حركية أسواق رمضان تفاقم استغلال الأطفال في العمل

تجريم عمالة الأطفال في تونس لم تحد من تشغيلهم بسبب ظروف عائلاتهم المعيشية الصعبة.
الأربعاء 2019/05/29
مطالب بأكثر من طاقته

يتمتع أغلب الأطفال بالسهرات الرمضانية سواء في البيت مع العائلة أو في المشاوير الترفيهية والتسوق لاقتناء ملابس العيد في حين يحرم غيرهم من هذه الأجواء، فتجدهم في شوارع المدن التونسية الكبرى يعملون مثل الباعة المتجولين أو يتم استغلالهم في التسول خاصة في ليالي رمضان، وبالرغم من أن القوانين التونسية تجرم تشغيل الأطفال إلا أن ظاهرة استغلالهم وتشغيلهم في تونس ما فتئت تزيد تحت وطأة الفقر والحاجة.

تونس – يمضي لؤي (16 سنة) ليلته الرمضانية جالسا تحت أحد فوانيس شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي في العاصمة، وقد فرش على جانب من الرصيف ورقا كرتونيا وضع عليه نزرا قليلا من أكياس المناديل الورقية لعله يظفر ببيعها للمارة.

يوضح لؤي أنه اضطر على امتداد فترة سنة ونصف السنة، أي منذ وفاة والده، للعمل من أجل مساعدة والدته على تسديد معلوم إيجار المنزل، كما أنه انقطع عن التعليم منذ السنة الخامسة أساسي لأن الظروف المعيشية السيئة لم تمكنه من مواصلة مسيرته التعليمية.

ويقول في حديث لوكالة تونس أفريقيا للأنباء “وجدت نفسي مضطرا للعمل في سن مبكرة لكي أوفر المال لمساعدة أمي على تسديد الإيجار”، ويضيف بصوت يغالبه النعاس أن أحلامه كانت كبيرة لكنها انحسرت حاليا في تأمين مبلغ إيجار المنزل لكي لا يجد نفسه وأسرته في الشارع.

ويبيع طفلان آخران مطويات كتب عليها ما تيسر من الأدعية والآيات، على بعد أمتار من لؤي، ويحاولان إقناع المارة بشراء المطويات الدينية وبجدوى ذلك وفائدته تزامنا مع شهر رمضان.

يثير عمل الأطفال قلقا متزايدا في المجتمع التونسي وخاصة المدافعين عن حقوق الطفولة في تونس، لكن مكافحة الظاهرة تفرض حسب المختصين، مكافحة الفقر والانقطاع المدرسي وتوعية الآباء بمخاطر تشغيل أطفالهم.

ويلاحظ المتجول في شوارع المدن الكبرى في تونس كثرة الأطفال الذين يعملون مثل الباعة الجوالين، فمنهم من يبيع المناديل الورقية أو الزهور والهدايا وبعضهم يفد من ولايات داخلية بعيدة عن العاصمة وتستغله مجموعات معينة في هذه الأعمال وأحيانا في التسول، وهو ما أكدته العديد من الدراسات والتقارير الإعلامية التونسية التي ركزت على هذه الظاهرة.

ويؤكد الطفل لؤي “أتناول طعام الإفطار في ليالي رمضان مع أفراد الشرطة الذين يقاسمونني وجباتهم، وأحيانا يقوم بعضهم ممن شاركني إفطاره بطردي ومطالبتي بالرجوع إلى المنزل حينما أكون في الشارع″، مفسرا تصرفهم هذا بأنه من بين مهامهم وهو مساهمة منهم في مكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال.

وتفيد الإحصائيات الرسمية أن نسبة 905 بالمئة من الأطفال التونسيين نشطون اقتصاديا أي أنهن يمارسون عملا ما، وذلك وفق نتائج المسح الوطني حول عمل الأطفال في تونس الذي أنجز بالتعاون بين المعهد الوطني للإحصاء ووزارة الشؤون الاجتماعية ومكتب العمل الدولي في العام 2017، والذي أحصى عدد الأطفال ممن يتم استغلالهم اقتصاديا بأكثر من 21 ألف طفل بالرغم من تجريم القانون التونسي وتحديدا مجلتي حماية الطفولة ومجلة الشغل عمالة الأطفال.

