حسابات الزعامات تعيد تعديل قانون الانتخابات العراقية للواجهة بعد العيد

تصريحات نيابية متباينة تكشف عمق الانقسام، حيث يتوقع البرلماني منصور المرعيد التأجيل، بينما تؤكد زميلته نجاة الطائي التوافق على القانون.
الاثنين 2025/06/09
تحركات سياسية مكثفة تعيد خلط الأوراق قبل الانتخابات

بغداد - يشهد العراق تحركات سياسية مكثفة، قد تعيد خلط الأوراق قبل الانتخابات النيابية المقبلة، حيث يستعد مجلس النواب، عقب عطلة عيد الأضحى، لجولة جديدة من النقاشات المحتدمة حول تعديل قوانين توصف بـ"مهمة"، على رأسها قانون الانتخابات.

ويأتي هذا التحرك، على الرغم من بدء العد التنازلي للاستحقاق التشريعي المقبل، ليُعيد إلى الواجهة مجددا ملف تعديل قانون الانتخابات، في مسعى جديد يُنظر إليه على أنه محاولة لتكييف قواعد اللعبة السياسية بما يتناسب مع مصالح القوى النافذة.

ويثير هذا التوقيت الحساس تساؤلات جدية حول أثره على الاستعدادات الجارية للانتخابات، خصوصا مع دخول المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مراحل متقدمة من عملها الفني والإجرائي، ما يُنذر باضطراب العملية الانتخابية برمتها.

وإلى جانب الجدل حول مدى شرعية إدخال تغييرات جوهرية على القانون قبل أشهر قليلة من الاقتراع، يبرز مأزق التوافق السياسي، فهذه التعديلات تحتاج إلى أغلبية نيابية وسط انقسام واضح بين الكتل البرلمانية.

وفي الأيام الأخيرة، عكست التصريحات المتباينة من نواب برلمانيين بوضوح عمق الانقسام حول تعديل قانون الانتخابات وقوانين أخرى "مهمة".

وفي هذا السياق، قال عضو لجنة الكهرباء والطاقة، النائب منصور المرعيد، في تصريح لوكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية، الاثنين إن "الأوضاع الحالية لا تسمح بتمرير قوانين مهمة، على اعتبار أن هناك من يظن بأن تمرير قضية أو قانون ما وحسم الجدل حوله سيُحسب لصالح الجهة الداعمة أو التي دعت لذلك، مما قد يشكل تنافسا انتخابيا فارقا بين القوى".

وأضاف أن "أغلب القوانين المزمع إدراجها ضمن الجلسة المرتقبة سترحل إلى الدورة النيابية القادمة، بما فيها قانون الانتخابات المراد تعديل فقراته"، مشيرا إلى أن "القوة العددية سيكون لها دور في تعديل القانون أو الإبقاء عليه".

وتابع المرعيد "وفق معلوماتنا، هناك اتفاق على الإبقاء على فقرات القانون دون تعديل، لأن أي تعديل سيُفتح الباب أمام مراجعة فقرات جوهرية كثيرة، تصل إلى مستوى إعادة أو اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، ما قد يتسبب بتأجيل الانتخابات".

فيما يتعلق بقانون النفط والغاز وإمكانية تمريره خلال الجلسة المقبلة، ومدى إسهامه في حل الخلاف بين بغداد وأربيل، أوضح المرعيد أن "الخلاف على الإيرادات النفطية بين بغداد وأربيل يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، وحله أمر صعب في ظل المعادلة الإقليمية الحالية". ما يشير إلى تعقيد ملف الطاقة في العراق وتأثيره على العلاقة بين المركز والإقليم.

في المقابل، أبدت النائب نجاة الطائي تفاؤلا بتحقيق النصاب القانوني للجلسة البرلمانية بفضل "اتفاق الزعامات والقوى الكبيرة"، لكنها استبعدت تمرير مجمل التعديلات المقترحة، باستثناء ما يتعلق بقانون الانتخابات الذي قد يحظى بتوافق. هذه التصريحات المتقاطعة تسلط الضوء على حجم التحدي الذي يواجهه البرلمان في التوصل إلى توافقات جوهرية قبل الاستحقاق الانتخابي.

