حزب "الإخلاص".. زوبعة أم سد فراغ في انتخابات الرئاسة بمصر

مرتضى منصور تحول إلى أداة تستخدمها الحكومة في مواجهة خصومها ولتحقيق أغراضها الخفية، وهو ما يمكن حدوثه في السياسة.
السبت 2023/06/10
خطوة مفاجئة تفتح باب التساؤلات

القاهرة- لم يستوعب قطاع كبير من المصريين إصرار رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور على تشكيل حزب سياسي باسم “الإخلاص” عقب عزله بسبب حكم قضائي صدر ضده، وكأنه يريد سد فراغ سياسي محتمل عندما يحل موعد الانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة، أو أنه يريد نقل شغبه من الرياضة إلى السياسة.

وأعلن مرتضى منصور في مؤتمر صحفي بالقاهرة الأربعاء عزمه تشكيل حزب جديد، واستخدم عبارات فضفاضة تدغدغ مشاعر الجمهور وتلفت الأنظار إليه، من بينها أنه يستهدف جماعة الإخوان والدفاع عن الدولة الوطنية، وأنه قادر على استيعاب الجماهير من كل الأندية المصرية، أي لن يكون قاصرا على الزمالك أو نافرا من جماهير الأهلي كغريم تقليدي له.

وتعامل البعض مع الخطوة التي خطاها الرجل بسخرية على اعتبار أنه يبحث عن دور عقب عزله من رئاسة نادي الزمالك الذي حقق له شهرة كبيرة في السنوات الماضية، وتحول في نظر شريحة من جمهوره إلى شخص أشبه بـ”شمشون الجبار” الذي يستطيع هدم المعبد على الجميع.

وساعد وقوف بعض أجهزة الدولة عاجزة لفترة طويلة عن التعامل مع استفزازاته على رواج تكهنات بأنها ترعاه وتعمل على تسمينه جماهيريا، خاصة مع تجاوزاته المستمرة بحق رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب الذي حصل على حكم قضائي مؤخرا أدى إلى عزل منصور.

◙ يمكن لمرتضى منصور أن يلعب دور "المحلل" في مناطحة السيسي بدلا من انتخابات منزوعة الدسم تحرج النظام

وساد انطباع أن الحكومة مرتاحة لأسلوبه في المناوشات لإلهاء الجماهير الغفيرة في الرياضة بدلا من ميلها نحو الاهتمام بتعقيدات الاقتصاد والسياسة في مصر، ناهيك عن رغبتها في إنهاك مراكز القوى المعنوية في الدولة وتفتيتها.

وتعامل آخرون مع سعي مرتضى لتشكيل حزب بجدية كاملة، ولم يترك هؤلاء فرصة للاستخفاف بما قام به، انطلاقا من قناعة هذه الشريحة بأن كل خطواته الرياضية سابقا ليست بعيدة عن السياسة، ودللوا على رأيهم بأن الحكومة قامت بالطعن على حكم جديد صدر ضده بالحبس لمدة ثلاثة أشهر والدفاع عنه بغرض تبرئة ساحته جنائيا وسياسيا، لأنه رجلها الذي تستعين به في بعض الأزمات.

ويبدو إعلانه عن تأسيس حزب خطوة أكبر من قيامه بالبحث عن دور بعد انسداد الأبواب الرياضية أمامه، فقد كان عضوا في البرلمان سابقا، ولم يفلح في دخول البرلمان الحالي، ولذلك فهو غير بعيد عن السياسة ودهاليزها وتقاطعاتها المختلفة.

كما أنه أراد الاستثمار في السياسة التي تعاني حالة من الركود منذ سنوات، فلا الحكومة المصرية تمنح هامشا كبيرا للأحزاب تتحرك من خلاله، ولا القوى السياسة تستطيع خلق دور لها يجذب إليها الناس ويقتنعون بها.

ولعب مرتضى منصور على هذه الثغرة أو الفجوة وأعلن عن خطوته المفاجئة معتقدا أن هناك فئة كبيرة من جماهير الزمالك تقف خلفه وعلى استعداد للانضمام إلى حزبه الوليد، ما يعيد إليه الأضواء التي فقدها بعد رحيله عن منصب رئاسة نادي الزمالك.

وقد يكون إعلانه عن تأسيس حزب جاء بتحريض من أجهزة حكومية بهدف خلط الأوراق على الساحة السياسية، وشغل الناس به وبمشاكساته بعض الوقت، وهي تعلم أن قطاعا كبيرا يتشكك في نواياها وقد يشير إلى أنه حصل على ضوء أخضر منها.

ويعد هذا الأمر مطلوبا في حد ذاته كي يتم التشويش على فضيحة حزب “مستقبل وطن” داخل نقابة المهندسين مؤخرا، حيث مارس البعض من أعضائه عنفا لتخريب الجمعية العمومية للمهندسين التي جددت الثقة في نقيبها طارق النبراوي، على خلاف إرادة قيادات “مستقبل وطن” الذي يتحدث دائما أنه يمثل الظهير السياسي للحكومة.

نجح مرتضى في شغل قوى سياسية بخطوته وتراجع الحديث عن أزمة “مستقبل وطن” في سلم الأولويات، إذ تريد الحكومة تجنب الالتصاق بالحزب في الوقت الراهن، لإبعاد شبهة اتهامها بأنها تقف وراء أزمة نقابة المهندسين، ولن تغضب من انتقادها لدعم منصور لتقوم بتوظيفها في أنها لا تملك حزبا سياسيا أو ترعى حزبا محددا.

وأخذ الدور الذي قام به رئيس الزمالك السابق في مجال الرياضة يفقد مفعوله تدريجيا بعد أن أدى المهمة الموكلة إليه بنجاح في توريط جماهير الناديين الكبيرين (الأهلي والزمالك) في مشكلات جانبية، وتمكن من هز الهيبة التي يحظى بها الناديان في الشارع بنسب متفاوتة، ويتم الآن تدويره سياسيا للقيام بالدور نفسه.

وتحول مرتضى منصور إلى أداة تستخدمها الحكومة في مواجهة خصومها ولتحقيق أغراضها الخفية، وهو ما يمكن حدوثه في السياسة، حيث يمكنه خلق حالة من اللغط والجدل، والأخذ والرد، مع الخمول الذي يعتري غالبية الأحزاب السياسية وعلاقتها بالدولة في الحوار الوطني، وسيكون المحك في حصوله على ترخيص بحزبه، في وقت تكاد تكون الحكومة أوقفت منح تراخيص لأحزاب جديدة منذ سنوات.

وتمكن الاستفادة من مرتضى في انتخابات الرئاسة، والتي من المفترض أن تجرى في مارس المقبل ما لم يتم تقديم موعدها إلى نوفمبر حسب معلومات راجت مؤخرا، فإذا ترشحت شخصية قوية أمام الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي يمكن لمرتضى منصور الترشح ولعب دور في تكسير المرشح المنافس.

وإذا لم تكن هناك شخصية قوية منافسة يلعب دور “المُحلل” في مناطحة الرئيس السيسي ليمنح الانتخابات صخبا وحيوية وزخما مطلوبا، وفي النهاية لن يتجاوز الحدود المرسومة له، وذلك بدلا من إجراء انتخابات منزوعة الدسم قد تحرج النظام الحاكم، خاصة لو أن قوى المعارضة أعلنت مقاطعتها، وعزف الناس عن المشاركة فيها مع تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية وغياب الأفق لإيجاد حلول سريعة لها.

1