حزب مؤيد للحكومة المصرية يحلّ مشاكلها بدلا عنها

المصريون تدور في أذهانهم أسئلة عديدة حول أبعاد هذه الأدوار التي يمكن وصفها بأنها من صميم عمل الحكومة وتحتاج إلى سخاء مادي لتنفيذها.
الاثنين 2021/12/06
أشغال بالإنابة

القاهرة – ضاعف حزب “مستقبل وطن”، الذي يمثل ظهيراً سياسيا للحكومة المصرية، تحركاته لحل بعض المشكلات في قرى ونجوع مختلفة، والتي تسببت فيها الحكومة ذاتها باتخاذها قرارات وإجراءات فاقمت الأعباء المالية على المواطنين أو لتقصيرها في التعامل مع أزمات حياتية ومعيشية متراكمة.

وحاولت قيادة الحزب الدخول على الخط الاجتماعي الذي يتبناه النظام المصري لتخفيف الأعباء عن كاهل الطبقات الفقيرة، ودون أن يدري وجد الحزب أن دوره يتوازى مع دور الحكومة وبرامجها الحمائية، وأنه يحاول تعويض غيابها سياسيا.

وتكفل الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان مؤخراً بدفع مصاريف الطلاب المعوزين في كافة المراحل التعليمية بعد أن اشتعلت أزمات جراء مضاعفة هذه المصاريف هذا العام وربطها بتسليم الكتب المدرسية ما تسبب في غضب تصاعد الأيام الماضية لعدم تمكن ملايين الطلاب من الانتظام في الدراسة بعد شهرين من انطلاقها.

جمال أسعد: حزب الأغلبية يحتاج إلى زعامة سياسية لها ثقل في الشارع

واتخذ قراره في وقت تقدم فيه نواب بطلبات إحاطة ضد وزير التعليم لمواجهة أزمات المصاريف المدرسية ومناهج الصف الرابع الابتدائي، وبدلاً من أن يتخذ قراراً سياسيًا حاسمًا يدفع الحكومة إلى تغيير موقفها اختار أن يحل الأزمة على طريقة الحلول العرفية، ورضخ لتنفيذ القرار الحكومي.

وأعلن الحزب عن تكفله بدفع 27 ألف مخالفة بناء مع اتخاذ الحكومة قراراً يقضي بإلزام أصحاب البنايات بدفع غرامات مقابل تقنين الأوضاع، وبدأ يؤدي أدوار الحكومة في التعامل مع أزمات الاحتكار في السوق، وتنتشر قوافله لبيع السلع والخدمات وأسطوانات الغاز بأسعار مدعمة لتخفيف العبء عن المواطنين.

ويواصل “مستقبل وطن” جهود إعادة ترميم المنازل التي تضررت بسبب السيول التي ضربت محافظة أسوان (جنوب) مؤخرا، وقال في بيان رسمي “بدأنا فعليًا في بناء وإعادة ترميم مجموعة من المنازل التي تعرضت للتلف والسقوط، وأطلقنا مبادرة لتعويض كل من هُدِم منزله أو تعرض للتلف سواء بالترميم أو الدعم المالي، وتحركنا على مستوى الوحدات الحزبية والمركزية”.

وتدور في أذهان المصريين أسئلة عديدة حول أبعاد هذه الأدوار التي يمكن وصفها بأنها من صميم عمل الحكومة وتحتاج إلى سخاء مادي لتنفيذها، ما يثير نقاشا حول مصادر الأموال التي يتم دفعها لإنجاز هذه الأدوار، ويمكن تجنب صرف هذه الأموال حال جرى إصلاح سياسات الحكومة دون الحاجة إلى إثارة أزمات ثم التدخل لحلها بطرق لا تقنع شريحة كبيرة من المواطنين.

