حزب الله وحلفاؤه مع تأجيل ثالث للانتخابات البلدية وهذه المرة تحت ذريعة "الظروف الأمنية"

تنتهي ولاية المجالس المحلية والاختيارية في لبنان في أواخر مايو المقبل، لكن جميع المؤشرات توحي بأن التوجه سيكون نحو تمديد ثالث لها في ظل عدم حماسة القوى السياسية لإجراء انتخابات واستسهالها التمديد.
بيروت - لم يعد يفصل عن انتهاء ولاية المجالس المحلية والاختيارية الممد لها في لبنان سوى بضعة أسابيع، لكن لا توجد حتى الآن أيّ مؤشرات عن استعدادات تجري لانتخابات جديدة، وسط تحجج البعض من القوى السياسية وفي مقدمتهم حزب الله وحركة أمل بأن الظروف الأمنية في الجنوب لا تساعد على ذلك.
وخلال اجتماع عقد بين المسؤولين المعنيين بالملف البلدي، في حزب الله وحركة أمل، قال مسؤول مكتب البلديات المركزي في أمل بسام طليس "نحن، حركة أمل وحزب الله، جاهزون لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية اليوم قبل الغد، ولكن هل يعقل إجراء انتخابات وهناك مناطق تقصفها إسرائيل يوميًّا والطائرات الحربية والمسيّرة فوقها في كلّ لحظة؟ نحن أمام معركة وأمام عدوّ مجرم لا نعلم ما يحضر لبلدنا وشعبنا".
وتبدو حجة الثنائي الشيعي لتأجيل جديد للانتخابات غير مقنعة بالنسبة إلى الكثير من اللبنانيين لاسيما وأن إسرائيل التي تعيش أجواء حرب على جبهتين، لم تعمد للتلكؤ في إجراء الاستحقاق البلدي الخاص بها. وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات البلدية في لبنان في مايو الماضي، ولكن تحت ذريعة عدم الجهوزية اللوجستية والمالية وافق مجلس النواب اللبناني في أبريل الماضي على تمديد تقني حتى 31 مايو 2024.
وتلك المرة الثانية التي يرجئ فيها مجلس النواب الانتخابات البلدية والاختيارية، حيث كانت الحجة التي سيقت في المرة الأولى هو تزامنها مع الاستحقاق النيابي. ولا يعتبر قرار تأجيل الانتخابات البلدية أمرا غريبا في الممارسة السياسية بلبنان. إذ غالبا ما يعطل نظام المحاصصة السياسية والطائفية الاستحقاقات المهمة، وبينها تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للبلاد أو حتى الانتخابات البرلمانية. وتعاني مؤسسات الدولة في لبنان بالفعل من فراغ في السلطة، حيث أن البلد دون رئيس للجمهورية منذ انتهاء فترة ميشال عون في أكتوبر 2022 وإلى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق حول من سيحل مكانه في قصر بعبدا.
ويرى متابعون أن رغبة الثنائي الشيعي في تأجيل الاستحقاق مجددا لا تخلو من حسابات سياسية في ظل تراجع كبير في شعبيتهما، وهو ما يفسر عدم حماستهما لإجراء الاستحقاق. ويشير المتابعون إلى أنه كان بالإمكان البحث عن صيغة أخرى تمكّن من إجراء الانتخابات، من ذلك المقترح الذي عرضه زعيم حزب القوات سمير جعجع والداعي إلى حصر تأجيل عقد الانتخابات في الجنوب، إلى حين هدوء الأوضاع هناك.
وكان زعيم حزب القوات حذر الشهر الماضي من استسهال التمديد وقال في بيان "تنتهي في آخر شهر مايو ولاية المجالس البلدية والاختيارية، وندرك تمام الإدراك أنّ مناطق واسعة من جنوبي لبنان تشهد أعمالا عسكرية تحول دون إتمام الانتخابات فيها، ولكن في الوقت عينه، لا نستطيع ترك البلد في حالة شلل تام على هذا المستوى من السلطات المهمة ودورها المحوري حيال الناس".
وأضاف "من هذا المنطلق، وبما أنّ قانون الانتخابات البلدية والاختيارية يقتضي دعوة الهيئات الناخبة أقله، قبل 90 يومًا من موعد هذا الاستحقاق، ما يتطلّب من وزير الداخلية بسام مولوي إصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل 26 من الشهر الحالي. أما التذرُّع بالوضع العسكري في الجنوب لإكمال شلل البلد فهذا ليس مقبولًا على الإطلاق". وعرض جعجع "نستطيع التفكير بتأجيل الانتخابات في البلدات التي تشهد عمليات عسكرية كونها تعيش ظرفًا قاهرًا، ولكن هذا لا يعني ترك البلد مرة من جديد من دون انتخابات بلدية".
ويستوجب الوضع البلدي في لبنان حقيقة إجراء انتخابات جديدة وعدم الركون إلى تأجيل جديد، فالكثير من البلديات أصبحت منحلة، والغالبية الأخرى أصابها الشلل والملل جراء التمديد. وتعد الانتخابات البلدية والاختيارية الاستحقاق الديمقراطي الثاني بعد الانتخابات البرلمانية في لبنان، وتمتد ولاية المجالس البلدية والاختيارية إلى ست سنوات خلافا لولاية البرلمان المنحصرة في أربعة أعوام.
ويقول مراقبون إن تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية كان مقررا وبشكل مبكر وإن تحرجت القوى السياسية في الحديث عن ذلك، مشيرين إلى أن حكومة تصريف الأعمال أغفلت في الموازنة العامة لعام 2024 رصد الاعتمادات اللازمة لإجراء الانتخابات البلدية، قبل أن تجري لجنة المال والموازنة النيابية التعديلات عليها.
كما أن تصريحا سابقا لوزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أظهر بالواضح أن هناك نية لتطيير الاستحقاق حينما قال إنّه "يتمنى" أن تنتهي الحرب في الجنوب قريبا، حتى "يتمكّن" من إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية. وتعود فكرة إنشاء البلديات إلى عهد المفوض السامي الفرنسي عند إنشاء دولة لبنان الكبير سنة 1920. ثم صدرت أنظمة بلدية سنة 1922 تحدد أصول إنشاء البلديات، وتنص على أن يدير كل مجلس بلدي المصالح لكل مدينة أو قرية مستقلة إداريا.
وصارت البلدية لاحقا بمثابة إدارة محلية تمارس صلاحياتها ضمن نطاقها الجغرافي المحدد قانونيا، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وتتبع جميع البلديات لسلطة وزارة الداخلية. وقد تضررت البلديات في لبنان بشكل كبير بعد الانهيار الذي عصف بلبنان في خريف 2019، وبدت عاجزة عن القيام بدورها لاسيما في الجانب التنموي.