حرية تداول البيانات تنهي العداء التاريخي بين الحكومات والصحافة

تميل الحكومات إلى جعل البيانات متاحة أكثر فأكثر، مما يعطي الصحافيين فرصا جديدة لتغطية قصص صحافية متنوعة، لكن ذلك يعني أن عليهم بذل الكثير من الجهود لتعلم كيفية التعامل مع البيانات وفك رموزها لسرد أفضل قصة ممكنة.
الثلاثاء 2017/08/15
مهارة تمنح الصحافي استقلالا لا مثيل له

واشنطن – تتدفق الأخبار منذ الدقائق الأولى لانطلاق الأحداث، ويتوالى سيل المعلومات من مصادر عديدة متفاوتة المصداقية والدقة، ليجد الصحافيون أنفسهم أمام خيارات صعبة بانتقاء الخبر الموثوق، ولهذا السبب تبرز أهمية صحافة البيانات، حيث يمكن الجمع والانتقاء من بين هذا الكم الهائل من المعلومات.

ويؤكد خبراء الاتصال والإعلام حول العالم أن معرفة كيفية استخدام البيانات أصبحت مهارة ضرورية بالنسبة للصحافيين في أنحاء العالم، ويقول سيمون روجرز محرر البيانات في غوغل إنه “حتى في البلدان التي يصعب فيها الحصول على الكثير من البيانات، هناك أشخاص يبحثون ويجدون شيئا ما”. وأضاف “كل حكومة في العالم لديها بيانات حتى أفغانستان”.

وتحدثت جيسيكا كروز في تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين عن فعاليات المؤتمر الثاني عشر حول الصحافة الاستقصائية في البرازيل، والذي ناقش أهمية صحافة البيانات في العصر الرقمي.

وقد شهد الحدث أكثر من 10 ورشات عمل وحلقات ومحاضرات عن آخر التطورات في صحافة البيانات، فضلا عن الكثير من النصائح للصحافيين الذين بدأوا للتو في هذا المجال.

وباتت صحافة البيانات شائعة مؤخرا في الدول النامية، حيث أصبحت البيانات متاحة بشكل متزايد في ظل مبادرات مثل الحكومة المفتوحة، وهو ما مكّن من إتاحة فرص جديدة للصحافيين، حتى في أماكن لا تملك فيها غرف الأخبار الموارد لإنشاء فرق صحافة بيانات كبيرة.

لكن على الرغم من القوانين التي تتيح حق الحصول على المعلومات والتحرك نحو حكومات أكثر انفتاحا، لا يزال الاطلاع على المعلومات يشكل تحديا للصحافيين. ففي الكثير من الأحيان، تكون المعلومات عبر الإنترنت مقفلة على صيغة ملفات PDF، ما يجعلها صعبة على الصحافيين لدخولها، ولكن بفضل التكنولوجيا المتطورة، فإن القدرة على تحويل هذه الملفات إلى جداول بيانات أصبحت أكثر سهولة.

ماركو توليو بيريس: على الصحافيين حول العالم مسؤولية البحث وإيجاد مصادر جديدة للبيانات

وقال ماركو توليو بيريس مدير مختبر غوغل للأخبار في البرازيل وأميركا اللاتينية إن على الصحافيين مسؤولية البحث وإيجاد مصادر جديدة للبيانات، فالسعي خلف قصص ما كانت لتكون واضحة لولا ذلك، مع الضغط أيضا على الحكومة لجعل المزيد من البيانات متوفرة على شبكة الإنترنت.

وأضاف “نحن لا نتوقع أن يبحث كل مواطن عادي في قواعد البيانات ولكن الصحافيين يتلقون المال لأجل ذلك، كما لا يمكننا كصحافيين الاستسلام، بل علينا الضغط على الحكومة ودفعها للإفراج عن مجموعة بيانات، فهذا عملنا أليس كذلك؟”.

وأشار بيريس إلى أنه “إذا لم تكن لدى الصحافيين سهولة الوصول إلى الإنترنت فإن الأمر سيكون أكثر تعقيدا ولكن بعض المؤسسات تقدم دورات جوالة، مثل مدارس البيانات وإنترنيوز فهما يصلان إلى أماكن مثل أفغانستان والصومال لتدريب الصحافيين المحليين”.

وشدد بيريس على أن معرفة أساسيات الترميز أصبحت ضرورة للصحافيين الذين يعملون مع البيانات. وقال “ليس على الصحافي أن يكون خبيرا لكن إذا كان يعرف كيف يتعامل مع الكمبيوتر فإن ذلك يعطيه استقلالا ذاتيا لم يسبق له مثيل”.

ويمثل تطبيق بروبليكا مثالا على استخدام الترميز لدفع التحقيق في 2013، فقد عمل على تحليل المحتوى الذي من المرجح أن يكون رقابة على موقع التواصل الاجتماعي الصيني “سينا ويبو”.

وقام فريق بروبليكا بإنشاء برنامجٍ رصدَ 100 حساب على “سينا ويبو” على مدى 12 يوما، ووجد أن أكثر من 5 بالمئة من منشوراتهم تمت إزالتها من قبل الرقابة. وقال بيريس إن هذا النوع من القصة كان مستحيلا القيام به إذا لم يكن الصحافيون يعرفون كيفية إنشاء واستخدام البرامج الضرورية.

وأضاف أنّ “توسيع نطاق القصص التي يمكن للصحافيين متابعتها هو أحد الأسباب التي تجعل من الأهمية بمكان للمؤسسات الإخبارية أن تستثمر في تدريب صحافة البيانات”. وأضاف “إن القيام بهذا الأمر سيضع الصحافة في قلب الثورة التكنولوجية”.

ويمكن لمعرفة كيفية الترميز أن تساعد الصحافيين على معالجة المشاريع بمجموعات من البيانات الضخمة. فالترميز قد يساعد الصحافيين على أتمتة العمليات مثل تحميل جداول لا تعد ولا تحصى.

وتقول نتاليا مازوت وهي مؤسسة مشاركة في موقع أخبار برازيلي يستخدم البيانات لكشف عدم المساواة بين الجنسين “إنها لم تتعلم الترميز، لكن تعلم الترميز هو كتعلم لغة جديدة”. وأضافت “سوف يستغرق الأمر سنوات لكن إذا كنت تفهم على الأقل ماذا يقول هذا الرمز لك سيكون ذلك رائعا”. وأضافت مازوت أنه على الصحافيين محاولة إجراء “مقابلة” مع مجموعة البيانات الخاصة بهم تماما وكأنهم يجرون مقابلة مع مصدر بشري. وأضافت “قبل أن تتخذ قرار إذا ما كنت ستسرد قصتك عبر خرائط، رسوم بيانية أو أنواع أخرى من التصورات، من المهم أن يفهم الصحافيون أولا أي قصة يروون”.

ويرى سيمون روجرز أن صحافة البيانات تكمن في استخدام الأرقام لسرد أفضل قصة ممكنة، لا نتحدّث عن رياضيات ورسم خرائط أو كتابة الرموز، بل السرد وجعل هذه الأمور في خدمة الكتابة الصحافية”.

18