ولا يجد محمد فرج -شاب ثلاثيني يقطن في إحدى قرى محافظة الفيوم (جنوب غرب)- أن حزب الأغلبية استطاع أن يحصد شعبية تجعل من تحركاته محل ترحيب على الأرض، لأن هناك اقتناعا بأن النواب الذين يمثلون المنطقة عن الحزب لا يقومون بأدوارهم الرقابية والتشريعية التي تخدم المواطنين في البرلمان.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “القوافل والمبادرات لا تصل بالقدر الكافي إلى الأماكن النائية وتقتصر على مناطق قريبة من القاهرة، وهناك اقتناع بأن المجتمع المدني والحكومة هما الأكثر حضوراً على الأرض للتعامل مع المشكلات اليومية، وأن الأسهل على المواطنين التوجه إلى الوحدات المحلية ومنافذ الجمعيات الأهلية عوض التواصل مع مقار حزبية تبدو خاوية في أوقات كثيرة”.

وهناك حاجة حكومية إلى تفعيل الأدوار الاجتماعية لحزب الأغلبية، إذ أنها تركز في الوقت الحالي على تنفيذ المشروعات التنموية التي تسير بوتيرة منتظمة لتحسين جودة الحياة داخل الآلاف من القرى.

وتتوجس الحكومة من عدم قدرة الحزب على تحقيق الشعبية المطلوبة على مستوى القواعد، وهو أحد الأسباب التي تجعلها غير قادرة على إجراء انتخابات المحليات المجمدة منذ 12 عامًا، وترى أن الفراغ الذي تركه الحزب الوطني المنحل وتنظيم الإخوان لم يتم شغله جيدا حتى الآن عبر “مستقبل وطن”.

وسائل إعلام محلية تعاملت مع قرار الحزب دفع مصاريف الطلاب المعوزين باعتباره إنجازا سياسيا

ولعل تأكيد نائب رئيس الحزب أشرف رشاد (وهو زعيم الأغلبية في البرلمان) على أن المساعدات التي قدمها الحزب للمتضررين من السيول في أسوان جاءت تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي لمساعدة المواطن، يبرهن على هذا التوجه الذي يساند الحكومة في حل الأزمات ويُحسّن صورة الحزب لدى المواطنين.

وتعاملت وسائل إعلام محلية مع قرار الحزب دفع مصاريف الطلاب المعوزين باعتباره إنجازا سياسيا، ولقيت خطواته ترحيبًا من دوائر حكومية عديدة.

وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن ثمة شكوكا حول تنفيذ ما يُعلن عنه الحزب على أرض الواقع ويظل مجهولاً بالنسبة إلى قطاعات تعيش في مناطق نائية لا تعلم عنه شيئاً.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “حديث الحزب عن تنفيذه تعليمات رئاسية أمر يدحض صفته السياسية، ففي هذه الحالة لا نكون أمام تنظيم حزبي، الأمر الذي يوقعه في تناقضات بسبب ما يبدو وكأنه رغبة في تملق الحكومة بدلا من محاسبتها في البرلمان”.

وأشار إلى أن تكرار محاولات سابقة هدفت إلى بناء شعبية الأحزاب الصاعدة التي نشأت في أحضان الحكومة لن يحقق المرجو منه سياسيا، وأن تجربة الاتحاد الاشتراكي الذي حظي بقدر من المصداقية الجماهيرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ارتبطت بشخص الرئيس ودوره السياسي المحوري.

وذهب متابعون إلى التأكيد على أن “التنظيم الطليعي” التابع للاتحاد الاشتراكي في ستينات القرن الماضي، والذي قام بأدوار مهمة على مستوى تحسيس القيادة السياسية بنبض الشارع، كانت لديه علاقة مباشرة بالجماهير جعلته يمتلك أدوات ووسائل لقياس الرأي العام بشكل يومي عبر إعداد تقارير تتعلق بالأزمات التي تواجه المواطنين من القاعدة إلى أعلى الهرم السياسي، وهو أمر يفتقده حزب “مستقبل وطن” الذي لم يستطع بناء شعبية كبيرة حتى الآن تؤهله للقيام بهذا الدور.

وأوضح أسعد لـ”العرب” أن “حزب الأغلبية بحاجة إلى زعامة سياسية لها ثقل في الشارع ويرتكز عليها معنويا في ظل عدم وجود ارتباط مباشر بينه وبين رئيس الدولة، كما الحال بالنسبة إلى الحزب الوطني المنحل، ووجود شخصية قضائية محترمة لكن ليس لديها تاريخ سياسي (المستشار عبدالوهاب عبدالرازق) يخصم كثيراً من قوة الحزب في أي عمل يقوم به في الشارع”.

2