حزب الله يناور باسم السيادة الوطنية لرفض نزع سلاحه

إعلان قاسم تمسكه بسلاح حزب الله هو عمليا انقلاب على ما وافق عليه خلال اتفاق وقف إطلاق النار، الذي فاوض عليه من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري.
الجمعة 2025/04/25
قاسم يختلق الذرائع للتمسك بسلاح الحزب

بيروت - يشهد لبنان جدلا واسعا حول مصير سلاح حزب الله الذي عاد إلى الواجهة، ضمن تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على البلاد بين سبتمبر ونوفمبر 2024، إذ يعتبر هذا الملف معقدا مع تمسك الحزب بسلاحه ورفضه أي نقاش حول تسليمه، إلا ضمن شروط يصفها بأنها مرتبطة بالسيادة الوطنية، في ظل استمرار الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.

وأكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الجمعة الماضي “رفض حزب الله تسليم سلاحه للدولة اللبنانية”، مضيفا “نعطي خيارا للدبلوماسية، ولكن هذه الفترة لن تستمر طويلا”.

وقال قاسم في خطاب متلفز “ملتزمون باتفاق وقف النار مع إسرائيل، ولن نسمح لأي أحد بنزع سلاحنا، وسنواجه مَن يطلب ذلك، والمقاومة في لبنان هي رد فعل على احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية”.

وشدد على أنه لا يمكن مناقشة نزع السلاح، إلا في إطار شروط “مرتبطة بالسيادة الوطنية”.

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراض في لبنان، ثم احتلت مزيدا منها خلال الحرب الأخيرة التي انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار بدأ سريانه في 27 نوفمبر الماضي.

في المقابل، قال الرئيس اللبناني جوزيف عون في مناسبات عدة إن أي خطوة تجاه سحب سلاح حزب الله تتطلب حوارا وطنيا ضمن استراتيجية دفاعية شاملة.

وكشف في مقابلة صحفية، الأسبوع الماضي أنه يسعى إلى أن يكون 2025 “عاما لحصر السلاح بيد الدولة”، موضحا أن أفراد حزب الله يمكنهم الالتحاق بالجيش اللبناني و”الخضوع لدورات استيعاب”.

ومنذ أن بدأ اتفاق وقف إطلاق النار، تتصاعد ضغوط دولية، لا سيما من جانب الولايات المتحدة حليفة إسرائيل، على لبنان لنزع سلاح حزب الله.

وفي 8 أكتوبر 2023 شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص

وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير الماضي خلافا للاتفاق، لتنفذ انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 تلال رئيسية ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة.

وارتكبت إسرائيل 2740 خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار؛ ما أسفر عن 190 قتيلا و485 جريحا في لبنان، وفق مجلس الوزراء اللبناني الأسبوع الماضي.

وفي 2006 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1701، بهدف وقف القتال آنذاك بين حزب الله وإسرائيل، ودعا إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة.

واستعرض مجلس الوزراء اللبناني الأسبوع الماضي، مهمة الجيش اللبناني في ضبط ومصادرة أي معدات أو أسلحة أو ذخائر عسكرية، وفق بيان للحكومة

وقال ان “الاستعراض الذي حصل كان دقيقا من حيث الوقائع والأرقام والإحصاءات الموثقة التي تثبت جهود الجيش الذي نفذ آلاف المهمات”.

واعتبر المحلل السياسي جورج العاقوري أن إعلان قاسم تمسكه بسلاح حزب الله هو “عمليا انقلاب على ما وافق عليه خلال اتفاق وقف إطلاق النار، الذي فاوض عليه من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري”.

ورأى العاقوري في حديث للأناضول أن “التفاف الحزب على المواقف السياسية ومحاولة الانقلاب عليها والتنصل منها هو أمر غير مستغرب”.

وزاد بأنه “يعكس نهج الحزب في التعاطي مع القرارات الدولية، كما فعل عام 2006، حين وافق على القرار 1701، وعاد وتنصل منه بعد انتهاء الحرب”. منوها أن “حزب الله تنصل أيضا من الحوار الذي جرى بين قادة لبنان في العام 2012، وسمي حينها بإعلان بعبدا، والذي أجراه الرئيس اللبناني آنذاك ميشال سليمان وأفضى إلى حصرية السلاح بيد الدولة”.

