حزب الله يمنح الثقة لحكومة نواف سلام في اعتراف ضمني بالوضع الجديد في لبنان

لم يعد حزب الله كسابق عهده، من يرسم الخطوط العريضة للحكومات، ويفرض المضامين في بياناتها الوزارية، وأصبحت مجرد مشاركته في الحكومة تمثل إنجازا بالنسبة إليه، بعد الضربات التي تلقاها من إسرائيل، والتي انعكست على موقعه في مراكز النفوذ داخل لبنان.
بيروت - منح حزب الله الثلاثاء، الثقة للحكومة اللبنانية الجديدة التي تعهدت في بيانها الوزاري بالعمل على “احتكار” الدولة لحمل السلاح و”تحييد” لبنان عن “صراعات المحاور”، وذلك على خلاف حليفه السابق التيار الوطني الحر الذي قرر حجب الثقة، موجها على لسان رئيسه النائب جبران باسيل انتقادات للحزب المدعوم من إيران “ارتكبت خطأ إستراتيجيا كبيرا.”
ويعكس موقف حزب الله اعتراف ضمني، بالوضع الجديد في لبنان، حيث لم تعد للحزب الكلمة الفصل أو سلطة القرار، كما كان في السابق، بعد الضربات القاصمة التي تلقاها من إسرائيل والتي خسر نتيجتها قياداته في الصفوف الأولى، إلى جانب جزء مهم من ترسانته العسكرية، وازداد الوضع سوءا بالنسبة إليه بعد انهيار حكم الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي.
وقال رئيس كتلة حزب الله البرلمانية النائب محمّد رعد خلال جلسة في البرلمان حول الثقة بدأت الثلاثاء وتستمر يومين، “ثقتنا نمنحها للحكومة احتراما لمبدأ المشاركة على أمل أن تتجمّل بالحكمة وحسن الأداء ولتنجح في فتح أبواب الإنقاذ الجدي للبلاد.”
وأضاف “جادون وإيجابيون في ملاقاة العهد الرئاسي الجديد وحريصون على التعاون لأبعد مدى من أجل حفظ سيادة الوطن واستقراره وتحقيق الإصلاح والنهوض بدولته.” ولفت رعد إلى أن “العناوين الواردة في البيان الوزاري هي صياغات جديدة متناسقة وجميلة لكنها بمضمون ورد كثير منه في بيانات حكومات سابقة وهذا يعني أن مشكلة البلاد لم تكن يوماً في النوايا وإنما في منهجية العمل والانقسام الوطني.”
وخلال السنوات الماضية، سيطر حزب الله بشكل كبير على المشهد السياسي اللبناني، وكانت له الكلمة الفصل في تشكيل الحكومات وفي صياغة بياناتها الوزارية التي كان يصر فيها على المعادلة الثلاثية ومن ضمنها “المقاومة”، وكانت له اليد العليا في القرارات السياسية المهمة.
ولكونه الجهة الوحيدة في البلاد التي تمتلك ترسانة ضخمة من السلاح خارج القوى الشرعية، كان خصومه يتهمونه باستخدام السلاح في الداخل للترهيب والتحكم بمفاصل الدولة.
إلا أن الحرب التي خاضها بين أكتوبر 2023 ونوفمبر 2024 مع إسرائيل على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، أضعفته الى حدّ بعيد. إذ دمّرت إسرائيل بنى تحتية تابعة له ومواقع عسكرية ومخازن سلاح، وقتلت العديد من قياداته على رأسهم أمينه العام حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين. واضطر الحزب إلى القبول بوقف إطلاق نار بدأ تطبيقه في 27 نوفمبر، يصفه خصومه بأنه “استسلام.”
وتعهدت الحكومة في البيان الوزاري الذي تلاه رئيس الحكومة نواف سلام في مستهل الجلسة ويشكّل خطة عملها في الفترة المقبلة، “ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا.” والتزمت كذلك بـ”نشر الجيش في مناطق الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا،” مع تأكيد العمل “على تنفيذ ما ورد في خطاب القسم” لرئيس الجمهورية جوزيف عون “حول واجب الدولة في احتكار حمل السلاح”، وأن تملك الدولة وحدها “قرار الحرب والسلم.”
