حسابات سياسية وراء مساعي إعادة البيشمركة إلى نينوى وكركوك

غياب قوات البيشمركة الكردية عن محافظتي نينوى وكركوك بشمال العراق ليس مجرّد تراجع عسكري ميداني لأكراد العراق، لكنّه سيُترجم إلى خسارة سياسية في حال جرت الانتخابات المحلّية في المحافظتين، بالنظر إلى أنّ القوّات العسكرية في العراق أداة انتخابية لمن يتحكّم فيها إن لم تضمن له جلب الأصوات، فهي على الأقل تمنع استيلاء غيره على أصواته.
أربيل (العراق) - يسعى الأكراد العراقيون إلى إعادة قواتهم المعروفة بالبيشمركة إلى محافظتي نينوى وكركوك المختلطتين عرقيا ودينيا ومذهبيا، وذلك قبل انتخابات محلية من الممكن أن تغيّر خارطة التمثيل السياسي فيهما.
وبرغم الوجود الكردي التاريخي في المحافظتين، فإن المقاعد الكردية في المجالس المحلية أو البرلمان منذ 2003 مرهونة بالحماية العسكرية التي توفرها البيشمركة للناخبين الأكراد في هذه المناطق.
ولم تقرّر الحكومة العراقية موعد الانتخابات المحلية التي كان مزمعا إجراؤها بالتزامن مع الانتخابات العامة في مايو من العام الماضي، لكنها أُجلت بسبب العوائق والتعقيدات اللوجستية والسياسية والأمنية. واقترحت مفوضية الانتخابات إجراء الاقتراع المحلي منتصف نوفمبر القادم، لكن الحكومة لم تعلّق.
وتتحدث أوساط سياسية في بغداد عن رغبة الأحزاب العراقية بإجراء الانتخابات المحلية في أقرب فرصة. ويتوقّع مراقبون أن تُجرى هذه الانتخابات مطلع العام القادم، وهو ما قد يتقرر خلال الصيف.
وتلعب المجالس المحلية الناتجة عن هذه الانتخابات أدوارا مفصلية على مستوى إدارة الشؤون الداخلية للمحافظات. ولكن أهم واجباتها يكمن في اختيار المحافظ الذي يتمتع بصلاحيات كبيرة على مستوى المحافظة.
وحافظ الأكراد على وجود عسكري قوي في محافظة نينوى، لكنه انحسر بتراجع قوات البيشمركة مع تقدم تنظيم داعش لاحتلال مدينة الموصل صيف سنة 2014، ما شكّل مفاجأة للمتابعين الذين كانوا يعتقدون أن القوات الكردية منظّمة ومجهّزة بشكل مثالي.
وتعامل رئيس الحكومة السابقة حيدر العبادي بحذر مع الرغبة الكردية بإشراك قوات البيشمركة في معركة استعادة الموصل خشية أن تثبّت أقدامها من جديد في نينوى.
وبعد طرد التنظيم من المدينة، حاولت قوات البيشمركة استعادة مناطق نفوذها سابقا، لكنها وجدت الحشد الشعبي قد شغل معظمها.
ويعتقد الأكراد أن وجود قوات الحشد في نينوى المتصلة جغرافيا مع محافظة دهوك إحدى المحافظات الثلاث لكردستان العراق يهدد الاستقلال شبه الكامل الذي يتمتع به الإقليم الكردي.
ويشجع الأكراد أعضاء في مجلس محافظة نينوى على المطالبة بإخراج الحشد غير المرحّب به شعبيا، من المحافظة ما يفتح الباب أمام عودة البيشمركة إليها.
يرى أكراد العراق أن انتشار ميليشيات الحشد الشعبي في كركوك ونينوى يهبهم الحق في نشر قواتهم بالمحافظتين
وتقول مصادر محلية إن وجود البيشمركة في نينوى لحظة إجراء الاقتراع المحلي هو الضمانة الوحيدة لعدم استيلاء جهات أخرى على أصوات الناخبين الأكراد، ما يعني ضمان الحضور الكردي المؤثّر في مجلس المحافظة.
وتشير ذات المصادر أنّ البيشمركة، من جهة مقابلة، كانت دائما من “الأدوات الانتخابية” الأساسية لدى الحزبين الكرديين الكبيرين، الحزب الديمقراطي بقيادة آل البارزاني، والاتحاد الوطني بقيادة آل الطالباني.
ويعتمد أكراد العراق على ممثلين مسيحيين في مجلس نينوى لتحريك هذا الملف بسبب خارطة التحالفات المعقدة بين السنّة والشيعة في المدينة.
ويقول سعد القدو المتحدث باسم اللواء ثلاثين في الحشد الشعبي الذي ينتشر في أطراف الموصل إن “رئيس مجلس محافظة نينوى سيدو جتو ينفّذ أجندات حزبية مشبوهة لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني” الذي يتزعمه مسعود البارزاني.
ويشير إلى أن “مؤامرات تحاك منذ شهرين من أجل إعادة البيشمركة مرة أخرى إلى نينوى وإخراج الحشد الشعبي منها”، مضيفا أن “المحافظة على أبواب انتخابات مجالس المحافظات، والحزب الديمقراطي يحتاج إلى من ينفّذ أجنداته في مناطق المحافظة وإعادة البيشمركة ستسهم في تنفيذ ما يهدف إليه”.
ويرى متابعون للشأن العراقي أنّ عقدة الحشد الشعبي تشجّع الأكراد على المطالبة بعودة قوت البيشمركة إلى مناطق كانوا قد تخلّوا عنها لداعش في الموصل عام 2014، ومناطق أخرى كانوا قد انسحبوا منها في كركوك إثر دخول الجيش العراقي إليها عام 2017.
ويقول مراقب عراقي “إنّ الأكراد يرون أن انتشار الحشد الشعبي في كلا المدينتين يهبهم الحق في نشر قواتهم. بمعنى أن تكون هناك ميليشيا مقابل ميليشيا. وهو خطأ تتحمل وزره حكومة بغداد التي لم تستجب لطلبات الأهالي في المدينتين من أجل أن تحلّ قطعات الجيش العراقي محلّ الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي، التي لا تحظى بشعبية في تلك المناطق ذات الغالبية السنية”.
ويضيف “إذا ما كان الأكراد لا يستبعدون وقوع تزوير في الانتخابات المحلية المقبلة إذا ما جرت في ظل غياب البيشمركة، فإن حضور البيشمركة هو الآخر قد يؤدي بالمقابل إلى وقوع نوع من التزوير، يستفيد منه الأكراد الذين لا يخفون أطماعهم في السيطرة الإدارية والعسكرية على المدينتين، وبالأخص كركوك التي يعتبرونها جزءا من إقليمهم أو دولتهم المستقبلية”.
ويرى ذات المتحدّث أنّه “لا يزال في إمكان حكومة بغداد أن تضع حدا للنزاع إذا ما امتلكت الرغبة في القيام بذلك. وهو ما يشك فيه الكثيرون بسبب مزاج رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي الذي يدفع في اتجاه استرضاء الأكراد على حساب الحقائق على الأرض”.