وفي وقت سابق، كشف مصدر سياسي عن اتفاق قوى الإطار التنسيقي على طرح حزمة تعديلات تشريعية بعد عطلة عيد الأضحى، أبرزها تعديل قانون الانتخابات، ليُعاد توزيع أصوات رئيس القائمة بنسبة 80 بالمئة مقابل 20 بالمئة لباقي المرشحين، بما يحقق توازناً انتخابياً ويقلل تشتت الأصوات.

كما تم الاتفاق، وفق المصدر، على مراجعة فقرات من قانوني النفط والغاز، وهيئة الحشد الشعبي، لضمان مرونة أكبر في إدارة ملفات الطاقة والأمن السياسي في البلاد.

وتجري العملية الانتخابية في العراق وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون (انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل)، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي، بحسب مختصين.

ويقترح أحد التعديلات المطروحة تحويل المحافظة إلى دائرة انتخابية واحدة، باستثناء محافظات كبرى مثل بغداد والبصرة والموصل، التي تقسم إلى دائرتين انتخابيتين، في محاولة لمعالجة التفاوت في الكثافة السكانية وتوزيع المقاعد، كما يتضمن تحديد عدد المرشحين في كل قائمة بما يتوافق مع عدد المقاعد المخصصة للدائرة، للحد من ظاهرة “الترشيح الواسع” الذي يستخدم أحيانا كأداة لتجميع الأصوات دون نية فعلية للفوز.

ويهدف المقترح الذي تقدم به النائب رائد المالكي، إلى تعزيز حضور القوى الناشئة داخل البرلمان، من خلال تخصيص 30 بالمئة من المقاعد في كل دائرة للمرشحين الأفراد الحاصلين على أعلى نسب تصويت، تفوق 1.5 بالمئة، مقابل 70 بالمئة، توزع على القوائم الانتخابية، كما يتضمن التعديل المقترح إعادة ضبط معادلة “سانت ليغو” الانتخابية، عبر خفض معامل القسمة من 1.7 إلى 1.5، بهدف توسيع قاعدة التنافس ومنح فرص أكبر للمرشحين خارج الأحزاب الكبرى.

ويحذر خبراء ومتابعون للشأن العراقي من تداعيات تعديل قانون الانتخابات في المرحلة الحالية، إذ سيربك عمل مفوضية الانتخابات ويهدد استقرار النظام الديمقراطي في البلاد، ويؤكدون أن المفوضية سبق وأن أصدرت نظام توزيع المقاعد، وقد أصبح نافذا، وبالتالي فإن أي تعديل للقانون الآن سيدخل العملية الانتخابية في حالة من الفوضى والتأخير، مشيرين إلى أن هذه الظاهرة، التي تتكرر قبيل كل استحقاق انتخابي، غير صحية.

ويرى هؤلاء الخبراء أن كل تغيير في القانون يفرز عيوبا جديدة، بسبب (خصخصة المصلحة الوطنية لصالح كيانات سياسية)، ما يضيق على الأحزاب الناشئة ويمنعها من المنافسة الحقيقية، لا سيما مع التلاعب المتكرر بطريقة احتساب الأصوات.

وكان نواب قد أقروا بصعوبة تعديل قانون الانتخابات، بسبب الانقسام السياسي بين كبار الكتل السياسية، منوهين إلى أن كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولذا تم تأجيل هذا التعديل لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها.

يذكر أن مجلس النواب قد صوت خلال جلسته التي عقدت في الـ27 من آذار مارس 2023 بحضور 218 نائبا على قانون “التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لعام 2018".

وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات أكتوبر 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.

ويستمر الجدل حول تعديل قانون الانتخابات، ومع كل يوم يمر، يصبح من الواضح أن قدرة القوى السياسية على التوصل إلى توافق يضمن استقرار العملية الانتخابية هي وحدها التي ستحدد ما إذا كان صراع المصالح سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والاضطراب.