حزب الله يخيّر خصومه بين التعاون أو الفوضى

بيروت - دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الأربعاء الكتل النيابية في البرلمان اللبناني الجديد إلى التعاون بعد انتخابات لم ينجح فيها أي طرف بتحقيق غالبية صريحة، وشهدت صعود تمثيل النواب المستقلّين والتغييريين.
وقال نصرالله في كلمة تناول فيها نتائج الانتخابات النيابية التي جرت الأحد، "نحن أمام مجلس نيابي مكوّن من كتل نيابية ومستقلّين ولا يوجد فريق سياسي اليوم في البلد لديه الأكثرية النيابية"، مقرّا للمرة الأولى بخسارة حزبه مع حلفائه الغالبية في البرلمان.
وأجريت الانتخابات النيابية في ظلّ أسوا أزمة اقتصادية يشهدها لبنان في تاريخه، حيث تراجعت قيمة العملة الوطنية أكثر من 90 في المئة مقابل الدولار، وتضاعف معدّل البطالة ثلاث مرات تقريبا إلى 30 في المئة منذ عام 2019.
وعلى الرغم من أن حزب القوات اللبنانية المسيحية، الخصم الرئيسي لحزب الله، يشكل أقلية في البرلمان الجديد، فقد فاز بمقاعد. وفاز مسلمون سنة يتشابهون معه في التفكير أيضا بمقاعد إضافية، فضلا عن عدد من المستقلين.
وتشكل النتائج ضربة لحزب الله، رغم أن نصرالله وصفها بأنها "انتصار كبير جدا للمقاومة".
وحضّ نصرالله جميع الأطراف على التعاون، محذّرا من أنّ بديل الشراكة والتعاون هو "الفراغ والفوضى والفشل"، داعيا إلى "تهدئة السجالات الإعلامية من جميع الأطراف، وجميعنا معنيون بتهدئة البلد، فالسجال لن يوصلنا إلى نتيجة".
وتركت النتائج البرلمان منقسما إلى عدة معسكرات، لا يتمتع أي منها بأغلبية مطلقة، مما يزيد من احتمالات الشلل السياسي والتوتر الذي قد يؤخر الإصلاحات، التي تشتد الحاجة إليها لإخراج لبنان من الانهيار الاقتصادي الذي يراوح فيه.
وخسر حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان، ما دفع خصومه إلى الاحتفال، لكن الحزب المدعوم من إيران يبقى القوة الأكثر نفوذا على الساحة السياسية، ويمتلك ترسانة عسكرية ضخمة يقول إنها لمواجهة إسرائيل، لكن معارضيه يتهمونه باستخدامها "للترهيب" في الداخل وببناء "دولة ضمن الدولة".
وعلى الرغم من خسارته الأكثرية في مجلس النواب، احتفظ حزب الله وحليفته حركة أمل (أو ما يعرف بالثنائي الشيعي) بكامل المقاعد العائدة للطائفة الشيعية (27)، لكن حلفاء تقليديين بارزين له، من بينهم التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس اللبناني ميشال عون، خسروا مقاعدهم، ما جعله غير قادر على تأمين 65 مقعدا من 128 هو عدد مقاعد مجلس النواب.
وحقق خصمه اللدود حزب القوات اللبنانية بعض التقدم في عدد المقاعد (18)، بينما كمنت المفاجأة في وصول 13 نائبا على الأقل من المعارضة المنبثقة عن الانتفاضة الشعبية ضد الطبقة السياسية بكاملها التي انطلقت في 2019.
وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس لينا الخطيب، "سيسعى الحرس القديم إلى تأكيد هيمنته السياسية في مواجهة التغييريين الذين دخلوا البرلمان للمرة الأولى".
وتبدأ ولاية المجلس الجديد في الثاني والعشرين من مايو وسيكون أمامه مهلة 15 يوما لانتخاب رئيس له، وهو منصب يشغله رئيس حركة أمل نبيه بري منذ العام 1992، ولا ينوي التنازل عنه رغم بلوغه الرابعة والثمانين.
وأعلن "التغييريون" والمعارضون الآخرون، وبينهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أنهم لن ينتخبوا بري رئيسا للبرلمان، لكن قد لا يكون اعتراضهم مجديا كون كل النواب الشيعة ينتمون إلى حركة أمل وحزب الله أو ما يعرف بـ"الثنائي الشيعي"، وبالتالي، لن يكون لديهم مرشح بديل لتقديمه. ووفق اتفاق الطائف تعود رئاسة المجلس النيابي للشيعة في لبنان.
وسارع الحزب إلى البدء بتوجيه رسائل إلى النواب المعارضين له فور ظهور نتيجة الانتخابات. وقال رئيس كتلة حزب الله النيابية محمّد رعد "نتقبّلكم خصوما في المجلس النيابي، ولكن لن نتقبّلكم دروعا للإسرائيلي ومن وراء الإسرائيلي".
ويثير هذا الانقسام الحاد مخاوف من تكرّر حوادث العنف التي شهدتها منطقة الطيونة في بيروت في أكتوبر 2021، بين أنصار القوات اللبنانية وأنصار حزب الله وحركة أمل على خلفية تظاهرة احتجاجية.
وأشارت صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية الصادرة بالفرنسية الأربعاء إلى أن الغالبية التي كان يتمتع بها حزب الله في البرلمان خلال السنوات الأخيرة، مكنته "من فرض قراراته من دون اللجوء إلى العنف وحماية خطوطه الحمراء".
ويقول الباحث دانيال ميير المقيم في فرنسا "هناك خطر حقيقي بحصول شلل تام"، مضيفا "الطرق المسدودة اختصاص لبناني".
وخلال ولاية البرلمان المنتهية ولايته الأخيرة، سنتان من أصل أربع كانتا بإشراف حكومة تصريف أعمال تملك قدرة محدودة على إنجاز أي شيء، فيما القوى التقليدية النافذة تسعى إلى التوافق على تركيبة حكومية تقوم على المحاصصة.
ويرأس نجيب ميقاتي حكومة يفترض أن تقدم استقالتها بعد بدء ولاية البرلمان الجديد، منذ سبتمبر 2021 بعد فراغ استمر 13 شهرا. ويفترض أن الحكومة مؤلفة من وزراء تكنوقراط بمعظمهم، لكن تبين أن لكثيرين منهم مرجعية سياسية واضحة توجههم.
ويستبعد أن يشارك أي من المعارضين الجدد الذين ينتهجون خطابا جديدا عصريا بعيدا عن اللغة التقليدية للسياسيين اللبنانيين المتجذرين، في أي حكومة ائتلافية.
ويقول المحلل السياسي سامي نادر "هناك تغيير في ميزان القوى، لكن ذلك لن يترجم في برنامج تغييري لأنه على الرغم من كل شيء، يحتفظ حزب الله بقدرته على الفيتو".
وقد يجد ميقاتي نفسه في موقع من يدير حكومة تصريف أعمال إلى أن يحين موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في نهاية هذه السنة.
وسيكون انتخاب الرئيس ليخلف ميشال عون (88 عاما) بدوره استحقاقا صعبا آخر على جدول أعمال المجلس النيابي.
ويتم التداول بعدة أسماء لخلافته، بينها صهره جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب والوزير السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون، لكن كل هذه أسماء لا تلقى إجماعا ويصعب أن تحصد أكثرية في مجلس النواب.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت جوزيف باحوط "سنشهد على الأرجح فترة طويلة من الشلل داخل البرلمان"، مشيرا إلى أن الأزمات يمكن أن تؤخر الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، في مقابل تقديم مساعدة ملحة إلى لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ أكثر من سنتين.