللاجئين وتصفية حقوقهم في العودة، ولإنهاء وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي كانت الولايات المتحدة قد أوقفت دعمها لها، بداعي أنها تؤبد النزاع.

وتتمسك الأحزاب اللبنانية منذ فترة طويلة برفض التوطين الدائم للاجئين الفلسطينيين في البلاد ويسود اعتقاد على نطاق واسع في لبنان أن هذا هو أحد أهداف خطة مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنير مهندس صفقة القرن.

ويتعاطى اللبنانيون بحساسية مفرطة حيال مسألة التوطين، لاعتبارات ديموغرافية وطائفية، حيث أن هناك خشية لدى الطائفة الشيعية كما المسيحيين من أن أي مشاريع في هذا السياق من شأنها أن تعزز الفوارق لصالح الطائفة السنية، وهذا يشكل بالنسبة لهم تهديدا وجوديا على المدى البعيد.

وهذه الهواجس كانت السبب خلف الهجمة على النازحين السوريين في الفترة الأخيرة، وذهبت بعض القوى المسيحية (التيار الوطني الحر) المشاركة في السلطة حد إصدار أوامر لبلدات تقطنها غالبية مسيحية برفض بيع منازلهم لأي شخص غير مسيحي.

وقال بري في بيان صادر عن مكتبه “يخطئ الظن من يعتقد أن التلويح بالمليارات من الدولارات يمكن له أن يغري لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة على الخضوع أو المقايضة على ثوابت غير قابلة للتصرف وفي مقدمتها رفض التوطين الذي سنقاومه مع الأشقاء الفلسطينيين بكل الأساليب المشروعة”.

هناك خشية لدى الشيعة والمسيحيين في لبنان من أن أي مشاريع توطين من شأنها أن تعزز الفوارق لصالح الطائفة السنية

وأضاف البيان “نؤكد أن الاستثمار الوحيد الذي لن يجد له في لبنان أرضا خصبة هو أي استثمار على حساب قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”. وفكرة التوطين الدائم للاجئين الفلسطينيين، لطالما كانت مثار جدل واسع في لبنان طيلة العقود الماضية.

وتحافظ البلاد على نظام لاقتسام السلطة وفقا لمحاصصة طائفية منذ انتهاء حرب دارت بين عامي 1975 و1990. وكانت الحرب قد تفجرت بين منظمة التحرير الفلسطينية وقوى مسيحية رافضة للوجود الفلسطيني على أرض لبنان، قبل أن تتحول إلى حرب أهلية.

وتتباين تقديرات أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتقول الأمم المتحدة إن هناك 470 ألف لاجئ فلسطيني مسجلة أسماؤهم، لكنّ تعدادا رسميا في لبنان عام 2017 أظهر أن عددهم يقدر بنحو 175 ألفا.

وتشمل الخطة الأميركية المقترحة إنفاق أكثر من نصف الخمسين مليار دولار في الأراضي الفلسطينية على مدى عشر سنوات في حين سيتم تقسيم المبلغ المتبقي بواقع تسعة مليارات لمصر و7.5 مليار دولار للأردن وستة مليارات للبنان.

ولن يحضر لبنان الاجتماع المقرر عقده في البحرين يومي 25 و26 يونيو لمناقشة الخطة. وقال مصدر لبناني مسؤول الأحد إنه حتى الآن لم يتسلم لبنان أي صيغة رسمية من الخطة الأميركية.

2