حزب الله على أبواب الحظر في سويسرا

الحزب اللبنالني اضطلع منذ سنوات بالأنشطة الإجرامية في أوروبا بعد ازدياد حاجته إلى استقلاليته عن مموليه في طهران ودمشق.
الثلاثاء 2020/08/25
الخناق يضيق على الحزب المدعوم من إيران

برن (سويسرا) – تواصل أوروبا دون هوادة محاصرة الميليشيات الإسلاموية الإجرامية النشطة على أراضيها والمتخّفية تحت عباءة العمل الخيري تارة والجمعياتي تارة أخرى، ما ضيّق الخناق على أجنداتها وقلّص من هامش مناوراتها التنظيمية والفكرية.

وقدمت هذه الميليشيات نفسها في بداية احتضانها في أوروبا على أنها فصائل مضطهدة في دول المنشأ، إلى أن انكشف خداعها وعدّلت الدول المستضيفة لها بوصلتها باتجاه محاصرة أنشطتها تمهيدا لتفكيكها، لكن الأمر ليس بالسهولة بمكان، فالطريق طويل لتطويق شبكات هذه الميليشيات المتشابكة والمتشعبة.

وبسبب أنشطته وتحركاته الإجرامية في البلاد وغيرها من الدول الأوروبية، تدرس الحكومة السويسرية حظر أنشطة حزب الله اللبناني على أراضيها، تمهيدا لتصنيفه منظمة إرهابية أسوة بالعديد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا اللتين قطعتا مع الفصل بين الجناح السياسي والآخر العسكري للميليشيا.

وكشفت صحيفة “بليك” السويسرية، السبت الماضي، عن أن الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين وسط)، وهو إحدى الكتل المكونة للحكومة، قدم طلبا لحظر ميليشيات حزب الله، مشيرة إلى أن الحكومة تدرس المقترح في الوقت الحالي.

وتابعت الصحيفة “يريد المجلس الاتحادي التحقيق فيما إذا كانت ميليشيات حزب الله نشطة أيضا في سويسرا، وإعداد تقرير شامل عن وضع التنظيم والأفرع التابعة له وأنشطتها في البلاد”.

كما نقلت عن رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي غيرهارد فيستر، قوله “حزب الله يشكل تهديدا لكل دول أوروبا”، متابعا “حظر حزب الله يمكن سويسرا من مراقبة خلايا التنظيم بشكل جيد في البلاد”.

وأضاف فيستر “نهدف إلى إعداد تقرير عن نشاط حزب الله في سويسرا، والمنظمات التي على اتصال به في أراضينا، وما إذا كان يجمع الأموال ويملك حسابات مصرفية نشطة لدينا”.

وإلى ذلك، أكد السياسي السويسري أن مقترح حزبه الخاص بحزب الله يشمل “حظر استخدام رموز الميليشيات في الأماكن العامة أو في الأفلام والوثائق الدعائية وحظر تجمعات الحزب، ومصادرة أصول التنظيمات التي ترتبط به”.

ويأتي التحرك السويسري بعد أيام من حظر ليتوانيا عناصر حزب الله من دخول أراضيها لمدة 10 سنوات، لتكون بذلك أول دولة في منطقة البلطيق تتخذ هذا الإجراء. وتصنف ثلاث دول أوروبية حتى الآن حزب الله على أنه منظمة إرهابية، وهذه الدول هي بريطانيا وألمانيا وهولندا.

تنظيم إجرامي مورط في عمليات إرهابية
تنظيم إجرامي مورط في عمليات إرهابية

وفي يناير أعلنت الحكومة البريطانية رسميا تصنيفها لجماعة حزب الله بالكامل، بما فيها الجناح السياسي، منظمة إرهابية وتجميد أصولها بموجب قواعد الإرهاب والتمويل الإرهابي، ما يزيد من تضييق الخناق عليها.

وكانت بريطانيا قد ميّزت عام 2008 بين الأجنحة العسكرية والسياسية لحزب الله، حيث حظرت الجناح العسكري بينما سمحت للجناح السياسي بالبقاء كمنظمة قانونية في المملكة المتحدة.

