حريق مهول يتوّج تراكمات حقبة الفساد والإهمال في الكويت

جسامة الخسائر التي نتجت عن حريق عمارة مخصصة لسكن العمال في الكويت أحالت بشكل آلي على ظاهرة التلاعب في مواصفات البناء والمضاربة في مجال استقدام الأيدي العاملة من الخارج، وأحالت بالنتيجة على ظاهرة الفساد المستشري والذي تطلبت خطورته تدخّل أمير البلاد لشن أوسع حملة بمواجهته.
الكويت - أحدث الحريق المهول الذي أتى، الأربعاء، على مبنى يقيم فيه عمّال أجانب بالكويت وأودى بحياة العشرات منهم حالة من الصدمة في الكويت وأثار غضب وامتعاض العديد من الأوساط الرسمية وغير الرسمية التي نظرت إلى الحادث المروّع باعتباره تتويجا منطقيا لمسار الفساد والإهمال الذي استمر لسنوات طويلة، وانطلقت حديثا عملية وقفه بدفع من أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وبالاستناد إلى قراراته الصارمة التي اتّخذها مؤخّرا.
ومع الإعلان عن سقوط أكثر من مئة وخمسين ضحية بين قتيل ومصاب في الحريق الذي شبّ صباحا بعمارة سكنية بمنطقة المنقف في محافظة الأحمدي جنوبي العاصمة الكويت، جرى الربط بشكل آلي بين الحادثة وظاهرة الغش في البناء وإهمال وسائل الأمان والسلامة في المباني التي عادة ما يقيمها ويستثمر فيها أصحاب رؤوس أموال يتمتّعون بحماية جهات إدارية وحتى سياسية نافذة، ويتمكّنون بفعل ذلك من مخالفة القوانين وعدم الالتزام بالمواصفات لقاء ما يدفعونه من رشاوى للموظفين والمسؤولين.
وضاعف من خطورة الحريق أنّ له تبعات محتملة قد تتجاوز حدود الكويت إلى البلدان المصدرة للأيدي العاملة إليها، والتي سبق أن توتّرت علاقاتها بسلطات البلد جرّاء حوادث لا تُقارن في حجم خسائرها بما حدث الأربعاء، على غرار حوادث الاعتداء أو القتل المعزولة التي أودت بعدد محدود من رعايا تلك البلدان ومن بينها الفلبين التي سبق أن احتجت بشدة وهدّدت بوقف إرسال مواطنين للعمل في الكويت إثر مقتل عاملة فلبينية على يد مراهق كويتي سنة 2003.
ومع التفاعل الرسمي السريع، وعلى أعلى مستوى في هرم السلطة، مع الحريق بدأت الحادثة تتحول إلى مناسبة لتسريع التطبيق العملي لنهج الصرامة الجديد في التعاطي مع الفساد والإهمال ومعاقبة الضالعين فيه.
ووجّه أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد المسؤولين بالمتابعة الفورية للوقوف على أسباب اندلاع الحريق ومحاسبة المسؤولين عن حدوثه حتى لا يتكرر مثل هذا الحادث المؤسف مستقبلا.
وقال الديوان في بيان صحفي إن أمير البلاد بعث ببرقيات تعاز لأسر ضحايا حريق المنقف عبّر فيها عن صادق مواساته لهم.
من جهته قام وزير الداخلية وزير الدفاع الشيخ فهد اليوسف الصباح بزيارة إلى مكان الحادثة وأعلن التحفظ على صاحب العقار الذي نشب فيه الحريق للتحقيق في أيّ تقصير أو إهمال.
وقال الوزير “سأطلب من البلدية إزالة العقارات المخالفة من يوم غد من دون سابق إنذار للمخالفين، وسنعمل على معالجة قضية تكدّس العمالة والإهمال حيالها”.
أمير الكويت وجّه المسؤولين بالمتابعة الفورية للوقوف على أسباب اندلاع الحريق ومحاسبة المسؤولين عن حدوثه
وأضاف قوله “مع الأسف طمَعُ أصحاب العقارات هو الذي يؤدي إلى مثل هذه الأمور”، وأشار إلى وجود “إهمال ومخالفات من قبل تجار العقارات”.
وعزا ضابط كبير في الشرطة الكويتية كثرة الضحايا إلى وجود عدد كبير من العمال في العمارة المحترقة، مضيفا قوله “دائما ننبه ونحذر من استخدام العمارات لسكن العمال”، ومؤكّدا وجود مخالفات ونقص في وسائل السلامة مثل عدم توفر ممرات متعددة للخروج أثناء الحوادث.
من جهتها أكدت وزيرة الأشغال وشؤون البلدية نورة المشعان أنه لن يكون هناك أيّ استثناء في تجاوزات البنايات السكنية مشددة على أن المخالفات سيتم التعامل معها بالطرق القانونية وستتم محاسبة المتسبب فيها.
وقالت لوسائل إعلام محلية سيتم التحقيق مع قيادات البلدية في محافظة الأحمدي والتنبيه على جميع قيادات المحافظات بالتفتيش الدوري وتزويد مدير البلدية بتقرير أسبوعي عن كامل المخالفات للتعامل معها.
وتستقبل الكويت الغنية بالنفط أعدادا كبيرة من العمال الأجانب، الكثير منهم من جنوب وجنوب شرق آسيا، ويعمل معظمهم في قطاع البناء أو الخدمات.
ولا يسلم استقدام العمال من الخارج بحدّ ذاته من عمليات فساد وتلاعب واتّجار بالإقامات، وحتى بالبشر، في ظل الطلب الكبير في الكويت على الأيدي العاملة الوافدة الأمر الذي حوّل القطاع إلى مجال للمضاربة والاحتيال اللذين كثيرا ما ينعكسان على ظروف عيش وإقامة العمال الأجانب وسائر حقوقهم من أجور وغيرها.
وفي أول ردود فعل الدول التي فقدت رعايا لها في الحريق، وصف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حريق المنقف بالكارثة المحزنة.
وقال عبر منصّة إكس “أفكاري مع جميع الذين فقدوا أقارب وأحباء لهم”. وجاء ذلك بينما توجّه وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية كيرتي فاردان سينغ إلى الكويت لتنسيق المساعدة وإعادة جثامين الضحايا إلى البلاد، وفق ما أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الهندية.
وكتب وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار من جهته عبر حسابه على إكس قائلا إنّه صدم بشدة من أخبار الحريق ويقدّم تعازيه لأسر الذين فقدوا حياتهم بشكل مأساوي.
ويعدّ هذا الحريق من أسوأ الحوادث التي شهدتها الكويت، حيث ارتفع عدد قتلاه إلى حوالي خمسين شخصا وذلك بسبب الاكتظاظ الشديد للمبنى المحترق بالعمال الوافدين.
وأظهرت صور من مكان الحريق السخام الأسود وهو يغطي السطح الخارجي للمبنى المكون من ستة طوابق والذي كان يسكنه قرابة المئتي عامل.
وذكر مصدر في الإدارة العامة للإطفاء أن الضحايا أصيبوا باختناق بسبب الدخان المتصاعد بعد اندلاع الحريق في الطابق الأرضي.
وكانت الكويت قد شهدت سنة 2009 حريقا أودى بحياة أكثر من خمسين شخصا بعدما أضرمت امرأة النار في خيمة عرس زوجها في منطقة الجهراء. وأقدمت حينها نصرة العنزي على سكب البنزين على الخيمة وأشعلت فيها النار بينما كان الناس يحتفلون في الداخل. وتم إعدامها شنقا في 2017 بسبب الجريمة التي كان من بين ضحاياها الكثير من النساء والأطفال.