حزب جديد بلا جديد ينضاف إلى المعارضة المصرية

أحمد الطنطاوي يواجه أزمة عدم تحديد بوصلة واضحة.
الثلاثاء 2024/01/23
طنطاوي يعول على شعبية مؤقتة لإعادة التموقع

إعلان المرشح الرئاسي أحمد طنطاوي عن تشكيل حزب سياسي جديد بمضامين قديمة ومستهلكة يكشف أزمة المعارضة المصرية التي بدلا من التكتل تتفتت. ويقول مراقبون إن صراع الزعامات السياسية على القيادة يزيد في تهميشها شعبيا.

القاهرة - تراهن بعض أحزاب المعارضة في مصر على أمل التغيير الذي خلقته ثورة يناير قبل ثلاثة عشر عاما، والتي تحل ذكراها الخميس، لكنها تجد مطبّات من داخلها وخارجها، بما يعيقها عن تحقيق تقدم في الشارع.

واستغل رئيس “تيار الأمل” هذه الذكرى ليعلن عن تأسيس حزب لا يرى الكثيرون أنه سيضيف جديدا على الساحة.

وأثار البيان التأسيسي لحزب “تيار الأمل” الذي يقوده المعارض أحمد الطنطاوي تساؤلات عديدة حول الجدوى من الإعلان عن حزب جديد لديه أفكار ورؤى تتقارب مع أحزاب المعارضة الموجودة على الساحة في مصر، وما إذا كان الحزب سوف يسير على نفس خطاها، والتي تعتمد على أشخاص وليس على عمل مؤسسي يمكن تعزيز حضوره في الشارع مع عزوف يطغى على العمل السياسي.

وأعلن البرلماني السابق أحمد الطنطاوي الشروع في تأسيس حزب جديد، داعيا المواطنين للمشاركة فيه كبديل مدني ديمقراطي قادر على بناء دولة القانون والمؤسسات عبر برنامج يسعى لتحقيقه بكل وسيلة سياسية واستحقاق انتخابي.

عمرو هاشم ربيع: الحزب الجديد يطرح أفكار يتم تكرارها وهي موجودة فعلا
عمرو هاشم ربيع: الحزب الجديد يطرح أفكار يتم تكرارها وهي موجودة فعلا

وانطلق الطنطاوي، الذي لم يتمكّن من خوض انتخابات الرئاسة الماضية بعد إخفاقه في جمع التوكيلات اللازمة للترشح، من ثورة يناير للتعبير عن حزبه، وهو أمر اعتمدت عليه أيضا غالبية الأحزاب التي رأت النور بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

ويعول البعض من الشباب على الحزب الوليد باعتبار أن رئيسه امتلك شعبية مؤقتة حصدها خلال جولات سابقة في الشارع للترشح في انتخابات الرئاسة، كشفت عن قدرة في تبني خطاب يقنع شريحة من الجمهور لديه توجهات معارضة للحكومة، وترى أن الأحزاب الحالية لم تستطع أن تكون نداً لها، وتأسيس حزب بقيادة شابة قد يُلقي حجرا في مياه السياسة الراكدة.

وحزب “تيار الأمل” هو تسجيل لرؤية إصلاحية تشمل كل أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية، وممارساتها التي أدت إلى الأزمة التي يعيشها الناس، وحتّمت صياغة رؤية “تستهدف إنقاذ الوطن”.

وينتهج الحزب الوليد رؤية قريبة من التيار الناصري بأطيافه، والذي كان الطنطاوي يرأس أحد أحزابه (حزب تيار الكرامة) قبل أن يقدم استقالته، ما يجعله يواجه انتقادات ترى أن الخلافات بين القيادات الحزبية مدخل للانشقاق، بدلاً من إيجاد سبل عمل يمكن على أساسها حسم مواقف الأحزاب بعيداً عن المواقف الشخصية.

وأعاد الحزب في بيانه التأسيسي تكرار عبارات مثل “صياغة عقد اجتماع جديد يصحح مسار العلاقة بين الدولة والمجتمع وبين السلطة والشعب وبين المواطنين وبعضهم”، و”إعادة تعريف دور الدولة ومؤسساتها المختلفة في حياة المواطنين” وأن رؤيته للإصلاح السياسي تؤدي إلى “الانتقال السلمي للسلطة وتنظيم العلاقات بين السلطات والفصل بينها والالتزام بحقوق المواطنين وحرياتهم”.