وينص اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب إسرائيل من المواقع التي تقدمت اليها في جنوب لبنان خلال الحرب، مقابل انسحاب حزب الله من المناطق الحدودية، وتفكيك مواقعه العسكرية في المنطقة. ومع انتهاء المهلة المحددة في الاتفاق لذلك، انسحبت إسرائيل من عدد من المواقع، لكنها أبقت على وجودها في خمس نقاط “إستراتيجية” حدودية، الأمر الذي ندد به لبنان وحزب الله.
وينص البيان الوزاري في هذا السياق على “اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي.” وقال رعد إن هدف الحرب الأخيرة كان “التخلص من حزب الله وسحقه وإنهاء وجوده المقاوم”، مؤكدا أن المحاولة “فشلت.”
وعلى خلاف موقف حزب الله من الحكومة الجديدة فقد قرر التيار الوطني الحر عدم منح الثقة لها، وقال باسيل في كلمة له خلال الجلسة توجه بها إلى رئيس الوزراء “دولة الرئيس سلام، لم تحترم الاتفاق المسبق الذي عقدته معي ليلة تسميتك، وخاصةً ما يتعلّق بعدم قيام حكومة تكنوقراط بل أخصائيين معيّنين من القوى النيابية بموافقتك، وبتوزيع الحصص المسيحية بالعدالة على أساس ثلاث مجموعات.”
وأضاف باسيل “نحن منحناك ثقتنا عندما سمّيناك، ولولاها لما كنت اليوم رئيساً للحكومة، ونحن ننزع عنك هذه الثقة اليوم لأنّك لا تستأهلها. وإذا كنت راغباً في أن تستعيدها، أو مش فارقة معك (لست مهتما) لأنّك مدعوم كفاية، نحنا حاضرين نعيدها من خلال أعمالك.”
وأشار باسيل إلى “أننا اليوم المعارضة الإيجابية لحكومتك، آملين أن لا نتحوّل إلى معارضة شاملة شرسة لأننا نريد لحكومتك النجاح، لأننا نريد الخير لبلدنا.”
وشدد رئيس التيار الوطني الحر “عندما يطلب منا التنازل عن الحقوق لنوصف بالإيجابيين، فالإيجابية عندها تصبح قناعاً للضعف، والحقوق لا توهب لمن يساوم عليها بل لمن يقاتل من أجلها. نحنا سنثبّت إيجابيّتنا بالمعارضة الإيجابية. لا ثقة.”
ولم يترك باسيل الفرصة تمر دون أن يوجه لوما للحليف السابق حيث قال إن “حزب الله ارتكب خطأ إستراتيجياً كبيراً،” وأضاف "الحزب خسر في حرب إسناد غزّة ووحدة الساحات، وخسّرنا معه معادلة ردع إسرائيل، وخسر الشرعية الوطنية بمقاومة إسرائيل وحده، فتمّ حذف كلمة مقاومة من البيان الوزاري، ولكن لم يفقد لبنان شرعية مقاومة الاحتلال، ولا فقد حزب الله شرعيّته الشعبية."
وتعهّد البيان الوزاري للحكومة بـ"اعتماد سياسة خارجية تعمل على تحييد لبنان عن صراعات المحاور ما يسهم في استعادته موقعه الدولي (…)، مع الحرص على عدم استعماله منصة للتهجم على الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة."
وحملت دول عربية عدة خلال السنوات الماضية، بينها السعودية، على حزب الله، متهمة إياه بالتدخّل في شؤون دول خليجية بدعم إيراني. كما انتقد كثيرون في لبنان والدول العربية تورط حزب الله في النزاع السوري لدعم قوات الرئيس المخلوع بشار الأسد.