حزام أمان اجتماعي عُماني للتوقّي من تأثيرات الإصلاح الاقتصادي أثبت جدواه

التجربة العمانية تحت مجهر الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي خلال منتدى بالرياض.
الخميس 2024/12/05
تكريم لمنظومة واعتراف بحصافة العقل السياسي الذي أنشأها

جهود سلطنة عمان لتحقيق التوازن بين إصلاح اقتصادها وحماية مجتمعها من أي تأثيرات جانبية لعملية الإصلاح، كوفئت بشكل مزدوج، من خلال تمكنّها من تجاوز المصاعب الاقتصادية والمالية التي واجهتها السلطنة في فترة سابقة، ومن خلال تحقيقها الاستقرار المادي لمجتمعها والحفاظ على رفاهه وأمانه، وهو ما أقرته شهادات الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي في حق السلطنة.

مسقط- باتت التجربة العمانية في مجال الحماية المجتمعية موضع اهتمام دولي بفعل كفاءتها في تحقيق التوازن بين الاستجابة لمتطلبات الإصلاح الاقتصادي الضروري وحماية المجتمع، لاسيما طبقته الضعيفة والوسطى، من تأثيرات تلك الإصلاحات التي كثيرا ما تحوّلت في بلدان أخرى إلى عبء على مواطنيها وآتت نتائج عكسية ذات تبعات اجتماعية وحتّى سياسية وأمنية.

وشملت أعمال منتدى إقليمي أقامته الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي “إيسا” في العاصمة السعودية الرياض بمشاركة عدد من الدول الأعضاء في الجمعية، تسليط الأضواء على تجربة السلطنة في المجال الاجتماعي ممثلة بصندوق الحماية الاجتماعية الذي فاز بالجائزة الرئيسة لأفضل الممارسات على مستوى إقليم آسيا والمحيط الهادئ إلى جانب حصوله على ثماني شهادات استحقاق أخرى.

ويقود سلطان عمان هيثم بن طارق برنامجا إصلاحيا ضمن خطّة شاملة لتحديث السلطنة يركّز في جانب كبير منه على إصلاح الاقتصاد دون أن يهمل الوضع الاجتماعي الذي خصّه البرنامج بسلسلة من الإجراءات تحصينا له من التأثيرات الجانبية لعملية الإصلاح التي تقتضي الضغط على الإنفاق العام والحدّ من سخاء الدولة في تقديم الدعم.

وتحقيقا لشقيّ هذه المعادلة ترافق إقرار خطة تتعلق بإحداث التوازن المالي، مع الإعلان في الوقت ذاته عن تسريع إنشاء نظام متكامل للحماية الاجتماعية.

فيصل بن عبدالله الفارسي: جائزة إيسا مكافأة لمنظومة حماية اجتماعية متكاملة ومستدامة
فيصل بن عبدالله الفارسي: جائزة إيسا مكافأة لمنظومة حماية اجتماعية متكاملة ومستدامة

وأضفى مرسوم سلطاني صدر في يوليو 2023 قوّة القانون على إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية الذي قام على مجموعة من المبادئ والأهداف من بينما أن يكون نظام الحماية شاملا ومناسبا يتصدّى للمخاطر ومواطن الهشاشة طيلة دورة الحياة بطريقة فعّالة ويستفيد منه الجميع دون استثناء وأن يقوم على تطبيق نموذج مستدام لتمويل الحماية الاجتماعية يشمل موارد متأتّية من الاشتراكات الاجتماعية والإيرادات العامّة حرصا على التضامن والإنصاف، مع المساهمة بشكل ملموس في الحدّ من الفقر والهشاشة وعدم المساواة، وأن يستند إلى إطار مؤسّسي وتنظيمي متكامل وفعّال من حيث التكلفة لتنظيم منافع الحماية الاجتماعية وإدارتها.

واعتبر فيصل بن عبدالله الفارسي الرئيس التنفيذي لصندوق الحماية الاجتماعية العماني أن فوز سلطنة عُمان بجائزة “إيسا” جاء “تتويجا للجهود الوطنية المبذولة لتطوير منظومة الحماية الاجتماعية بما في ذلك المبادرات النوعية المكثفة التي أطلقها الصندوق والتي تركزت على تحسين الخدمات وتبني حلول مبتكرة وتعزيز الكفاءة التشغيلية في الأنظمة الاجتماعية.”

