حسابات إقليمية تعقّد رد الفعل الإسرائيلي على تهديدات روسيا

التوسع في منح الإعانات لأوكرانيا خطوة تؤكد ضعف خيارات تل أبيب.
الأربعاء 2022/07/27
حرب أوكرانيا تكبل السياسات الإسرائيلية

تعقّد الحسابات الإقليمية رد الفعل الإسرائيلي على تهديدات روسيا بحظر عمل الوكالة اليهودية على أراضيها كعقاب على دعم تل أبيب لأوكرانيا. ورغم أن المسؤولين الروس لم يحددوا ما هو المطلوب للتراجع عن الخطوة تبدو خيارات التصعيد الإسرائيلية ضعيفة.

القدس - تعتزم وزارة الخارجية الإسرائيلية توسيع مساعداتها الإنسانية لأوكرانيا، وستقدم لأول مرة دعمًا ماليًا رسميًا لمنظمات المساعدة المدنية العاملة في الدولة التي مزقتها الحرب، وسط بوادر أزمة مع روسيا.

ويأتي هذا التطور وسط خلاف دبلوماسي مع روسيا، يهدد بإغلاق الوكالة اليهودية شبه الحكومية الإسرائيلية، المكلفة بتسهيل وتشجيع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل.

وقالت موسكو، التي استشاطت غضبا بسبب دعم إسرائيل لأوكرانيا، إنها ستوقف عمليات الوكالة اليهودية في روسيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الثلاثاء إن “الأمر متروك لوزارة العدل الروسية لاتخاذ قرار بشأن مصير الفرع الروسي للوكالة اليهودية”.

وكانت وزارة العدل طلبت في وقت سابق تصفية الفرع الروسي للوكالة. وأضافت زاخاروفا، عندما سُئلت عن مصير المنظمة، “إنه سؤال لوزارة العدل، هذه هي المعلومات التي لدي. إنها بالتأكيد مسألة قانونية”.

وفي حين قدمت إسرائيل في الماضي دعمًا مباشرًا للسلطات الأوكرانية، قالت الوزارة إنها ستقدم 2.5 مليون شيكل (726335 دولارًا) كمساعدات مباشرة إلى تسع منظمات مجتمع مدني.

إسرائيل وجدت نفسها في خلاف مع روسيا لأنها دعمت أوكرانيا، بينما تسعى للحفاظ على حرية الحركة في الأجواء السورية

وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن هذه الخطوة “لا علاقة لها” بالعلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وروسيا.

وأشارت إلى أنه منذ بدء القتال في فبراير عندما غزت روسيا أوكرانيا، تقدم الوزارة المساعدة الإنسانية للاجئين والمصابين عبر وكالة التعاون الإنمائي الدولي التابعة لها، والمعروفة باسم “ماشاف”.

وقالت الوزارة “مع إطالة أمد الحرب، تعمل ماشاف على تقديم المساعدة الإنسانية بمجموعة من الطرق المبتكرة، سواء بشكل مباشر أو بالتعاون مع كيانات خارجية تعمل في أوكرانيا”.

وكجزء من هذا العمل المستمر قالت الوزارة إنها وجهت دعوة إلى المنظمات غير الربحية على الأرض بهدف إيجاد “مشاريع مساعدة تلبي المعايير” كما حددتها ماشاف.

ونُشر الاقتراح قبل شهر، لكن لم يتم الكشف عن الاختيار النهائي لتسع منظمات مجتمع مدني إلا في الأيام القليلة الماضية.

وأشارت الوزارة إلى أنها قدمت بالفعل مئات الأطنان من المعدات والأدوية الشخصية وقامت بتشغيل مستشفى ميداني على مدى أسابيع في وقت سابق من هذا العام.

وبالإضافة إلى ذلك تقدم ماشاف إلى الآلاف من الأوكرانيين عبر الإنترنت تدريبًا على موضوعات مثل بناء قدرة المجتمع على الصمود والتعامل مع الصدمات، ومساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة وضحايا العنف الجنسي.

وقالت الوزارة إن “إسرائيل ملتزمة بمواصلة مساعدة مواطني أوكرانيا والتخفيف من محنتهم”.

وفي الشهر الماضي أبلغت السلطات الروسية الوكالة اليهودية بأن مكاتبها قد تواجه عقوبات بسبب انتهاكات مزعومة للقوانين المحلية.

إسرائيل وروسيا اتفقتا على "آلية تفادي التضارب"، عقب التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015

وفي البداية اعتقد المسؤولون في المنظمة أن هذه مشكلة بسيطة يمكن حلها بالمفاوضات والتسويات.

ولا تزال أسباب مهاجمة موسكو المنظمةَ شبه الحكومية غير واضحة؛ إذ لم يشر المسؤولون الروس حتى الآن إلى الخطوات -إن وجدت- التي يمكن أن تتخذها إسرائيل والتي من شأنها أن تدفعهم إلى إلغاء تهديداتهم بحظر المجموعة المكلفة بتسهيل وتشجيع اليهود على الهجرة إلى إسرائيل.