واعتبر أن “دعوة رئيس الجمهورية عون للحوار هي لاستيعاب الحزب والاتفاق على كيفية معاجلة سلاحه بشكل لا يتعارض مع حصرية السلاح بيد الدولة وبسط سلطتها على كامل أراضيها”.

وتابع أن “عبارة حصرية السلاح بيد الدولة نص عليها الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني في خطاب القسم للرئيس عون والبيان الوزاري لحكومة نواف سلام (الحالية)، والقرارات الدولية واتفاق وقف إطلاق النار الأخير”.

وعن كيفية تطبيق ذلك على حزب الله، رأى العاقوري أن “تطبيقه لن يؤدي إلى صدام بين الجيش وحزب الله؛ لأنه يعد تطبيقا للقوانين والأنظمة اللبنانية”.

وتابع إن “مطالبة وزراء محسوبين على حزب القوات اللبنانية بجدول زمني وفق خارطة لتسليم سلاح حزب الله هو أمر بديهي وليس استهدافا للحزب”. وأردف أن “ذلك اعتُمد بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، عندما نص اتفاق الطائف على تسليم الميليشيات أسلحتها للدولة على مراحل، وتم ذلك باستثناء حزب الله الذي بقي محتفظا بسلاحه”.

في المقابل يتبنى المحلل السياسي محمد حمية وجهة نظر حزب الله ويدافع عنها، معتبرا أن “إعلان حزب الله تمسكه بسلاحه جاء ردا على الضغوطات الخارجية والداخلية على الدولة اللبنانية لتتحرك عسكريا باتجاه نزع سلاح حزب الله بالقوة”.

ورجح حمية أن “الدولة اللبنانية والجيش لن ينجرفا إلى هذا الأمر، ولن يُقدم رئيس الجمهورية أو الحكومة على تكليف الجيش بنزع سلاح حزب الله بالقوة”. وحذر من أن “نزع السلاح بالقوة من حزب الله يؤدي إلى تهديد الاستقرار الداخلي ويطيح بكل جهود رئيسي الجمهورية والحكومة لإعادة بناء الدولة وبسط سلطتها على كامل أراضيها”.

ولفت إلى أن “عقدة الجيش اللبناني القتالية موجه باتجاه العدو الإسرائيلي، ويقوم اليوم بدور كبير في الجنوب بتطبيق القرار 1701 الأممي وبسط سيطرة الدولة على أراضيها “.

وتحدث حمية عن أن “هناك تعاون كبير وتنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله جنوب الليطاني تطبيقا لوقف إطلاق النار والقرار الدولي”.

وشدد على أن “خروقات إسرائيل وبقائها في النقاط الخمس (التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة) هو الذي يعيق انتشار الجيش اللبناني”.

وتابع أن “حزب الله والرئيس عون يلتقيان حول نقطة الحوار بالاستراتيجية الدفاعية المستقبلية للبنان، والحوار جارٍ بين الدولة اللبنانية والمقاومة”. وزاد بأن “الحوار ليس على نزع السلاح، ومَن ينادي به يستجيب للضغوطات الدولية ويخدم العدو الإسرائيلي”.

أما المحلل السياسي طوني بولس فاعتبر أن “التصعيد الأخير لحزب الله لا يمكن فصله عن المفاوضات الدائرة بين أميركا وإيران حول القوة النووية الإيرانية والصواريخ البالستية”.

وقال بولس إن “الحزب تلقى أمرا من طهران بتصعيد مواقفه الرافضة لنزع السلاح، وذلك لتعزيز الموقف التفاوضي لإيران مع واشطن في روما، لأنه أتى قبل ساعات من الاجتماع”.

وتابع أن “إيران خسرت في جميع المحاور، ولم يبق لها سوى حزب الله لتستخدمه ورقة، وخاصة أنها تريد إعادة ربط الواقع اللبناني وسلاح حزب الله بالوضع الإقليمي وبالمفاوضات الأمريكية الإيرانية”.

والسبت الماضي، اختتمت في العاصمة الإيطالية روما جولة ثانية من مفاوضات رفيعة المستوى بين وفدين أميركي وإيراني حول البرنامج النووي الإيراني، وسط تفاؤل حذر بشأن التوصل إلى حل دبلوماسي.

وتتهم إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما فيها توليد الكهرباء.

وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك ترسانة نووية، وهي غير خاضعة لرقابة دولية، وتواصل منذ عقود احتلال أراض في لبنان وسوريا وفلسطين.