حريق سوق القيصري بكركوك كارثة اقتصادية تذكي نعرات قومية

ربط حريق سوق القيصري في كركوك بدوافع سياسية وصراعات عرقية لن يكون أمرا استثنائيا في العراق الذي تتعدّد فيه مثل هذه الكوارث داخل المدن من حرائق وتفجيرات إرهابية وانفجارات لمخازن أسلحة وذخائر تابعة للميليشيات، وقد تمثّل وسيلة مثالية للانتقام من خصوم أو لإتلاف وثائق وطمس معالم جريمة ما.
كركوك (العراق) - خلّف حريق شبّ في سوق قديم وسط مدينة كركوك مركز المحافظة التي تحمل نفس الاسم بشمال العراق، خسائر مادية كبيرة، وفجّر جدلا امتد ليشمل أبعادا أمنية وسياسية بعد تشكيك البعض في أسباب الحادث، والتلميح إلى ربطها بالصراع الشرس الدائر على المدينة متعدّدة الأعراق والقوميات.
وأذابت النيران التي شبّت ليلا في سوق القيصري المغطى وسط المدينة مصوغات ذهبية قُدّرت قيمتها بمليار دولار، حسب رئيس اتحاد تجار المجوهرات بالسوق، حقي إسماعيل.
وأعلن إسماعيل عن بدء عملية جمع الذهب الذائب من تحت الأنقاض، لافتا إلى أن المحال المحترقة يعود عمرها لمئات السنين، حيث يرجع إنشاؤها إلى الحقبة العثمانية.
وأوضح لوكالة الأناضول “كان هناك حوالي 5 أطنان من الذهب والأشياء الثمينة في متاجر صياغة الذهب البالغ عددها 67 متجرا بالسوق، وجرّاء الحريق الذي استمر لساعات ذابت المصوغات الذهبية”.
وأشار إلى أن مصوغات فضية بقيمة 200 ألف دولار، ذابت أيضا جراء الحريق. وقال إنّ مصدر رزق المئات من الأسر أصبح رمادا، داعيا السلطات إلى كشف سبب نشوب الحريق بالسوق التاريخي.
ووفق تصريحات صحافية للمسؤول الإعلامي لمديرية إطفاء كركوك قيس كركوكلي، لا يزال سبب الحريق مجهولا. وكثيرا ما تعزى مثل هذه الحرائق في العراق إلى تماسّ كهربائي نظرا لتهالك شبكة الكهرباء وعدم انتظام التيار.
واعتبرت الجبهة التركمانية العراقية، الثلاثاء، أن حريق السوق يستهدف “محو الوجود التركماني” في المحافظة التي يقطنها خليط قومي من التركمان والعرب والأكراد.
وقال نائب رئيس الجبهة التركمانية العراقية، حسن توران، إنّ حريق سوق القيصري “سهم من السهام التي تستهدف محو الوجود القومي التركماني في كركوك من خلال استهداف حضارته وآثاره واقتصاده”.
وأضاف في بيان أنّ “مثل هذه الأمور لن تجعلنا نترك مدننا وتجارتنا وتراثنا رغم استهداف الشعب التركماني بشتى الوسائل منذ حوالي أكثر من قرن كامل من الزمان”.
الحرائق المتعمدة وسيلة متبعة على نطاق واسع في العراق للانتقام من خصوم أو لإتلاف وثائق أو لطمس معالم جرائم
واعتبر أنّ “احتراق هذا الصرح المعماري الفريد والمتميّز من نوعه يدعونا إلى أن نكون أكثر حذرا ويقظة لمنع تكرار مثل هذه الأعمال في مناطق أخرى”.
كما دعا توران الجهات المختصة المحلية والاتحادية إلى “إيلاء هذا الأمر المزيد من الأهمية وأخذه على محمل الجد والمسؤولية وسرعة تعويض أصحاب المحلات بشكل عادل واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على المواطنين وممتلكاتهم والآثار والتراث سواء في مدينة كركوك أو المناطق الأخرى”.
وتمثّل المدينة مركزا لإحدى أثرى محافظات العراق بالنفط وفي مقدّمة المناطق المتنازع عليها، إذ يطالب الأكراد بضمّها إلى إقليمهم وقد حاولوا فرض ذلك كأمر واقع ببسط سيطرة قواتهم المعروفة بالبيشمركة عليها، إلى حدود خريف العام الماضي حين دخلتها القوات الاتحادية إثر تنظيم استفتاء على استقلال الإقليم عن العراق.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية التي شهد العراق خلالها حربا ضدّ تنظيم داعش شملت مناطق في كركوك بمشاركة فاعلة من القوات الكردية، تعرّض سكّان من أصول عربية وتركمانية في عدد من قرى المحافظة لمضايقات على يد الأكراد الأمر الذي عُدّ محاولة لإحداث تغيير ديموغرافي قسري في المحافظة.
وما يزال أكراد العراق يطالبون بعودة قواتهم إلى كركوك مؤكّدين أنّها الأقدر على تأمينها، وهو ما جعل البعض يتحدّث عن مساعي كردية متعمّدة لإحداث بلبلة أمنية في المحافظة لإسناد مطلبهم وبيان مشروعيته.
ولن يكون ربط حريق سوق القيصري بدوافع سياسية وصراعات عرقية أمرا استثنائيا في العراق، الذي تتعدّد فيه مثل هذه الكوارث داخل المدن من حرائق وتفجيرات إرهابية وانفجارات لمخازن أسلحة وذخائر تابعة للميليشيات.
وفي خريف العام الماضي طالت سلسلة من الحرائق الكبيرة عددا من الأسواق التجارية المهمّة ومخازن السلع وبعض مقرّات الدوائر الحكومية في بغداد، وكان أضخمها وأكثرها خسائر حريق شبّ في نوفمبر 2017 في سوق الشورجة الذي يعدّ أحد أهمّ المراكز التجارية بالعاصمة وأكثرها حيوية ونشاطا ومنه تتدفّق السلع على مختلف مناطق البلاد.
وبحسب دوائر أمنية عراقية فإنّ إضرام النيران وافتعال الحرائق من الوسائل المعتمدة في تصفية الحسابات بين لوبيات ومهرّبين والانتقام من خصوم ومنافسين، أو لطمس معالم جريمة ما مثل إتلاف وثائق أو التخلّص من سلع مهرّبة وإتلاف مخزونات من السلع لمصلحة كبار المهرّبين.
وكان من أكثر الحرائق “دلالة” في هذا الباب، الحريق الذي اندلع في يونيو الماضي في مخزن لصناديق الاقتراع في الرصافة بالجانب الشرقي من مدينة بغداد حيث كان يوجد نحو 60 بالمئة من بطاقات الناخبين الذين صوّتوا في انتخابات مايو الماضي.
ولم يكن عسيرا ربط الحريق بفضيحة التزوير التي شابت العملية الانتخابية ومحاولة جهات سياسية وأيضا إدارية طمس معالم التزوير بمنع مطابقة النتائج المعلنة بعدد الأصوات المتحصّل عليها فعليا والمثبتة في أوراق الانتخاب المودعة بالصناديق التي احترق كثير منها.