ويضيف هؤلاء أن السياسة البريطانية في هذا المجال متأثرة بالتغييرات الجذرية التي طرأت على نظرة الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب لإيران وحزب الله. وحظر الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله في عام 2012 بعد هجوم قام به أعضاء في المنظمة على حافلة سياحية إسرائيلية في بلغاريا في عام 2012، والذي أسفر عن مقتل خمسة إسرائيليين وسائق الحافلة البلغاري المسلم.

وتصنف دول الخليج والولايات المتحدة حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا، فيما تواصل تضييق الخناق على مصادر تمويله وتتعقّب شبكات على صلة بالجماعة اللبنانية المدعومة من إيران يشتبه في أنها تقوم بعمليات تبييض أموال وتجارة مخدرات لصالح الجماعة الشيعية لتمويل نشاطاتها المسلحة.

ويقول معهد واشنطن المختص في تحليل السياسات، إن حزب الله اضطلع منذ سنوات بالأنشطة الإجرامية في أوروبا بعد ازدياد حاجته إلى توفير التمويل وخاصة من أجل التأسيس لاستقلاليته عن مموليه في طهران ودمشق في الوقت الذي يواجه فيه كل منهما حالة من انعدام الأمان المالي.

وكانت التقديرات تشير في ما مضى إلى أن حزب الله يتلقى ما بين 100 مليون و200 مليون دولار سنويا من إيران ومصادر إضافية من سوريا، غير أن هذا الدعم تراجع بشكل لافت، إذ تواجه إيران حاليا عقوبات اقتصادية مدمرة، فضلا عن أن الدولة السورية غارقة في حرب أهلية. ومن هنا تأتي أنشطة حزب الله الإجرامية التي تهدف إلى سد تلك الفجوة.

ويدير عملاء حزب الله إحدى أكبر العمليات الإجرامية وأكثرها تعقيدا في العالم. وقد عملت تلك الأنشطة الإجرامية على تقوية شوكة المنظمة وزادت من صعوبة قدرة الدول الغربية على تقويضها.

الحزب مصنف إرهابي في أوروبا
الحزب مصنف إرهابي في أوروبا

وحددت هيئة الشرطة الأوروبية (يوروبول) في تقريرها “تقييم تهديد الجريمة الخطيرة والمنظمة” العديد من العناصر المساعدة على الجريمة، حيث تشمل تلك العناصر النقاط الساخنة اللوجستية ومجتمعات المهاجرين والفساد واستخدام الهياكل التجارية القانونية والفرص العابرة للحدود وانتحال الشخصية وتزوير المستندات والعنف. ويستغل حزب الله جميع هذه العناصر، ليس فقط في أوروبا، بل في العالم أجمع.

وبعد أن أصبح حزب الله أكثر نشاطا في أوروبا، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة هامة في مقاومته من خلال تصنيف جناحه العسكري كجماعة إرهابية. لكن من خلال قصر التصنيف على الجناح العسكري، فإن الاتحاد الأوروبي قوّض بشكل قوي من قدرته على مصادرة أي أموال بموجب نظام مصادرة الأصول الذي يطبقه.

فمن الناحية القانونية، فإن أي أموال مرتبطة بحزب الله لكنها غير مرتبطة صراحة بجناحه العسكري تبقى بعيدة المنال ومحمية في أوروبا.

ويقول ماثيو ليفيت الباحث في معهد واشنطن “بما أن الأموال يمكن استبدالها، فسوف يواصل حزب الله على الأرجح الحصول على الأموال في أوروبا لكن تحت مظلة الأنشطة السياسية والاجتماعية”.

ويضيف ليفيت “تحويل الأموال لأغراض أقل ذاتية مثل ميليشيا الجماعة أو الأنشطة الإرهابية لن يكون صعبا، ومن ثم سوف تبقى الأنشطة الإجرامية والإرهابية بمستويات مرتفعة في أوروبا من دون إجراءات حازمة ومنسّقة لوقفها”.

12