وتنتشر ظاهرة استغلال الأطفال اقتصاديا في المدن الكبرى ومنها العاصمة تونس، حيث ينتشر أطفال يبيعون العديد من البضائع مثل المناديل والورود والهدايا إلى المارة في الشوارع الرئيسية بمراكز المدن لكنها تشمل كذلك المدن الداخلية.

عمل الأطفال يثير قلقا متزايدا في المجتمع التونسي 
عمل الأطفال يثير قلقا متزايدا في المجتمع التونسي

ويشير صلاح الدين عمر رئيس الجمعية التونسية للدفاع الاجتماعي بمحافظة قفصة إلى أنه يتم استغلال الأطفال وتشغيلهم في الورشات الخاصة في أنشطة تشمل الحلاقة والنجارة وغيرهما من المهن والحرف بحجة تكوينهم وتعليمهم صنعة يدوية وتمكينهم من الخبرة اللازمة للعمل من أجل الاندماج المباشر في سوق العمل.

وأضاف عمر أن الجمعية أحصت في آخر دراسة أنجزتها خلال العام 2014 وجود ما يزيد عن 22 طفلا يتم استقدامهم في سيارات من المحافظات المجاورة لاستغلالهم في التسول بشوارع مدينة قفصة، مؤكدا أن السلطات المحلية والجهوية تدخلت للحد من الظاهرة إثر توصيات دعت إليها الجمعية آنذاك.

وتابع “رغم تراجع ظاهرة استغلال الأطفال في التسول، إلا أن عمالتهم في باقي المهن والحرف مازالت متواصلة في ظاهرة تعكس تطبيع المجتمع مع مختلف أوجه الانتهاكات الاقتصادية للأطفال”.

ويشير التقرير السنوي لمندوبي حماية الطفولة في تونس إلى أن 368 طفلا تعرضوا خلال العام 2018 للاستغلال الاقتصادي أو استغلوا في التسول مقابل 79 آخرين تورطوا في جرائم منظمة، في حين أفاد المسح الوطني حول عمل الأطفال في تونس أن الأطفال الناشطين اقتصاديا منخرطون أساسا في الأنشطة الفلاحية والتجارية وأن أغلبهم يساهمون في إعانة عائلاتهم ولا يتقاضون أجرا عن عملهم.

وتبنت الدولة التونسية خططا رسمية للحد من عمالة الأطفال ومن بينها مشروع انطلق منذ 2017 بعنوان “كلنا ضد عمل الأطفال في تونس″، وذلك في إطار تنفيذ مخطط أشمل يرمي لمكافحة عمل الأطفال والذي يتواصل إلى غاية العام 2020 بالتعاون بين وزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمة العمل الدولية.

ويشدد خبراء ومختصون اجتماعيون على أن مكافحة تشغيل الأطفال لا يمكن أن تؤتي أكلها دون توعية الآباء والأمهات الذين يرسلون أبناءهم للعمل والقيام بحملات تحسيسية تخاطب المشغلين وتدفعهم للعزوف نهائيا عن تشغيل الأطفال، ولكن هذه الخطوات من شأنها أن تساعد في تخفيض نسب عمالة الأطفال ولكنها لن تقضي على الظاهرة في ظل الفقر والظروف المعيشية الصعبة التي تدفع الأسرة للاستعانة بطفل وإرساله للعمل لسد الرمق.

ولا يقتصر استغلال الأطفال من خلال العمل على التجارة بل يمتد إلى مجالات أخرى مثل المهن والحرف والأعمال الزراعية وكذلك تشغيل الفتيات الصغيرات كمعينات منزليات.

21