وقال رئيس الحزب الاشتراكي المصري (معارض) أحمد بهاءالدين شعبان إن “تيار الأمل” قدم برنامجا وطنيا يقترب في نقاط كثيرة من رؤى أحزاب المعارضة الليبرالية والتقدمية، لكنه يفتقد تحديد واضح لآليات حل المشكلة الاقتصادية وطبيعة الانحيازات الاجتماعية للحزب.

البيان التأسيسي لحزب “تيار الأمل” أثار تساؤلات عديدة حول الجدوى من الإعلان عن حزب جديد لديه أفكار ورؤى تتقارب مع أحزاب المعارضة الموجودة

وبدت الرؤية الاقتصادية للحزب غامضة، إذ أشار البيان التأسيسي إلى أن برنامج الحزب لا ينطلق من مرجعيات فكرية جامدة ويستفيد من الاجتهادات المتنوعة ويعيد تنظيمها وفق رؤيته الخاصة للتجارب التاريخية، بما يتماشى مع السياق المصري.

وأوضح شعبان في تصريح لـ”العرب” أنه في حال كان هناك انفتاح سياسي يمكن أن يسهم الحزب في مواجهة ضغوط عديدة تتعرض لها الدولة من اتجاهات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية مختلفة، ولا بد أن تقتنع الحكومة بأنه لا حلول للمشكلات الراهنة من دون مشاركة حقيقية للمواطنين في مناقشة هذه الحلول وآليات تنفيذها.

ولفت إلى أن تكرار الأفكار وتقاربها بين أحزاب المعارضة يمكن أن يكون إيجابيا إذا أحسنت الأحزاب إدارة علاقاتها البينية، والقيمة المهمة بالنسبة إلى الحوار الوطني هي إحداث تقارب فكري في بعض القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين أحزاب المعارضة، جرى نشرها في كتاب “أفق الخروج” الذي قدمته الحركة المدنية الديمقراطية وهو حصيلة أكثر من مئتي اجتماع عقدت في العامين الماضيين.

وأخطر أحمد الطنطاوي مطلع يناير الجاري لجنة شؤون الأحزاب بالحزب الجديد، وسيطالب المواطنين بتحرير توكيلات تأسيسه، بالتوازي مع كتابة برنامجه ولائحته ونظامه الأساسي، وذلك في إطار الثوابت التي وضعها قانون الأحزاب السياسية.

وأشار الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إلى أن التقارب بين أفكار حزب الطنطاوي وأحزاب المعارضة ليس إيجابيا من الناحية الشكلية، حيث يتم الحديث عن أفكار يتم تكرارها وهي موجودة فعلا، ويترك ذلك انطباعا لدى المصريين لوصف الأحزاب بأنها “أحزاب قيادات” والبحث عن وجاهة سياسية، مع رغبة كل شخص أن يظهر بالصورة التي تحقق له هذه الوجاهة.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى تعارض تأسيس حزب قريب من توجّهات ما يقرب من مئة حزب على الساحة، وليس من المعروف هوية أغلبها، وهي حالة تدعم المزيد من التفتيت لدى الأحزاب التابعة لأربعة تيارات رئيسية، هي: اليمين واليسار والوسط والإسلامي، وقد تكون مصر في حاجة إلى أربعة أو عشرة أحزاب على أكثر تقدير ليمثلوا هذه التيارات.

وأكد أنه لا يوجد في مصر مئة قضية مختلف عليها ليكون كل هذا العدد من الأحزاب، ويمكن أن تنحصر الخلافات حول بضعة ملفات صغيرة، وحزب “تيار الأمل” قد يختلف عن المعارضة في بعض التفاصيل الدقيقة، لكنه يتقارب معها في المبادئ.

ويبرهن ذلك على أن الخلافات السابقة داخل حزب تيار الكرامة الناصري، مع اتخاذ قرار المشاركة في الحوار الوطني ورفض أحمد الطنطاوي، الذي كان يشغل منصب رئيس الحزب في ذلك الحين، هي التي قادته إلى تأسيس الحزب الجديد، وهو أمر سلبي يؤكد عدم قدرة القيادات الحزبية على إدارة خلافاتها.

ويتعامل البعض من معارضي الحكومة مع الحزب الوليد كأداة يمكن أن تحرك الوضع السياسي، واشتباكه مع القضايا العامة قد يدفع أحزابا أخرى لتنشيط جهودها، ما يسهم في إحداث حراك ومنافسة مطلوبين بين الأحزاب، وقد يساعد على شغل فراغ تركه غياب تنظيم الإخوان الذي لعب دور المعارض للسلطة، وهناك حاجة إلى أن تغطي أحزاب المعارضة هذا الفراغ بما لا يسمح بعودة قوى الإسلام السياسي مرة أخرى.

2