ونقلت عنه وكالة الأنباء العُمانية قوله إنّ “هذا الفوز يبرز التزام صندوق الحماية الاجتماعية برفع معايير الأداء المؤسسي وتقديم حلول مبتكرة تواكب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ويعكس دوره للرؤى الوطنية في تطوير منظومة حماية اجتماعية متكاملة ومستدامة، تُحقق تطلعات المجتمع، وتدعم أهداف التنمية الوطنية بما في ذلك توجهات رؤية عُمان 2040.”

وأظهرت سلطنة عمان على مدى سنوات طويلة سابقة طموحا لإصلاح اقتصادها وتنويع مصادر دخلها لكن تلك الطموحات لم تبرح سياق العناوين العريضة غير المستندة لآليات تنفيذية حتى مجيء السلطان هيثم بن طارق إلى الحكم قبل نحو أربع سنوات حيث بادر إلى الدفع بالإصلاحات المنشودة التي تضمنت التخلّص من البطء والتكلّس في أجهزة الدولة وإزالة العوائق التي أخّرت الإصلاح الاقتصادي الذي كان مطلوبا بشدّة منذ سنوات.

وقام السلطان هيثم بإقرار خطة التوازن المالي متوسطة المدى متضمنة عدة مبادرات وبرامج تهدف في مجملها إلى “إرساء قواعد الاستدامة المالية للسلطنة، وخفض الدين العام ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بتوجيهه نحو الأولويات الوطنية، وزيادة الدخل الحكومي من القطاعات غير النفطية، وتعزيز الاحتياطيات المالية للدولة، وتحسين العائد على استثمار الأصول الحكومية بما يضمن تعزيز قدرتها على مواجهة أي صعوبات وتحديات مالية، وبما يضعها على مسار النمو والازدهار الاقتصادي.”

وفي إجراء لصيق بهذه الخطّة وجّه السلطان هيثم “بالإسراع في بناء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية، وذلك بهدف ضمان حماية ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي من أي تأثيرات متوقعة جرّاء تطبيق ما تضمنته الخطة من تدابير وإجراءات.”

وتُظهر الحالة المالية والاقتصادية والأوضاع الاجتماعية القائمة حاليا في السلطنة أن الخطة التي امتدت على الفترة من 2020 إلى 2024 آتت نتائجها المرجوة وحققت التوازن المطلوب بين إصلاح الاقتصاد وحماية طبقات المجتمع والحفاظ على قدر من الرفاه والأمان لأفراده.

وقالت وكالة الأبناء العمانية في تقرير لها إنّ فوز السلطنة بالجائزة الرئيسة للجمعية الدولية للضمان الاجتماعي ارتكز على مشروع توسعة تغطية الحماية الاجتماعية الذي يعد المظلة الوطنية الشاملة لمختلف جهود وأعمال الحماية والرعاية الاجتماعية وتمت من خلاله إعادة هيكلة أنظمة التأمين الاجتماعي والتقاعد العاملة في سلطنة عُمان حيث استهدف عمله تحسين جودة الحياة وتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال سياسات وبرامج شاملة للحماية الاجتماعية.

وذكرت أنّ المشروع يركّز على ضمان الكفاءة والاستدامة والعدالة في تطبيق تلك البرامج، مع متابعة أثرها الإيجابي على الشراكة المجتمعية وحماية حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية.

وتُعد الجائزة الرئيسة لجمعية إيسا من أرفع الجوائز في مجال الضمان الاجتماعي بالمنطقة ويتم من خلالها تكريم الممارسات والابتكارات والتجارب التي تُسهم في تعزيز الحماية الاجتماعية على مستوى العالم وتمنح لدولة واحدة في كل دورة تعقد مرة كل ثلاث سنوات.

كما حصلت سلطنة عُمان ممثلة بصندوق الحماية الاجتماعية على ثماني شهادات استحقاق ضمن منافسات الجمعية للممارسات الفضلى على مستوى إقليم آسيا والمحيط الهادئ، فقد حازت ثلاثة من مشروعات الصندوق على شهادات استحقاق مع إشادة خاصة، وهي مشروع “إدارة التغيير الداخلي: انتقال سلس لرأس المال البشري” ومشروع “ربط معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في الاستثمارات”، ومشروع “التهيئة الإعلامية لإصدار قانون الحماية الاجتماعية “.

واستحقت أربعة مشروعات أخرى للصندوق شهادات استحقاق، وهي مشروع “منافع الحماية الاجتماعية: نحو حماية شاملة”، ومشروع “المتسوق الخفي” ومشروع “منهجية الدمج المالي لصناديق التقاعد في سلطنة عُمان” ومشروع “مصفوفة تفويض الصلاحيات”.

3