حزب الله يستعرض قدراته "تحت الأرض" في إطار حرب نفسية يخوضها مع إسرائيل

كشف حزب الله لأول مرة عن منشأة ضخمة تحت الأرض، تتضمن أنفاقا واسعة تمر عبرها آليات عسكرية محملة بصواريخ، فيما بدا الهدف من ذلك ردع إسرائيل عن السير في حرب شاملة يدرك الحزب أنه لن ينهض منها.
بيروت - يندرج مقطع الفيديو الذي نشره حزب الله اللبناني ويظهر منشأة عسكرية محصنة تحت الأرض، تتحرك فيها آليات محملة بالصواريخ ودراجات نارية داخل أنفاق ضخمة، في إطار حرب نفسية جارية على أشدها بين الحزب الموالي لإيراني وإسرائيل.
وجاء نشر الفيديو، الذي حمل عنوان “جبالنا خزائننا” والمصور بطريقة سينمائية، بعد زيارة أداها المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين وفي خضم محادثات جارية في الدوحة تستهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وهي المرّة الأولى التي يكشف فيها الحزب اللبناني عن مثل هذه المنشآت. وتأتي الخطوة في ظل تصعيد متنام منذ اغتيال إسرائيل القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر في ضربة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وتوعّد حزب الله بالردّ عليها. وقتل شكر في الثلاثين من يوليو الماضي، وقبل ساعات من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في طهران في ضربة نسبت إلى إسرائيل. وتوعّدت طهران بالردّ أيضا على مقتله.
ويظهر مقطع الفيديو، الذي أرفق بترجمة باللغتين الإنجليزية والعبرية، على مدى أربع دقائق ونصف الدقيقة منشأة عسكرية تحمل اسم “عماد 4”، نسبة إلى القائد العسكري في الحزب عماد مغنية الذي قتل بتفجير سيارة مفخخة في دمشق عام 2008 نسبه الحزب إلى إسرائيل.
وبدت المنشأة محفورة في الصخر تتحرّك داخلها دراجات نارية وأشخاص بلباس عسكري وشاحنات عسكرية محمّلة بصواريخ ضخمة، ضمن أنفاق واسعة ومضاءة. وتصل الشاحنات في نهاية نفق إلى ما يبدو أشبه ببوابة تفتح أتوماتيكيا ويمكن رؤية السماء في الخارج، ما يوحي بإمكان إطلاق الصواريخ من هذا الموقع.
والفيديو مرفق بمقتطفات صوتية من تصريحات سابقة للأمين العام للحزب حسن نصرالله تتمحور حول قدرات الحزب العسكرية وجاهزيته في مواجهة إسرائيل. ويعود أحدها إلى 20 سبتمبر 2018، ويقول فيه “باتت المقاومة تملك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ومن الإمكانات التسليحية حتى إذا فرضت إسرائيل على لبنان حربا، ستواجه مصيرا وواقعا لم تتوقعه في يوم من الأيام”، مضيفا “عندنا الأهداف، والإحداثيات موجودة أيضا“.
وفي تسجيل آخر عرض مع الفيديو يؤكد نصرالله أن حزبه فيما يمتلك “من سلاح ومن عتاد ومن إمكانات (…) أقوى من أي زمان مضى”، مشيراً إلى أن “الصواريخ موضوعة ومثبتة في سرية ممتازة جدا“.
ويرى محللون أن حزب الله أراد من نشر الفيديو إيصال جملة من الرسائل إلى إسرائيل، أهمها أن المعركة المقبلة لن تكون كسابقاتها، وبالتالي هو يريد ردع إسرائيل عن أي تصعيد شامل، لن يكون في صالحه، خصوصا وأن إسرائيل لن تقاتل بمفردها. ويلفت هؤلاء إلى أن حمل المنشأة لتسمية “عماد 4”، يشي بأن هناك سلسلة من المنشآت للحزب تحت الأرض، ويصعب على إسرائيل الوصول إليها أو استهدافها.
ويوضح الخبير العسكري رياض قهوجي أن “هذا هو الفيديو الأكثر وضوحاً الذي نشره حزب الله على الإطلاق والذي يظهر حجم أنفاقه، مؤكداً بذلك تقارير أفادت بأن للحزب أنفاقا طويلة للغاية وكبيرة كفاية لاستيعاب الشاحنات ومنصات إطلاق الصواريخ".