وفي وقت سابق من هذا الشهر أرسلت إسرائيل شحنة ثانية من معدات الحماية لخدمات الطوارئ في أوكرانيا، بما في ذلك 1500 خوذة و1500 سترة واقية والمئات من بدلات الحماية من الألغام و1000 قناع غاز والعشرات من أنظمة ترشيح المواد الخطرة.

وأصدرت وزارة الخارجية الاثنين تحذير سفر جديدًا يدعو المواطنين الإسرائيليين إلى تجنب زيارة أوكرانيا، بما في ذلك مدينة الحج أومان.

وتمت دعوة المواطنين الإسرائيليين الموجودين بالفعل في أوكرانيا إلى المغادرة على الفور.

وقالت الوزارة إن “الوضع الأمني المتفجر، بما في ذلك خطر القصف الجوي أو إطلاق الصواريخ على مستوطنات ومناطق مدنية، ومنها مناطق وسط البلاد وغربها، يشكل خطرا حقيقيا ومباشرا على الحياة”.

وتجنبت إسرائيل تقديم مساعدة عسكرية مباشرة إلى كييف، بما في ذلك الأسلحة الهجومية أو التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة، منذ غزت القوات الروسية أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، في محاولة لتجنب إثارة أزمة مع موسكو.

لكن إسرائيل وجدت نفسها على خلاف مع روسيا لأنها دعمت أوكرانيا بشكل متزايد بينما تسعى للحفاظ على حرية الحركة في الأجواء السورية، التي تسيطر عليها موسكو إلى حد كبير.

وللدولة العبرية حساباتها، ومنها بالأساس الاستمرار في التمتع بـ”حُرية” شن هجمات جوية على أهداف في سوريا تقول إنها أهداف إيرانية، وأيضا رغبتها في تقويض قدرة إيران على صنع قنبلة نووية.

وفي حين أن حرية هجماتها في سوريا مرتبطة بغض الطرف الروسي، فإن فُرص التوصل إلى اتفاق دولي مع إيران في فيينا يلبي مطالبها، تشوبها شكوك في ظل انشغال العالم بأزمة أوكرانيا.

أسباب مهاجمة موسكو للوكالة اليهودية لا تزال غير واضحة
أسباب مهاجمة موسكو للوكالة اليهودية لا تزال غير واضحة

ويرى يوناثان فريمان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، أن تأثيرات هذه الأزمة على العلاقات الإسرائيلية – الروسية “متعددة”.

ويقول “أعتقد أوّلا أن لدى إسرائيل مخاوف تتعلق بقدرتها على العمل من الجو في سوريا”.

وأضاف “كلما اتسعت المسافة بين روسيا وإسرائيل بسبب الأوضاع، وبسبب مواقف تل أبيب الداعمة منذ وقت طويل للمواقف الأميركية، زادت احتمالات أن يترتب على ذلك تقييد لقدرة إسرائيل على العمل في تلك المنطقة”.

وأعلنت إسرائيل مرارا أنها نفّذت المئات من الهجمات الجوية على أهداف قالت إنها تابعة لإيران وحزب الله اللبناني في سوريا، خلال السنوات الماضية.

ويقول المحلل السياسي يانيف كوبوفيتش “إن مصدر القلق الرئيسي لمؤسسة الجيش هو توتير العلاقات الإسرائيلية – الروسية الحساسة تجاه سوريا، حيث ورد أن الجيش الإسرائيلي يعمل بانتظام ضد القوات المدعومة من إيران، وهي جماعة حزب الله اللبناني”.

وأضاف كوبوفيتش “في ظل هذه الظروف من المرجح أن يُغيّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسته بشأن العمليات الإسرائيلية في سوريا، وأماكن أخرى في الشرق الأوسط”.

وأردف “في محاولة لاستعادة مكانته يمكن لبوتين أن يتحرك للحد من قدرة إسرائيل على العمل ضد التواجد الإيراني، في إطار آلية تفادي التضارب بين إسرائيل وروسيا في سوريا”.

واتفقت إسرائيل وروسيا على “آلية تفادي التضارب”، عقب التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، لمنع وقوع اشتباك دون قصد خلال الهجمات الإسرائيلية ضد التواجد الإيراني في سوريا.

وتابع كوبوفيتش “يُقدّر المسؤولون الإسرائيليون أيضًا أن روسيا قد تقرر نقل أسلحة أكثر تقدمًا إلى سوريا ودول أخرى في المنطقة، بهدف تحقيق عائدات من صفقات الأسلحة الكبيرة، مع خلق توازن جديد للرعب في مواجهة القوات العسكرية الغربية في منطقة الشرق الأوسط”.

وتمتلك روسيا نفوذا عسكريا كبيرا في سوريا، حيث تدعم قوات النظام في مواجهة قوى المعارضة.

5