ويقول الخبير العسكري "لأول مرة، نرى ما يبدو أنه صواريخ كبيرة بشكل كاف لتكون صواريخ بالستية"، معتبرا أن الحزب ربما يسعى من خلال نشر الفيديو إلى ردع إسرائيل عن الدخول في حرب واسعة، على وقع ارتفاع التصعيد بين الطرفين منذ الثلاثين من يوليو الماضي.
وسعى الحزب، القوة الأبرز في لبنان والوحيد (غير القوى الأمنية الرسمية) الذي يحتفظ بترسانة سلاح ضخمة، إلى تطوير قدراته العسكرية بشكل كبير منذ الحرب المدمّرة التي خاضها مع إسرائيل في يوليو 2006 وتسبّبت في مقتل 1200 شخص في الجانب اللبناني و160 في الجانب الإسرائيلي.
ويعمل الحزب منذ أشهر على تجربة تكتيكات عسكرية جديدة واختبار منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي. ونشر الحزب ثلاثة مقاطع فيديو خلال الأسابيع الماضية لطائرات استطلاعية توثّق مسحا لمواقع إسرائيلية حيوية، مدنية وعسكرية واقتصادية، في مناطق عدة من بينها مدينة حيفا.
ونجحت مسيّرات محمّلة بمتفجرات نهاية الأسبوع الماضي في العبور من جنوب لبنان إلى مواقع متقدمة قرب مدينة صفد. وفُعّلت أنظمة الإنذار في العديد من المناطق شمال إسرائيل. ويشكّل استخدام الحزب المطّرد للمسيّرات ذات الكلفة المنخفضة والمصنّعة محليا، تحدّياً لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
ويشرح قهوجي أن مسيّرات الاستطلاع يمكنها أن تساعد الحزب على "تحديد مواقع بطاريات" منظومة الدفاع الصاروخي المعروفة بـ"القبة الحديدية". ويعلن الحزب في بياناته اليومية حول عملياته العسكرية ضد إسرائيل استهداف "ثكنات عسكرية" ومقارّ قيادة وتجمعات جنود وبطاريات القبة الحديدية.
◙ حزب الله يريد إيصال جملة من الرسائل إلى إسرائيل أهمها أن المعركة المقبلة لن تكون كسابقاتها
كما يمكن أن تساعده في "اكتشاف الزوايا الميتة للرادارات الإسرائيلية”، وفق قهوجي الذي يتابع أن الحزب “يستغلّ الطيران على ارتفاع منخفض والتضاريس الجبلية للتهرّب من أجهزة استشعار خاصة بالإنذار المبكر".
ويصعب على أنظمة الدفاع الإسرائيلية، وفق ما يشرح الخبير العسكري والعميد المتقاعد خليل حلو، “رصد الطائرات المسيّرة بسبب صغر حجمها وبصمتها الرادارية الضعيفة”، في وقت يستفيد فيه حزب الله من عامل القرب الجغرافي من إسرائيل.
وعمد حزب الله مؤخراً إلى شنّ هجمات مركّبة “يطلق خلالها صواريخ كاتيوشا ومسيّرات وصواريخ موجهة في آنٍ واحد بهدف إرباك القبة الحديدية”، وفق حلو. أما بالنسبة إلى الباحث لدى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية آرام نرغيزيان فإن خطوات حزب الله "الاستكشافية" بمثابة "سيف ذي حدّين".
ويوضح "نعم، هي تكشف عن ثغرات في الدفاعات الإسرائيلية وتوفّر فرص الحصول على معلومات” لحزب الله، لكنها تتيح كذلك لإسرائيل اتخاذ "تدابير مضادة" لمواجهة قدرات الحزب "وتغذّي قاعدة بيانات نظامي الدفاع الصاروخي والردع الإسرائيليين".
وجاء كشف حزب الله عن جزء من قدراته الصاروخية الجمعة على وقع جهود دبلوماسية على أكثر من مستوى لاحتواء التوتر بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وتزامن أيضا مع استمرار جولة مفاوضات في الدوحة بوساطة قطرية وأميركية ومصرية للتوصل إلى اتفاق هدنة في قطاع غزة.
ويؤكّد حزب الله أنه لن يوقف هجماته على إسرائيل قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. وعن ردّ حزب الله على مقتل شكر، يرى نرغيزيان أنه "من الصعب جداً الردّ بطريقة متناسبة (…) من دون إشعال حرب إقليمية". ويقول قهوجي "إستراتيجية الحزب الوحيدة هي إطلاق المزيد من الصواريخ وتصعيد خطاب الحرب لإظهار التحدي".